بعد شهور من التفاوض وعقد سبع جولات متتالية في فيينا..
خرج كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، قبل أيام، ليعلن أن على الولايات المتحدة الأمريكية الانتظار حتى يبدأ الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي ولايته رسمياً، أي في شهر أغسطس/آب المقبل، قبل المضي قدماً في المفاوضات النووية.
والواقع أن الانتظار لن يغير شيئاً جوهرياً في عملية التفاوض ولا صلة مباشرة بين ما وصفه عراقجي بالمرحلة الانتقالية في إيران، والأجندة التفاوضية المتفق عليها، إلا أن شيئاً واحداً من المؤكد تغييره مع تولي إبراهيم رئيسي، هو أن طهران ستزداد تشدداً وسترفع سقف مطالبها.
ما قامت به إيران خلال الأشهر القليلة الماضية، هي عملية مماطلة وتسويف منظمة ومدروسة بدأت مع تبلور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية واتضاح خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، حيث نجحت طهران في استهلاك الأشهر الثلاثة بعد الانتخابات دون إحداث تقدم حقيقي في المفاوضات، مع الالتزام في الوقت ذاته بمناقشة وطرح كل الملفات والقضايا المهمة المتعلقة مباشرة بالملف النووي وحده دون غيره.
وتحرياً للدقة، فإن واشنطن بدورها لم تكن تتعجل التوصل إلى اتفاق لن يحسب لرئيس خاسر في الانتخابات، وإنما سيستفيد منه الرئيس المنتخب.
وبعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، واصلت طهران استراتيجية إطالة المباحثات وتشعبها لاستهلاك الوقت وابتزاز الإدارة الأمريكية الجديدة.
واستندت في ذلك إلى قرب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران، وكان واضحاً من تصريحات المسؤولين الأمريكيين أن واشنطن مستعدة لتقديم تنازلات لطهران على خلاف ما كانت تعلنه حملة بايدن الانتخابية، بهدف تسريع وتيرة التفاوض والتوصل إلى اتفاق مع طهران قبل الانتخابات التي كان مُتوقعاً لها تقدم المتشددين وسيطرة الجناح التابع للمرشد علي خامنئي عليها.
غير أن إيران لم تستجب للمرونة الأمريكية طمعاً في مزيد من المكاسب، بل وباشرت عملية الضغط الابتزازي برفع نسبة تخصيب اليورانيوم والتلكؤ في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة فيما يتعلق بآثار اليورانيوم التي عثر عليها خبراء الوكالة ولم يتلقوا عنها تفسيراً مقنعاً من جانب السلطات الإيرانية، أي بينما إيران تماطل في التفاوض وترفع سقف المطالب، كانت في الوقت ذاته تتعمد مباشرة أنشطتها النووية لتزيد أوراق الضغط لديها قوة وتحسن مركزها التفاوضي.
ثم جاء فوز إبراهيم رئيسي ليكشف أن أمام الأمريكيين خيارات صعبة ومحدودة، خصوصاً في ظل الملابسات التي أحاطت بالعملية الانتخابية في إيران، باستبعاد كل المرشحين الإصلاحيين بشكل غريب وهزلي تحولت معه الانتخابات إلى عملية تصويت على مرشح واحد قوي، كما لو كان استفتاء وليس انتخابات.
وما إن أُعلن في طهران عن فوز إبراهيم رئيسي بالرئاسة، حتى صارت لهجة وفد المفاوضات النووية الإيرانية أكثر ثقة وتوحي بالاستغناء وعدم تعجل التوصل إلى نتائج.
وبعد أربعة أسابيع من الانتخابات الإيرانية، استنفدت طهران خلالها كل سُبل التلاعب والمناورة والتهرب من إبرام اتفاق، لم تجد بداً من الإفصاح عن رغبتها في الانتظار لحين استلام رئيسي مقاليد السلطة رسمياً ولم يكتف عباس عراقجي بهذا الإعلان المهم، بل حاول ابتزاز الأمريكيين بتخييرهم بين إخضاع كل ملفات التفاوض للانتظار الشامل، أو البدء بتبادل السجناء بين الجانبين وفك الارتباط أو بالأحرى التزامن بين هذا الملف والملف النووي.
ولم يستشعر عراقجي أي حرج وهو يضع الأمريكيين في مأزق بالإعلان عن التوصل إلى تفاهمات كاملة في ملف السجناء، ليبدو الموقف كما لو كانت واشنطن هي التي تتلكأ في الإفراج عن سجنائها لدى طهران.
لما كان هذا هو سلوك إيران خلال الأشهر الماضية، فمن السهل توقع أنها ستستمر فيه خلال الأسابيع المتبقية على تسلم رئيسي السلطة، والمتوقع أيضاً أن تقوم خلال هذه الفترة القصيرة بخطوات تصعيدية استباقية تكثف من خلالها الضغط الابتزازي على إدارة بايدن.
هذه المعطيات تؤكد أن طهران، وهي تدير هذا الملف، تدرك جيداً ما تفعل، وأنها تتلاعب وتناور وتراوغ، كما لو كانت في غير حاجة إلى إحياء الاتفاق النووي، حتى وإن كان الواقع عكس ذلك تماماً، وهي طريقة الإيرانيين المعهودة مع الملفات المهمة، التي يجيدون فيها التلاعب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة