الإجابة المنطقية عن سؤال المقال تستبعد أي فائدة إقليمية أو عالمية من انهيار محتمل للبنان، فيما لو تحقق لا قدر الله.
فلبنان، الذي كان يوما ما يضاهي أعرق بلدان الغرب ثقافة ومكانة، اليوم حتى جيرانه، ومنهم إسرائيل، لم يعودوا أصحاب مصلحة في انهياره، بقدر ما يسعون إلى تحريره من "حزب الله" الإرهابي، الذي تحركه إيران لصالحها.
والتدهور المستمر في الاقتصاد اللبناني، بجانب الفوضى السياسية، جلب معضلة كبرى حتى للحكومة الإسرائيلية، فإسرائيل ترتبك حاليا وبشكل كبير من تلك التقلبات السياسية الهائلة التي تجري في لبنان وتخشى من آثارها المستقبلية.
المخاطر المحتملة إثر انهيار لبنان تتمثل في احتمالية استيلاء "حزب الله" على السلطة هناك، خاصة أن حجم الفوضى السياسية سوف يقوّض تلقائيا من قدرات القوى اللبنانية المختلفة، بما فيها الحليفة لـ"حزب الله"، وبسيطرة الحزب تتحول لبنان إلى ميدان متسع للنفوذ الإيراني في العالم العربي وفق منهجية تتطلب معاملتها بآليات مختلفة.
فإيران تسعى وبقوة إلى جعل المسار اللبناني السوري العراقي متماسكا لصالحها عبر السيطرة على هذه البلدان الثلاثة، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
إيران قريبة من تحقيق هذا الهدف عطفا على حالة لبنان، ولو نجح "حزب الله" في تغيير المعادلة اللبنانية لصالحه فسوف تكون الحال صعبة جدا على العالم العربي.
حتى إسرائيل، المتضرر الأكبر من نفوذ "حزب الله"، لن تكون قادرة على خوض حرب طويلة الأمد أو حتى حرب مفتوحة مع الحزب الإرهابي.. فالمعادلة قد تغيرت بشكل كبير، والجيش الإسرائيلي سوف يتردد كثيراً عند التفكير في توجيه ضربة مباشرة إلى "حزب الله"، ففي الداخل الإسرائيلي توجد حركة "حماس"، التي ترى أنها نموذج يسهل ترقيته ليصبح على غرار "حزب الله" الإرهابي.
مجريات الأزمة اللبنانية اليوم تنم عن صعوبة أي حلول تبدو في الأفق، فالجميع يائس، حتى الدول الغربية فقدت الأمل في التجاوب مع مطالباتها في تشكيل حكومة تدعم استقرار لبنان وتعالج ما يمكن علاجه من مشكلاته الاقتصادية، والدول العربية أيضا أصبحت أكثر يأساً من غيرها وتلاشت كل شروط المساعدة للبنان، لأنه لا شيء يتم تنفيذه من أجل لبنان من جانب الحكومة والقيادات اللبنانية، حتى إذا ما لجأت الدول الغربية إلى فرض عقوبات على بعض القيادات اللبنانية، فليست هناك ضمانات فعلية أن مثل هذه العقوبات سوف تؤدي إلى نتيجة إيجابية.
عملية إضعاف "حزب الله" الإرهابي في مقابل إعادة الحياة إلى لبنان معادلة ليس من السهل تحقيقها، ولن تكون متاحة إلا بجهود دولية، فـ"حزب الله" تحول إلى حالة من التوغل في مفاصل الدولة اللبنانية، بل وإلى متحكم في علاقاتها الدولية.
العالم اليوم بحاجة إلى ترسيخ الصفة الإرهابية لـ"حزب الله" ونشر ذلك دوليا، فهيمنة "حزب الله" على لبنان لم تعد محتملة، بل أصبحت حقيقة مطلقة، ومستقبل لبنان بالكامل يقع اليوم في يد "حزب الله" الإرهابي، مهما كان الأمل في أن تلك حقيقة غير مكتملة.
الاستفادة من انهيار لبنان موزع بين دول وشخصيات بعينها ومنظمات يعتمد وجودها بشكل فعلي على حياة "حزب الله"، وبما أن هناك من يسهم في تدمير لبنان وهو ليس له مصلحة مباشرة على الأرض اللبنانية، فإن حلول لبنان ليست في متناول أحد اليوم، ولن تكون حتى في المستقبل، إلا في حالة أن يقول الشعب اللبناني كلمة مختلفة، فالحالة اللبنانية مع "حزب الله" أصبحت تتطلب تدخلا عالميا عبر اللجوء إلى البنود الدولية، التي تسمح لمجلس الأمن باتخاذ الإجراءات المناسبة لتقويض نفوذ "حزب الله" في لبنان، تلك الدولة التي تقف على حافة الانهيار السياسي والاقتصادي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة