تابعنا خلال الأيام القليلة الماضية احتفالية إطلاق "حياة كريمة" في القاهرة بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي والوزراء وحضور مختار ملأ الاستاد ليعبر عن طبقات وشرائح المجتمع المصري.
"حياة كريمة" مبادرة أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في يناير 2019 لتحسين مستوى حياة الفئات المجتمعية الأكثر احتياجا والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن .
المبادرة تستهدف 4704 قرى وتوابعها 30888 من عزب وكفور ونجوع في إطار تنمية شاملة من بنية أساسية، خدمات، نواحٍ معيشية، واجتماعية وصحية .
تشمل المرحلة الأولى 1500 قرية موزعة على 26 محافظة، باستثناء محافظة القاهرة، وهي العاصمة، وهي بلغة الدكتور سمير أمين، عالم الاقتصاد السياسي، "المركز"، فيما يسمي بقية المحافظات والمدن "الأطراف".
انطلاقا من تلك النظرية للعلامة الكبير سمير أمين، يمكن القول إن "حياة كريمة" هي عملية تنموية تخص الأطراف فقط وتستثني المركز، الذي هو العاصمة.
وهذا يجعلنا أمام استراتيجية تنموية مختلفة تبنى على الوعي لتعيد تصحيح كثير من الأخطاء، التي جعلت خطط التنمية السابقة قاصرة على المركز، مما نتج عنها تكوين حزام ناسف من الفقر بكل درجاته، ينتشر على الأطراف ويحيط بالمركز.
بنود وتسميات المبادرة، التي أطلقها الرئيس المصري، تستعير مفردات سمير أمين في تنسيق معايير الفقر، حيث تعتمد المبادرة على ثلاث مراحل:
الأولى تستهدف القرى والمحافظات الأكثر فقرا، والتي تتجاوز نسب الفقر فيها الـ70٪.
أما الثانية فتلك التي تتجاوز نسب الفقر فيها الـ50٪.
والثالثة، التي تكون معدلات الفقر فيها دون الـ50٪.
وهي نفس معايير قياس الفقر، التي حددها سمير أمين، إذ قسم المعايير إلى فقير وأفقر وفقير جدا وتحت خط الفقر.
لم يكن يستهدف في نظريته تلك الدول بعينها، وإنما صاغ مبادرة كونية بامتياز، فهو يرى أن نظريته تقوم على أن هناك مركزا متقدما علميا واقتصاديا واجتماعيا لا يسكنه سوى 15٪ من سكان الكرة الأرضية، ويستحوذون على ما نسبته 85٪ من ثروات المعمورة.
والمركز دائما منغلق على ذاته يستهلك كل الخيرات، مما خلق حوله حزاما ناسفا من الفقر بكل معدلاته، هذا الحزام الناسف للدول الفقيرة يجعل هناك فجوات كبيرة بينها وبين المركز، تلك الفجوات تتسبب في كوارث كونية تتمثل في الحروب والاستعمار بكل أشكاله، إما طمعا من دول المركز في ما بقي من خيرات دول الأطراف كما ظهر في الموجات الاستعمارية للشرق الأوسط مثلا، وإما انتقاما من دول الأطراف الفقيرة لمحاولة استعادة شيء من الثروات التي سيطرت عليها دول المركز.
إذاً التوازن المفقود بين دول المركز والأطراف، تمثل في تسميات استُدرجنا إليها جميعا مثل العالمين الأول والثالث وغيرهما.
نظرية المركز والأطراف تؤكد أن في كل دولة مركزا وأطرافا أيضا.
أي إن هناك عواصم داخل الدول تحظى بغالبية ثروات البلد، يسكنها ما لا يزيد على ربع السكان، وبقية الأطراف فقيرة ومحرومة.
انطلاقا من تلك النظرية، تأتي أهمية "حياة كريمة"، التي طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبدأ العمل بها ورأينا بأم أعيننا نتائج ما يحدث على أرض الواقع ضمن مراحلها المعتمدة.
فالمبادرة تطبق في مصر ما عجز النظام العالمي عن تطبيقه، وهو إعادة التوازن العادل بين الأطراف والمركز، صحيح أنه منذ السبعينيات بدأت الدول الغنية بتقديم منح ومساعدات عينية ومادية للدول الفقيرة، لكن ذلك لم يحقق التوازن المطلوب، بل تحول أحيانا إلى ابتزاز سياسي، فكل دول تقدم منحها للدول الأفقر بشروطها هي، التي غالبا لا تحقق مصالح الدولة المحتاجة، بل تحقق مصالح الدولة الغنية.
"حياة كريمة" هي إعادة تصحيح البنيان الاقتصادي والاجتماعي والإنساني العادل بين المركز، الذي هو القاهرة، وبين الأطراف، التي هي 26 محافظة منتشرة على مساحة الأرض المصرية.
الموازنة المدرجة لإنجاز المبادرة 700 مليار جنيه مصري، وتتشارك فيها جميع المؤسسات المصرية بكل تنوعاتها وقطاعاتها، لتكون النتيجة المتوقعة دولة فتية قوية من أطرافها ومركزها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة