ظهرت الحكومة الإسرائيلية ثانية على خط الأزمة اللبنانية الداخلية الراهنة.
واعتبرت تل أبيب أن ما يحدث من فشل لاتفاق الرئاسات الثلاث على تشكيل حكومة جديدة مدعاة إلى ذهاب لبنان إلى الفوضى.
هذا الأمر رأته حكومة "بينيت" مؤثرا على الداخل الإسرائيلي ويتطلب بالفعل تدخلا عاجلا منها لمواجهة ما يجري من تطورات سلبية في لبنان، في ظل استمرار الوضع هناك على ما هو عليه.
وتركز الحكومة الإسرائيلية، في رؤيتها لما يجري في لبنان، على أنه ليس متوقعا أن تنفرج الأمور هناك سريعا، بسبب تضارب المصالح بين القوى السياسية اللبنانية، وعجز "تيار المستقبل" عن حسم الأمر والقبول بتشكيل حكومة، مع استمرار "حزب الله" في نهجه التصعيدي، ورفضه الانصياع للمطالب الداعية لإعادة تشكيل حكومة لبنانية لدخول مرحلة جديدة، خاصة مع تآكل قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 92٪، ووصول معدل التضخم السنوي إلى 119٪، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 25٪ في غضون عام واحد.
وقد أثر الوضع الاقتصادي السيئ في لبنان على معدلات الفوضى، ففي عامي 2020 و2021 كانت هناك زيادة بنسبة 93٪ في جرائم القتل، وفي الأشهر الأولى من عام 2021 قفزت تلك الجرائم بنسبة 162٪، إضافة لاستقواء كل طرف في المعادلة اللبنانية بظهيره السياسي، مع رفض تقديم أي تنازلات لتقريب وجهات النظر، ما سيؤدي إلى مزيد من الفوضى غير المسبوقة، فضلا عن استمرار أعمال تهريب الأسلحة.
وهذا الأمر الأخير برز في إحباط الجيش الإسرائيلي محاولة تهريب أسلحة من لبنان عبر حدوده، اعتُبرت الكبرى منذ سنوات، وذلك في منطقة "الغجر" الحدودية في أقصى جنوب شرق لبنان على المثلث الحدودي بين لبنان وسوريا وإسرائيل.
وفي مقابل ما يجري لبنانيا وتكليف الرئيس العماد ميشال عون، نجيب ميقاتي، بتشكيل حكومة جديدة، يمكن تأكيد أن أهم التقييمات الإسرائيلية المطروحة سياسيا واستراتيجيا تخلص إلى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان تطل برأسها على إسرائيل، وبقوة، حيث تنظر "تل أبيب" بقلق بالغ على تطورات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، والتي تنذر بتبعات خطيرة على كل المستويات.
ويعود التخوف الإسرائيلي من الأوضاع الاقتصادية اللبنانية إلى ما أكدته بأن "حزب الله" وإيران يسيطران على لبنان، في ظل تفكك الجيش الوطني، ورغم عدم وجود علاقات سلام بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، فإن هناك تنسيقا كاملا على الحدود بينهما، بمشاركة قوات اليونيفيل الدولية.
كما تخلص التقديرات العامة إلى أن الوقت لم يحن بعد لاندلاع حرب بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، وأن لبنان سيواجه أزمة اقتصادية خطيرة تتزامن مع فراغ في السلطة، كما أن إيران و"حزب الله" سيسعيان إلى توسيع سيطرتهما على لبنان.
وقد بدأ "حزب الله" بدعم المنتجات الغذائية والوقود، وفتح شبكات صرافة آلية للمواطنين الشيعة فقط، تزامنا مع انهيار الجهاز المصرفي في لبنان عموماً، ومحطات الوقود التي ترفع الأسعار بصورة كبيرة بسبب النقص الشديد في السوق.
في هذا السياق أيضا ترى التقييمات الاستراتيجية الإسرائيلية في محتواها الاستخباراتي أن لبنان يشهد تحولات خطيرة، أبرزها استمرار تطوير وتقدم مشروع "حزب الله" بتحسين دقة صواريخه، وهو المشروع الذي يهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية عموماً، ومنشآت استراتيجية مثل محطات توليد الكهرباء والبنية التحتية المائية والإلكترونية.
كما يواصل "حزب الله" التسلح بمنظومات دفاع جوي تهدد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي، ومع ضعف الجيش اللبناني يقوى "حزب الله"، الذي يساعده في السيطرة على منظومات أسلحة، منها دبابات وطائرات وأسلحة أخرى، كما يمنع "حزب الله" تحقيق أي تقدم في المفاوضات حول الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، ويمنع مؤسسات الدولة من التوصل إلى تسوية في موضوع إلقاء كميات كبيرة من النفايات اللبنانية في الجهة المقابلة لبلدة "المطلة" الإسرائيلية، رغم تدخل قوات يونيفيل.
وبرغم كل ما يجري، فإن إسرائيل تعمل، عبر الاتصالات السياسية، لإقناع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، بالمساعدة في استقرار الوضع الاقتصادي اللبناني، بالنظر إلى العواقب طويلة المدى لانهياره على استقرار المنطقة، وتنامي قوة المحور الشيعي بين إيران و"حزب الله".
ومع أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ترى أن مصلحة "حزب الله" في عدم حل مشكلة تشكيل الحكومة اللبنانية بالكامل، باعتباره وضعا يخدم تحركاته وتلقيه الأموال من الحكومة ويدعم سيطرته على جنوب لبنان، لكنه لا يملك مسؤولية حكومية تضمن رفاه سكان منطقة الجنوب، لذا فإن "حزب الله"، بمساعدة إيران، يمول أنشطة السكان الشيعة فقط، بهدف تعزيز مكانته في الداخل اللبناني.
وتستعد أجهزة المخابرات الإسرائيلية لموجات الصدمة من الفوضى المحتملة في لبنان، والتي ربما تصل إلى المنطقة الحدودية، حيث اعتمدت قيادة المنطقة الشمالية مؤخرا على خطط لسيناريو يصل فيه آلاف اللاجئين اللبنانيين إلى السياج الحدودي، كما جرى في الأشهر الأخيرة.
لقد كان هناك تغيير على طول الحدود، لكنه حتى الآن تغيير هامشي، ويتضح بشكل رئيسي في زيادة أعمال التهريب، والواضح أن إسرائيل السياسية والإعلامية تروج أنه بعد سقوط لبنان ستكون إسرائيل قريبة من الحرب.
بصورة إجمالية، فإن التحركات العسكرية المتوقعة تستهدف مساعدة الجيش اللبناني في بسط سيادته على كامل الأراضي اللبنانية، في ظل مساعي "حزب الله" لفرض القانون والنظام من تلقاء نفسه، والتدخل في قرارات الجيش اللبناني، الأمر الذي قد يثير الاستفزازات الداخلية والمشاعر الطائفية.
يبقى التأكيد أن الجهة السياسية الوحيدة القادرة على الوجود والتأثير هذه الفترة في لبنان هي "حزب الله"، بسبب الدعم المالي الذي يتلقاه من إيران، فقد صارت مؤسساته بمثابة حكومة موازية توفر الغذاء والدواء والمستشفيات والتعليم والوقود لأتباعه.
إن إنقاذ لبنان من كارثة غير مسبوقة يحتاج إلى تدخل دولي بتعيين مفوض سامٍ من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ليتمكن من دعم إنشاء حكومة تكنوقراط، تسهّل توسيع حزمة المساعدات الاقتصادية والمالية للبنان.
هذا المقترح سبق أن حدث في كوسوفو بعد التدخل العسكري لقوات حلف الناتو.. وهو المنطلق كي لا يبقى المشهد اللبناني على حاله الفوضوية طويلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة