يعتقد كثير أن اللبنانيين يدفعون ثمن استيلاء إيران على دولتهم، وأن الدولة اللبنانية على حافة الانهيار، مثلها مثل جميع الدول التي تستولي عليها إيران.
والشعب اللبناني يعاني العديد من الأزمات "الأدوية، الحليب، الخبز، البنزين، الكهرباء، الفقر والجوع…"، وهم يعانون التضخم غير المسبوق، في ظل وجود دراسة تؤكد أن 72٪ من اللبنانيين سيعانون في تأمين طعامهم، وهم من يعيشون حالة الغليان والغضب، وغضبهم سيؤدي إلى عواقب بسبب الحالة المزرية، والبلاد على شفا "انفجار اجتماعي" حقيقي، ولبنان عمليا بدأ يدخل مرحلة "الجحيم"، وتجاوز تماما مرحلة حافة الانهيار، التي حذّر منها كثير من السياسيين والمراقبين.
لا شك أن لبنان الآن على حافة الانهيار، في ظل أزمات سياسية واقتصادية حادة، فسعر الليرة اللبنانية مُتدنٍ إلى مستوى قياسي، وهناك عجز عن تشكيل الحكومة، ورصاصة الماضي "الحرب الأهلية" أصابت وشوهت الحاضر وربما تقتل المستقبل، في ظل لعنة الصراعات الطائفية والإثنية العميقة، ولا أشك في أن الرجل اللبناني البسيط سئم من حال التذبذب والتشتت والضياع، وأن البسطاء استنفدوا طاقتهم في تحمل تبعات تعنت السياسيين، الذين يعيشون حياة مخملية من عالم ألف ليلة وليلة، وهم يبحثون في وجوه السياسيين ولا يجدون رجلا رشيدا ولا يسمعون صوتا حكيما، فلبنان هاجر منه الحكماء أو رحلوا قسرا بالمفخخات.
نعم اختفت الأهداف اللبنانية ورهن قادة الأحزاب والطوائف طموحهم السياسي برضا المرشد أو بريق الذهب، وفقد لبنان هويته من أجل أجندات خارجية ومصالح خاصة، فـ"حزب الله" الإرهابي يريد نظاماً على شاكلته، وفي لبنان الحاضر صار أكثر الناس أمناً هم أكثر الناس قدرة على إخافة الآخرين.
ويستولي على مقومات الدولة والحقائب السيادية أكثر الناس تسليحاً، وحينئذ تصبح التعددية والديمقراطية شعارات لا معنى لها، لأن الأحزاب الصغيرة والفقيرة والضعيفة ستجد نفسها مجبرة للتماهي مع هوامير السياسة والمال، دجنت نفسها لتكون أداة وواجهة سياسية تقوم بالوكالة بممارسة الأدوار القذرة طمعاً في توسيع شراكتها مع الحزب الحاكم، وهو ما ينذر بأن الأزمة الحادة التي يمر بها لبنان ليست الأولى من نوعها، وإذا كُتب له الخروج منها سالماً فمن المرجح ألا تكون الأخيرة، وسيذهب لبنان نحو المجهول، بين رؤية المواطن والسياسي، وهو ما يرجح الذهاب نحو الإعلان بأن لبنان دولة فاشلة، بعد انهيار كل شيء.
ربما يعيش لبنان مرحلة النهاية والنفق المظلم والقيامة نتيجة السماح لإيران بالتدخّل في سياساته الداخلية والخارجية، وما من توقع قريب لوجود مؤشرات إيجابية حول تشكيل الحكومة، ويستحيل أن يستعيد لبنان وضعه الطبيعي قبل تشكيلها، وسيبقى في المربع صفر، وأسخف ما في هذه الأوقات الصعبة، التي يعيشها لبنان واللبنانيون، ذلك الحديث عن رابح وخاسر في أي تطور سياسي، فالجميع خاسر، والخسارة تكبر من جراء انعدام المسؤولية لدى من يتحكمون بالبلاد والعباد، وما يحدث في لبنان ليس دبلوماسية سياسية، لأن الدبلوماسية فن تحقيق المكاسب بأقل التكاليف، وإذا وُجد دبلوماسي يملك مهارة استخدام سلاح الكلمة، والفكر السياسي، وسرعة البديهة، واستغلال الفرص السياسية اللحظية بعيدا عن التناحر السياسي لتحقيق مصالح البلد العليا كما يجب، فهو ثروة دبلوماسية، وهو المنقذ في الملف اللبناني المعقد والمتشابك، إلا أن ذلك غير ممكن في ظل وجود سلاح "حزب الله" وهيمنة إيران على القرار السياسي، ووجود الكارثة الكبرى والمعطل ميشال عون، كما أن اعتذار زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، عن عدم تشكيل حكومة جديدة، لم يوقف حالة التدهور الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، لكنه وضع البلد أمام سيناريوهات قاتمة تهدد بدخوله في طريق مجهول جديد، وقرار "الحريري" يمثل ذروة صراع مستمر منذ مدة طويلة على المناصب الوزارية مع "عون"، رئيس الدولة وضابط الارتباط والمتحالف مع "حزب الله" المدعوم من إيران.
مؤخرًا "الحريري" سمّى الأشياء بأسمائها، واعتذر عن عدم تشكيل حكومة تكون بإرادة وهوى "عون"، حيث أصر الرئيس على العقدتين اللتين عرقلتا تشكيل الحكومة طوال أشهر، وهما الإصرار على "الثلث المعطل"، الذي يمنح القوة لـ"حزب الله"، ورفض نواب التيار الوطني الحر منح الثقة للحكومة.
اعتذار "الحريري" إدانة ضمنية لفشل قوى دولية في ممارسة الضغوط الكافية والجدّية والحاسمة لحمل العهد وفريقه وحليفه "حزب الله" على وقف التعطيل الذي يريدونه، إمّا لأسباب ذاتية لدى العهد، وإمّا لارتباطات إقليمية لدى "حزب الله"، والأهم من ذلك أن "الحريري" رمى الكرة في ملعب الرئيس اللبناني، الذي قال لـ"الحريري": "لن نتمكن من التوافق"، على الرغم من أن "عون" قال قبل ذلك إن رهانه على جيل الشباب في بناء مستقبل لبنان.
اعتذار "الحريري" يعيد مقترح وحظوظ "إعادة تأهيل" حكومة تصريف الأعمال نحو الصعود مجددا، والسيناريوهات المحتملة: ربما تكون أولا باجتماع تنسيقي لما يسمّى قوى 8 آذار، أو فريق "الممانعة"، للاتفاق على اسم الشخص الذي سيكلّف بتشكيل الحكومة، والتفاهم على عناوين المرحلة المقبلة، والثاني ينطلق من مفهوم التسوية، التي يطالب بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، اللّذان يحرصان على ألّا تكون الشخصية التي قد تكلّف بتشكيل الحكومة مستفزة للرئيس "الحريري" ودار الفتوى.
أما السيناريو الثالث فيتعلّق بموقف التيار الوطني الحر وفريق العهد، اللذين يصرّان على أن يكون الشخص الذي سيكلّف بتشكيل الحكومة مشابهاً تماماً للرئيس حسان دياب، وإذا تعذّر ذلك فلا مانع من الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال حتى الانتخابات النيابية المقبلة.
هذه السيناريوهات الثلاثة قابلة للتعديل والإضافة ولا شيء محسوم بعد، وبانتظار أن يقول "حزب اللّه" كلمته ما إذا كان يريد حكومة أم لا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة