طالت الصراعات تنظيم "الإخوان" خلال العقد الأخير، ما يُبشر بانهيار بناء أسسه حسن البنا قبل أكثر من 90 عامًا.
ومن اللافت أن يحدث ذلك للتنظيم الإرهابي من جبهتين محسوبتين على فصيل الصقور داخله، إحداهما يتزعمها إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان والأمين العام للتنظيم الدولي، والأخرى يتزعمها الأمين العام للتنظيم سابقًا، محمود حسين، الذي أقاله "منير" من منصبه.
صحيح أن السلطة والمال في يد "منير"، الذي يقود التنظيم منذ عام 2013 وربما سيطر على مفاصله بعد إلقاء القبض على محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، لكن جبهة "حسين" لا تزال تسبب كثيرا من القلاقل والانشقاقات داخل التنظيم، فغالبية الإخوان ولاؤهم لمحمود حسين، بينما إبراهيم منير يحتفظ بالإدارة، كونه صاحب صفة تنظيمية سابقة أهّلته للسيطرة والاستحواذ على التنظيم و"اختطافه" بحسب ما يصوّر الإخوان الموجودون في تركيا.
لقد اشتدت الصراعات بين "منير" و"حسين" على خلفية ما يعتقده كل منهما في نفسه بأنه مسؤول عن حماية التنظيم من عصف الآخر وقراراته.
كل منهما يدعي أنه يريد الحفاظ على خط التنظيم من الانحراف!.. كل منهما يعبر عن فهمه المشوّش لفكرة تنظيم ينهار.
إن هذه طريقة تفكير قيادات التنظيم وأمرائه، ولم نلمح هذه الصورة قبل عام 2013، لأن القيادة كانت تسيطر على قواعدها وقياداتها الوسيطة بطريقة شبه عسكرية، تمنع معها مجرد إبداء الرأي، وإلا كان الاغتيال المعنوي، فأصبح الجميع بذلك أسير مبدأ السمع والطاعة بلا أدنى تفكير حتى لا يُعرّضوا للإقصاء.
انهيار تنظيم الإخوان وتفككه ليس ببعيد، فالتنظيم يحمل بداخله عوامل انهياره، ولكنه كان يحمل بداخله عوامل بقاء لولا انكشاف نواياه سريعا أمام الشعوب التي نبت بها.
لقد فشلت كل محاولات الصلح بين "منير" و"حسين"، فكل منهما يرى الآخر خطرا على تنظيم الإخوان، الأمر الذي دفع "منير" لإقالة "حسين" من منصبه عندما عبّر الأخير عن وجهة نظره بأنه أحق بتولي منصب القائم بأعمال المرشد بعد القبض على محمود عزت من قبل قوات الأمن المصرية، ليس ذلك فحسب، بل أقاله من انتخابات المكتب في تركيا، فبات بلا منصب من خلال انتخابات فرضها "منير" حتى يتخلص من مجموعة "حسين" كلها.
ادّعى الإخوان عدم وجود تنظيم دولي لهم، وكان قولهم دائمًا إن "الإخوان في كل بلد يعملون وفق القوانين والأعراف، التي تسمح لهم بالعمل، وقرارهم دائمًا يأتي متسقًا مع هذه القوانين دون إملاء من قيادة في القاهرة أو لندن"، وهو ما انكشف زيفه، فبعد ثورة 30 يونيو عام 2013 في مصر، بات التنظيم الدولي للإخوان في مقره بالعاصمة البريطانية محركا رئيسيا لإخوان مصر ولكل الأحداث العنيفة التي شهدتها البلاد.
قرار الإخوان في مصر كان موزعا بين لندن وإسطنبول، وكانت اجتماعات التنظيم الدولي تُعقد تحت رقابة أجهزة استخبارات دولية، وكانت تُحدد في هذه الاجتماعات أجندة العمل والمناقشات، وارتبط تصعيد الإخوان في مصر برغبة بعض الدول المعادية، التي تحرك التنظيم الدولي، ولعل هذا يفسر استضافة قيادات إخوانية على أراضي هذه الدول.
هنا يظهر توظيف واستثمار الإخوان، الذين لا توجد لديهم أدنى مشكلة في التعامل مع أي جهاز استخبارات ضد بلدانهم إذا ما كان الهدف من وراء ذلك عودتهم إلى كرسي الحكم.
ما يشهده تنظيم الإخوان حاليا غير مسبوق، ليس على مستوى الخلافات والصراعات فحسب، بل على مستوى تأثير هذه الخلافات على بنية التنظيم، الذي انشطر إلى مجموعات صغيرة خاصمت الفكرة الأصلية بعدما اكتشفوا خداعها وخداع الداعين لها، فالذي نشاهده من علامات انهيار على التنظيم هو مجرد انعكاس لتفكك الفكرة المؤسسة، التي قام عليها التنظيم ودعا إليها حسن البنا عام 1928.
ادعى تنظيم "الإخوان" أيضا على مدار عقود أنه "واحة ديمقراطية"، لكن عندما فضحته خلافات قادته وصراعاتهم على ولاية التنظيم وأمواله، ظهر على صورته الحقيقية دون أي قشور تستر كذبه، فبدا أكثر استبدادًا وبدت أفكاره، التي كان قادته يجمّلونها، أكثر وضوحًا لدى الأتباع، الذين سريعا ما هجروها.
كل هذا انعكس على شكل التنظيم وما يدور بداخله، ولعل ما يحدث بين "منير" و"حسين" مجرد حصاد له.
"الإخوان" يضمرون الشر تجاه المختلفين معهم، سواء كانوا من خارج التنظيم أو داخله، هذه الروح هي المسؤولة -مع أسباب أخرى- عن القضاء على التنظيم، أما موت الفكرة فيعود إلى افتضاح ضعفها وعدم تواؤمها مع بيئاتها ومجتمعاتها، بل وإلى عدائها لمجتمعاتها، حتى إنها باتت حاليا في ذروة ضعفها استعدادا لفنائها.
تنظيم "الإخوان" قائم على فكرة باتت غير قادرة على التأثير في الآخرين، شاخت وشاخ الداعين لها، وما الصراع بين جبهتي "منير" و"حسين" إلا لبنة أولى في قبر التنظيم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة