يرى كثيرون أن لبنان كدولة لا تستطيع حاليا أن ترعى وتهتم بمصالح شعبها بالشكل الذي يُرضيه.
ولهذا أسباب، فالنظام هناك يعاني تشوهاتٍ كبيرة جدا يصعب إصلاحها، فمنذ وقت ليس بالقليل يغرق لبنان في أزمات متتالية، سياسية واقتصادية، وصلت إلى حد شح الوقود، وزيادة ساعات انقطاع الكهرباء، وفقدان الليرة أكثر من 90% من قيمتها، ما أثر على سلع أساسية كالخبز والدواء، وكل ما يتعلق بالمعيشة، وهذا جعل لبنان يستجدي المساعدات الخارجية بعدما تعمقت أزماته الداخلية.
هذا الأمر يوحي بأن الفوضى مسار حتمي لما بعد مرحلة الانهيار المالي، وسط انسداد الأفق السياسي على صعيد فشل التشكيل الحكومي المتكرر وانفجار مرفأ بيروت وتداعياته، في ظل دخول لبنان فعليا معركة جديدة لا تقل ضراوة عن سابقاتها، وذلك بتنفيذ "حزب الله" الإرهابي خططه لجلب النفط الإيراني بحجة تعويض النقص في السوق المحلية، فهذا التصرف يعتبر حلقة أخيرة لـ"حزب الله" في مشوار بسط نفوذه على لبنان، وهو ما حذرت منه نداءات عديدة بسبب خطورته وتداعياته على لبنان داخليا وخارجيا.
يرى البعض أن مراهنة "حزب الله" الإرهابي على إيران لسد الاحتياجات اللبنانية من المحروقات، غايتها التنفيس عن الداعم الرئيسي للحزب في طهران، وأيضا تأكيد وضع لبنان رهن دائرة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وهي خطوة لها تبعات سياسية تتعلق بالوضع اللبناني وعدم تحمل البلد تداعيات الوقوع في دائرة العقوبات الغربية، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي ودخول الشعب في خطر الفقر.
نعم، استيراد "حزب الله" الوقود من إيران يعني جلب مزيد من العزلة للبنان، الذي قد يخرج من أزمة ليقع في أزمات أخرى، وهي إخفاقات مدمرة ومتكررة، شمّاعتها دائما الوحي الولائي القادم من طهران، وبالتالي فإن هذا سيفتح فصلا جديدا من فصول الأزمة المالية، التي فشلت الدولة اللبنانية وأطراف الحكم بها، ومنها "حزب الله"، في علاجها في ظل نقص حاد للوقود.
لا شك أن ما يفعله "حزب الله" يؤكد أنه يفتح جبهة إيرانية على حساب الشعب اللبناني، فهو من خلال ذلك يعتقد أنه يضرب عصفورين بحجر واحد، يطلق شرارة ما يمكن أن يحدث لو تعرضت إيران للعقاب بناء على رد فعل عالمي، كما ينهي الجدل القائم حول مسؤوليته عما يعيشه اللبنانيون من وضع كارثي على المستويات السياسية والاقتصادية.
هذا الاستخفاف من "حزب الله" بالشعب اللبناني هو بمثابة رسالة إيرانية خبيثة إلى العالم، فحين يتحدث زعيم "حزب الله" عن لبنان كأنه يتحدث عن بلد آخر غير لبنان، وعن شعب آخر غير الشعب اللبناني، بينما الواقع يقول إن لبنان الماضي قبل الهيمنة الإيرانية كان أفضل حتى للشيعة أنفسهم، وأن اللبنانيين يدفعون جميعا ثمن وضع إيران يدها على بلادهم، فالجميع خاسر في ظل تحكم "حزب الله" في قرار لبنان كبلد، وأن أي انتصار أو تقدم يحققه الحزب هو خسارة مضاعفة للدولة والشعب، لأنه يرمي باللبنانيين إلى النار وإلى حرب خاسرة، لا سيما أن "حزب الله" انقلب على الشعب، الذي قرر النزول إلى الشارع، متهما أي محاولة للتصدي لجرائم الحزب بأنها "مؤامرة تستهدف الوطن"، بينما اعتراض الشعب موجه للنظام الذي يحتضن الحزب ويؤمّن له قاعدة سياسية وطائفية ليؤدي المهمة التي ناطها به الراعي الإقليمي.
من هنا نجد لبنان في حرب مع نفسه ومع المتآمرين من الداخل، لأنه لا يجد مخرجا من الكارثة بوجود "حزب الله" المهيمن على الدولة وعلى مصير الشعب، فلا مساعدات دولية إلا بقيام حكومة، ولا حكومة من غير الرضوخ لشروط الحزب والحليف الجالس على سدة الرئاسة، الرئيس ميشال عون، في ظل تواطؤ دولي مع مجرمي هذا الحزب، الذي نكب الجميع بعد أن صار لبنان دولة منبوذة عالميا وعربيا، وحجر عثرة لعودة البلد إلى سابق عهده.
لذلك يمكن القول إن "حزب الله" إنما يشن حربا على اللبنانيين وليس على مَن يسميهم الأعداء، ومصيبة لبنان هي من المتآمرين في الداخل، ومواجهتهم تبدأ من تحرير رئاسة الجمهورية، المعطِّلة للحكومات وتشكليها، كما لا بد من المطالبة بصلاحيات إضافية لرئيس الحكومة، وإن كانت استثنائية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة