يمر تنظيم الإخوان بمراحل الانهيار الأخيرة، بعد الهزائم التي مُنِيَ بها في العديد من الأقطار العربية، التي قفز فيها على السلطة.
يعيش الإخوان حاليا على أجهزة تنفس صناعي منذ أن فقد قوته في مصر برفض شعبي عبر ثورة 30 يونيو عام 2013، وهو ما انعكس على وجوده في بقية البلدان العربية.
الهزائم، التي تعرض لها تنظيم الإخوان مجرد انعكاس لقضية أكبر وأهم تتعلق بسقوط "مشروع" الإخوان الأيديولوجي في المنطقة بأكملها.
الإخفاق السياسي للإخوان وصل إلى محطته الأخيرة بخسارة سياسية تشبه إخفاقات التنظيم المتتالية في عدد من البلدان العربية، بدءًا من مصر، مرورًا بالسودان وتونس، وربما تكون الصورة أكثر وضوحًا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في ليبيا نهاية العام الجاري، والتي يتوقع مراقبون أن الإخفاق سوف يكون حليف التنظيم فيها أيضًا.
تتابع الإخفاق السياسي للإخوان دليل على سقوط مشروعهم، فما حدث للتنظيم في بعض البلدان العربية ليس مجرد إخفاق سياسي أو تراجع شعبي مؤقت، لكنه سقوط عام لمشروع الإخوان وانهيار فكرته وتفككها، فانصراف الشعوب عنهم بهذه الصورة المتكررة دلالة على سقوط فكرتهم ومشروعهم ككل.
وسقوط مشروع الإخوان مرتبط أساسا بأن التنظيم لم يعد لديه ما يخدع به الجماهير، وقد كان هذا واضحًا لشعوب البلدان، التي صعد الإخوان فيها إلى السلطة، وأخفقوا فيها إخفاقا كاملا، فكما نشأ التنظيم على يد حسن البنا في مصر منذ 90 سنة، تهاوى في الحالة المصرية، التي مثلت أيضا بدايات الانهيار للمشروع بأكمله في المنطقة.
سقوط الإخوان كمشروع يعود إلى بنية التنظيم المأزوم فكريًا وجماهيريًا منذ سنوات، لكن التنظيم حاليا يسوّق لسقوطه ذاك على أنه مرتبط ببعض الإخفاقات، وأنه سوف ينهض، وقد يلمّح إلى مسؤولية بعض القيادات عن تلك الإخفاقات، والحقيقة خلاف ذلك طبعا، فإخفاق الإخوان يعود إلى شيخوخة فكرته وبنيته وافتضاحهما، وبالتالي يبدو هذا السقوط متسقًا مع الظرف التاريخي والبنية الفكرية والسياسية له، فتنظيم الإخوان بدا غير قادر على الإنجاز بتجربته في أرض الواقع، فما يملكه لا يعدو كونه مجرد شعارات "مزيفة" لا تسمن ولا تغني من جوع.
الوعي وحده هو سر نجاح الشعوب العربية، التي لفظت تنظيمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، والوعي وحده هو العاصم الحقيقي لمواجهة أي أخطار لهذه التيارات غير المنتمية إلى أوطان.. هذه الشعوب وحدها قادرة بشكل كبير على الفرز، تتخذ قرارها دون تردد أو خوف، مهما كان تنظيم الإخوان ومهما كانت تهديداته، ومن هنا لا بد من التعويل على هذه الجماهير في مواجهة تنظيمات العنف والتطرف عموما، والإخوان على وجه الخصوص.
منذ الأيام الأولى لسقوط الإخوان في مصر قُلت إن تداعيات هذا السقوط سوف تظهر في كل البلدان، التي وُجد فيها الإخوان، وقد يكون مقدمة لتفكيك الفكرة المؤسسة للإخوان، فإذا تم ضمان تفكيك الفكرة، تفكك التنظيم بشكل تلقائي، وهو ما حدث، فمن تداعيات سقوط الإخوان في مصر سقوطُهم في السودان ثم تونس والجزائر والمغرب، وسوف تظهر ملامح هذا السقوط أيضا في ليبيا إذا أجريت الانتخابات نهاية العام الجاري.
تنظيمات الإسلام السياسي عموما تعيش في تشققات الجهل وتصل إلى ضحاياها عبر انعدام الوعي، فكلما كان هناك وعي غابت هذه التنظيمات وتأثيراتها من ساحات المنطقة، فالوعي هو الذي خلق حالة رفض شعبي، نبتت من عقل وقلب الشعوب العربية، سواء التي ثارت على التنظيم أو التي استخدمت الأدوات السياسية لإسقاطهم، وهنا يجب إعطاء أهمية لبرامج الوعي والمعرفة، فهي الضمانة الحقيقية لتفكيك تنظيمات الإسلام السياسي شعبيا، وما دون ذلك مجرد مواجهة لقشورها.
مشروع الإخوان قائم على عدد من الشعارات المزيفة لدغدغة مشاعر الناس، خاصة تلك الشعارات المرتبطة بعلاقة الشعوب بالدين، ولقد سقط الإخوان في أعين تلك الشعوب عندما اكتشفوا زيف شعاراتهم وتضليلهم الجماهير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة