طقس الجحيم إلى أين؟.. خبيرة عالمية تكشف أسرار تطرف الظواهر المناخية
اضطرابات شديدة، وهطول أمطار قياسية، وموجات حارة قاتلة، وحرائق غابات مشتعلة.. هذه هي مقدمات طقس الجحيم إذا لم يتحرك البشر.
تاريخ الأرض يؤكد أن مثل هذه الظواهر الجوية حدثت في الماضي، لكن المشكلة هي أنها تحدث في الوقت الحاضر بشكل متكرر وعلى نطاق أكبر بكثير. حيث كشف موقع Space.com عن تفاصيل أكثر غرابة حول هذا النمط من الطقس المتطرف وذلك من خلال حديثه مع عالمة المناخ الكندية الرائدة "كاثرين هايهو"، كبيرة العلماء في منظمة الحفاظ على الطبيعة العالمية The Nature Conservancy، وأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة تكساس التقنية ومديرة مركز المناخ بها، حيث أكدت أنه ليس سرا أن مناخ الأرض قد تغير بشكل كبير على مدى تاريخها الممتد 4.5 مليار سنة. لقد شهدت الطبيعة ظروفًا أكثر دفئًا وبرودة من قبل. لكن معدل التغيير الحالي هو الذي يعرض العالم للخطر.
- مهمة العالم الخضراء.. مصادر الطاقة تتسبب في تعثر مفاجئ
- القمة العالمية للاقتصاد الأخضر.. ركيزة إماراتية لعمل مناخي طموح
وقالت هايهو: "أحد الآثار المباشرة الهامة لتغير المناخ هو زيادة الظواهر الجوية المتطرفة التي تعرض حياة الناس للخطر ولها تأثير اقتصادي ضخم، حيث تكلف الأحداث الجوية المتطرفة التي تعزى إلى تغير المناخ العالم 143 مليار دولار أمريكي سنويًا، وفقًا لورقة بحثية نُشرت في مجلة Nature في عام 2023".
موجات الحر
وتابعت: "لنبدأ بأحد التأثيرات الأكثر وضوحًا لتغير المناخ: موجات الحر. فمع ارتفاع درجة حرارة العالم، لا تصبح موجات الحرارة أكثر تواترا فحسب، بل تصبح أيضا أكثر شدة. فقد شهدت موجة الحر الأخيرة على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة وصول درجة الحرارة في لاس فيغاس إلى مستوى قياسي بلغ 120 درجة فهرنهايت (49 درجة مئوية). وتعرض ما يقرب من 36 مليون شخص لتحذير مفرط خلال موجة الحر الشديدة مع ارتفاع درجات الحرارة بما يصل إلى 20 درجة فوق المتوسط في هذا الوقت من العام.
وأضافت أنه في المملكة العربية السعودية، توفي أكثر من 1300 شخص خلال موسم الحج السنوي الذي تزامن مع موجة حر استثنائية. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن درجات الحرارة بلغت 125 درجة فهرنهايت (52 درجة مئوية) في المسجد الحرام بمكة. وشهدت اليونان للتو أعلى موجة حارة مسجلة في البلاد، ولقي العديد من السياح حتفهم، بما في ذلك مقدم البرامج التلفزيونية والإذاعية البريطاني مايكل موسلي. وفي الوقت نفسه، يعاني شمال الهند من أشد موجات الحر التي شهدها على الإطلاق، حيث بلغت درجات الحرارة 120 درجة فهرنهايت (49 درجة مئوية). علما بأنه من المعروف أن فصل الصيف في الهند حار ورطب، لكن موجات الحر هذا العام كانت أطول وأكثر كثافة وأكثر تواترا".
وأوضحت هايهو: "تحدث موجات الحرارة عندما يتحرك نظام جوي عالي الضغط ويدفع الهواء الدافئ نحو الأرض. والمشكلة التي نواجهها حاليا هي أن أنظمة الضغط العالي تنشط مع ارتفاع حرارة الكوكب. وكلما كان الجو أكثر دفئا، كان نظام الضغط العالي أقوى، وكلما كان نظام الضغط العالي أقوى، كان أكثر دفئا وهكذا، وينتج عن ذلك أن الغلاف الجوي الأكثر دفئا يحمل المزيد من بخار الماء. أينما يمر الهواء المحمل بالرطوبة فوق الأرض أو يتقارب في نظام العواصف، فإنه يمكن أن ينتج هطول أمطار أكثر شدة وعواصف ثلجية.
الأمطار الغزيرة
وتابعت هايهو أنه خلال فصلي الخريف والشتاء 2023 /2024، كان هطول الأمطار في المملكة المتحدة وأيرلندا أكثر غزارة بنسبة 20٪ تقريبًا بسبب تغير المناخ الناجم عن النشاط الإنساني، وفقًا لـWorld Weather Attribution، وهذا العام، تسببت الأمطار الغزيرة والفيضانات في إحداث فوضى في جميع أنحاء العالم، ولا يبدو أن الأمر سيتوقف في أي وقت قريب. وفي مايو/أيار، ضربت فيضانات كارثية أفغانستان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص في مقاطعات بغلان وتخار وبدخشان. وفي يونيو/حزيران، هطلت أمطار غزيرة على سويسرا وفرنسا وإيطاليا، مما تسبب في انهيارات أرضية وفيضانات غزيرة، وورد أن سبعة أشخاص على الأقل لقوا حتفهم. وفي الهند ونيبال وبنغلاديش، تعد الفيضانات واسعة النطاق شائعة خلال موسم الرياح الموسمية، لكن هطول الأمطار الغزيرة في وقت مبكر بشكل غير طبيعي هذا العام أدى إلى مقتل أكثر من 40 شخصًا حتى الآن.
الأعاصير الاستوائية
الأعاصير الاستوائية هو مصطلح شامل يستخدم لوصف نظام دوار ومنظم من السحب والعواصف الرعدية التي تنشأ فوق المياه الاستوائية أو شبه الاستوائية، ووفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، فإنه بمجرد أن تصل سرعة الرياح إلى 74 ميلاً في الساعة أو أعلى، يتم تصنيف الإعصار المداري على أنه إعصار عادي أو إعصار استوائي اعتمادًا على مكان نشوء العاصفة. ويستخدم مصطلح إعصار للإشارة إلى اضطراب في شمال غرب المحيط الهادئ، بينما يستخدم مصطلح الأعاصير المدارية العام في جنوب المحيط الهادئ والمحيط الهندي.
بغض النظر عن اسمها، فإن هذه العواصف فريدة من نوعها من حيث أنها مدعومة بمياه المحيط الدافئة.
ووفقًا لـ"هايهو" فإن محيطات الكوكب معرضة بشكل خاص لتغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة، ذلك أن 90% من الحرارة الزائدة المحتجزة داخل النظام المناخي تذهب إلى المحيط، وليس الغلاف الجوي. لكن الكارثة أن العواصف لا تشتد بشكل أسرع فحسب، بل إنها تتحرك بشكل أبطأ. لذا فهي تمكث فوق أي دولة لفترة أطول وبالتالي يستمر تساقط المزيد من الأمطار.
كان إعصار هارفي، الذي ضرب الولايات المتحدة في عام 2017، أعنف الأعاصير التي ضربت أمريكا، حيث تمكن العلماء من حساب مدى تأثير تغير المناخ على الحدث. وجد العلماء أن تغير المناخ جعل هطول الأمطار على هيوستن، تكساس، خلال حدث الإعصار، أكثر احتمالا بثلاث مرات وأكثر كثافة بنسبة 15٪.
حرائق الغابات
هناك تأثير مهم آخر لتغير المناخ وهو زيادة عدد مرات حدوث حرائق الغابات الشديدة. حيث دمرت حرائق الغابات أكثر من 1.7 مليون فدان من الأراضي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 في الولايات المتحدة وحدها.
حيث تؤكد هايهو أنه على الرغم من أن العديد من حرائق الغابات في المناطق المكتظة بالسكان مثل الولايات المتحدة ترجع إلى اشتعال عرضي يقف وراءه البشر، إلا أنها تتفاقم بسبب تغير المناخ، وخاصة الطقس الأكثر حرارة وجفافًا. "تخيل أنك أسقطت عود ثقاب عن طريق الخطأ في كومة من الخشب الأخضر الرطب. ماذا يحدث؟ ليس كثيرًا، تخيل أنه إذا كان هناك ثلج حول الغابة، فلن يحدث شيء، والآن تخيل أنك أسقطت عود الثقاب في كومة من الخشب الجاف في طقس حار بالتأكيد ستكون الحرائق أشد".
وتأتي مواسم حرائق الغابات أيضًا في وقت مبكر وتستمر لفترة أطول. على سبيل المثال، بدأ موسم حرائق الغابات هذا العام في كندا في شهر فبراير/شباط، تمامًا كما حدث في العام الماضي. ولكن في الماضي، لم يكن الأمر يبدأ قبل شهر مارس/آذار.
شهدت كندا العام الماضي (2023) موسم حرائق لا مثيل له، حيث احترق ما يقرب من 45 مليون فدان بسبب أكثر من 6500 حريق. ولوضع ذلك في الاعتبار، فإن إجمالي المساحة المحروقة في عام 2023 كان أعلى بثماني مرات من متوسط الأربعين عامًا، وفقًا لتقرير صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).