معلوم للجميع سيطرة إيران على لبنان عبر "حزب الله" الإرهابي لجعل هذا البلد العربي ساحلا لإيران على البحر المتوسط.
هذا التحكم الإيراني في القرار السيادي اللبناني ليس بجديد، وكثيرا ما حاولت المملكة العربية السعودية دعم لبنان، وتأكيد تضامنها الكامل مع الشعب اللبناني، فيما ترى أنه من الضروري أن أي مساعدات تقدم للحكومة اللبنانية تعتمد على قيامها بإصلاحات جادة وملموسة، مع ضمان وصول تلك المساعدات إلى مستحقيها وتجنب الآليات التي تمكّن الفاسدين من السيطرة على مصير لبنان.
لكن معلوم أن أي دعم سيوجّه إلى لبنان في ظروفه الحالية سيؤول إلى ساسة غير قادرين على تغيير المعادلة في الداخل اللبناني، في ظل إرباك "حزب الله" أي خطط لخروج هذا البلد من مأزقه، برعاية إيرانية، فإيران استطاعت إدخال وقودها وسلعها ومشاريعها عنوة إلى هناك، عبر ذراعها مليشيا "حزب الله"، وبموافقة أمريكية-أوروبية، أو بتعبير أدق بـ"سكوت" أمريكي-أوروبي.
زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مؤخرا إلى لبنان تقول إن طهران لم تعد تريد تمويه نفوذها أو تمريره فقط عبر "حزب الله".. من الآن فصاعدا ستمارس إيران "احتلالها" هناك بشكل مباشر وعلى أصعدة عديدة.
لذا فمَن لا يرى هذا المتغير في سياسة طهران يتعامى عن ذلك متعمدا.. فأسباب هذا المتغير عديدة، ويتصدرها بالطبع أن إيران قصدت الرد على محاولة دول الجوار دعم شبكات الطاقة في لبنان.
تريد إيران القول إن حصتها في ذلك البلد المتوسطي هي الأكبر والأكثر رسوخا، ولا شك أن مشروع الغاز العربي يهدف أولاً إلى مساعدة لبنان شعبا ودولةً، ثم يأتي بعد ذلك هدف الحد من النفوذ الإيراني هناك، ولكن واقع الحال يقول إن نتائج هذه المساعي في شقها الأول ممكنة، ولكن في الثانية غير مضمونة لأسباب تتعلق بالداخل اللبناني وموقف اللا موقف من الدول الكبرى.
السعودية هنا لا تعيق طريق أي مساعدة عربية إلى لبنان المثقل بالأعباء، فقد كانت دائما ولا تزال تتصدر صفوف داعميه سياسيا واقتصاديا، لكن يبدو أنها ترغب في أن تنأى بنفسها عن أزمات مستقرة خلّفتها مليشيا "حزب الله" المدعومة إيرانيا داخل لبنان.
هنا نلفت إلى أن التجربة أثبتت فشل سياسة التفاوض مع مليشيات إيران في المنطقة، كما أخفقت استراتيجية مقاطعة طهران في كل زمان ومكان، أما الخصومة المباشرة معها فقد اتضح أن الدول الغربية تدّعيها ولا تمارسها، وتصديق هذا الوهم يكلف دولا في المنطقة أثمانا لا تكترث لها القوى الكبرى.
فالأمريكيون والأوروبيون يحظرون على العالم التعامل مع طهران سياسيا واقتصاديا بحجة أنها تدعم الإرهاب وتزعزع استقرار المنطقة، وعندما تطالبهم بموقف رادع لهذا السلوك يقولون إنهم يفاوضون الإيرانيين في فيينا ضمن مجموعة الست، وسيصلون معهم إلى اتفاق يمنعهم من امتلاك قنبلة نووية.
لا يستطيع الغرب أن يرى من خطر الإيرانيين سوى سعيهم إلى امتلاك سلاح ذري.. هذا هو مصدر القلق الوحيد بالنسبة للأوروبيين والأمريكيين، وهذا آخر ما يشغل بال دول المنطقة وجوار إيران.. فعبر فزاعة القنبلة هيمنت طهران على قرار أربع عواصم عربية، ونشرت مليشياتها الموت والدمار في أنحاء متفرقة.
التراخي الدولي هو ما منح طهران الفرصة لتعيث فساداً في المنطقة، والخصومة الوهمية للغرب معها عطلت مسار الحوار لدول عربية مع الإيرانيين، كما أدت إلى تشتت نظر هذه الدول عن خيارات عدة للتعامل مع نفوذ إيراني في المنطقة.
السعودية لاعب أساسي على الخريطتين الإقليمية والعالمية، وكثيرا ما مدت المملكة يد العون وقت الأزمات الإنسانية التي يتعرض لها الأشقاء وغير الأشقاء، وتبدو هذه القاعدة شديدة الوضوح في تعامل الرياض مع الحالة اللبنانية، لكن المضي بها إلى حدود أبعد من الراهن يقودنا إلى تساؤل أساسي: لماذا لا تكون لبنان بندا في حوار مع إيران، التي تتداخل في ملفات كثيرة بالمنطقة، كاليمن وسوريا، عبر مليشياتها؟
بشكل عملي جدا، ونظرا لقيادة المملكة تحالفا عربيا لدعم الشرعية في اليمن، فإن ثمة أولوية لديها لإنهاء الحرب وإعادة الشرعية هناك، ثم تأتي ملفات أخرى، منها كيفية التعامل مع النفوذ الإيراني ومحاولة طهران الدائمة للتمدد وزعزعة استقرار المنطقة.
إن التشدق بالخشية من حدوث فراغ عربي في لبنان بسبب التمنّع عن دعم "حكومة ميقاتي" ما هو إلا "مكابرة" على واقع يبوح جهرا بثلاث حقائق رئيسية، أولها أن رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، ربما لن يستغل الدعم العربي للحد من نفوذ إيران في بلاده، وثانيها أن إيران تصول وتجول في المنطقة بـ"موافقة" أمريكية وأوروبية، وثالثها أن العون غير المدروس للدول العربية، التي تهيمن عليها طهران، لن يعود بالنفع لا على الداعم ولا على المدعوم، في ظل بقاء المعادلات كما هي داخل لبنان وخارجه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة