في مؤتمر الأطراف COP28 اختتم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات كلمته بحديثه عن «قصة القائد الذي آمن بحب الأرض واحترام الطبيعة وصون مواردها
وعمل يداً بيد مع شعبه لرعاية هذه الأرض الطيبة مدركاً أن الثروة الحقيقية للدول تكمن في أبنائها، وإنجازاتنا اليوم تشهد على عمل بناء مستقبل أكثر إشراقاً إن شاء اللّه أيها السادة إنه الوالد الشيخ زايد طيب الله ثراه مؤسس الدولة ورمز حضارتها وباني نهضتها وصانع ماضيها وحاضرها ومستقبلها».
حديث قائدنا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عن المؤسس الكبير والحاضر الذي لا يغيب عن الوجدان الجمعي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه قبل يوم واحد من اليوم الوطني الثاني والخمسين وفي محفل دولي مهم، لا شك له أبعاد، وأراد من خلاله التأكيد على أن دولة الإمارات هي الشيخ زايد والشيخ زايد هو دولة الإمارات فكراً ونهجاً وعملاً ورسالة حياتية وأنه صانع ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
دولة الإمارات في مرحلتها الثانية وهي تتجه نحو مئوية الاتحاد، المشروع الوحدوي الأهم والناجح في التاريخ العربي المعاصر، الذي يكتسب قيمته من فكرة الاتحاد نفسها كمصطلح يعبر في معناه عن جملة من القيم الفكرية والإنسانية العالية التي تخدم البشرية، وكون قيمة الاتحاد نفسها تعبر عن الاقتران ووحدة المصير والقوة وغير ذلك من المعاني الجليلة، وأيضاً لكون هذا المشروع يكتسب قيمته من المكانة الجديرة ومن الإنجاز الفارق والمقام الرفيع الذي حققته دولة الإمارات بين الدول الطموحة والمتقدمة باعتبارها دولة فاعلة ومؤثرة بإيجابية، في فترة زمنية تكاد تكون ضرباً من الخيال والمستحيل.
ورغم أنه في السابق كان الاتحاد يُرى على أنه "تجربة" فها هو اليوم صرح راسخ ناجح بإنجازات عالية تجاوز التجريب ومرت عليه خمسة عقود ونيّف، فاستحق أن يكون يوم القيام ويوم التأسيس الوطني للدولة أي الثاني من ديسمبر/كانون الأول واحداً من أهم أيام العرب المجيدة في التاريخ المعاصر، بكل المقاييس التي يمكن أن نقيس بها الأمجاد في الماضي والحاضر.
يتساءل المرء ما الذي يمكن أن يشار إليه في ذروة الفخر بهذه الذكرى العزيزة علينا في الداخل وعلى كل الشرفاء العرب وغير العرب ومحبي الإمارات في مشارق الأرض ومغاربها، تعبيراً عن الفخر بالدولة التي قدمت النموذج المضيء للدولة الوطنية المدنية في عالم عربي لا يخفى واقعه وتاريخه على أحد، وكذلك كونها دولة للمستقبل بشهادة العالم أجمع ليس آخرها اعتماد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» منذ فترة، الثاني من ديسمبر/كانون الأول - وهو اليوم الوطني الإماراتي- من كل عام يوماً عالمياً للمستقبل احتفاء بها كدولة نموذج يقتدى بها في صناعة المستقبل.
إن الإجابات عديدة، ولا شك أن مبلغ القول يتجلى في الإشادة بدولة الإمارات وحضورها في المشهد العام وفي الاحتفاء بما حققته من إنجازات وصنائع ومكانة دولية رفيعة وكل ذلك يبعث على الفخر والاعتزاز والاعتداد بها، ولكن لا يمكن أن يبدأ ولا يكتمل هذا الاحتفاء دون أن تقف الأجيال المتتالية وقفة إجلال ومحبة وتقدير لمؤسس الوطن وموجده وباني نهضته وصانع أمجاده والذي خطط لمستقبله لمئة عام قادمة، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.
إن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو صاحب الشخصية المركزية في وجداننا كإماراتيين وصاحب المكانة الراسخة في دولة الإمارات، والذي تدور في فلكه كل الإنجازات والصنائع والأهداف والرؤى والمبادئ التي قامت عليها الدولة وعلى يديه تشكّلت هوية الإنسان الإماراتي المعاصر، وهو الذي رسم ملامحها بفكره وبحضوره وهو الذي وضع القواعد والأسس الأولى لها وأوجد لها صيغتها التي تناسبها وتناسب تلك الهوية.
بل ويمكننا القول أيضاً إنه صنع شكل ونسق الحياة في الإمارات في حاضرها ولا شك سيمتد ذلك النسق لسنوات مضيئة في مستقبلها.
وستدرك الأجيال القادمة كما هي الحالية أن ما قام به الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو قبس من الخيال والإلهام والعمل وخلاصة صنيع جادت به الحكمة الخالصة والخيال المتقد والمعرفة الرصينة وانبثق من نور الفكر والأعمال الإبداعية والمكارم العالية، وستدرك أيضاً مدى تضحياته وسعيه لصناعة وإيجاد دولة معاصرة قائمة على قيم ومبادئ عالية على أرض الواقع، دولة تعلي من قيمة الإنسان كإنسان ومن كل صنيع إنساني، فكان له ذلك فجعل كل شيء فيها معيارياً يتكئ على النتائج والإلهام والتأثير الإيجابي، وانتقل بها من فكرة دولة تُخلق من نظم النظريات في كتب الفلاسفة والمفكرين وخيالات الشعراء إلى دولة المشروع الحضاري الحقيقي القابل للتطبيق على أرض الواقع.
وليس من المبالغة القول إن دولة الإمارات بفكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان استطاعت أن تجسد في وقت وظرف قياسيين مفهوم المدينة التي شغلت سدنة الفكر على مر العصور فإذا رجعنا إلى مصادر التعريف بالمدن الفاضلة لوجدنا أن معاييرها تنطبق إلى حد إبداعي على دولة الإمارات.
لقد استطاع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تأسيس نظام سياسي اقتصادي اجتماعي فريد من نوعه، نظام اتحادي وحدوي يسعد في ظله كل أفراد مجتمعه ودون استثناء، يقوم على مبدأ توفير الحياة الكريمة للشعب والتركيز على بناء الإنسان والتنمية والصحة والتعليم، واستطاع بناء دولة قادرة أن تنشئ مثلها الخاصة بها وتحققها واقعاً، دولة تحرص قيادتها أن يكون الإنسان هو محور أولوياتها وأن يكون المجتمع مساهماً في صناعة سعادته بالعمل والتنمية المستدامة والارتكاز على القيم وأن يشارك هذا المجتمع في خلق وابتكار نموذج واقعي للدولة ذات المكانة الرفيعة في الخارج، والمكانة الوجدانية الراسخة للمدينة المثالية بمجتمعها النموذجي في الداخل.
يعلم الجميع أن حضور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الجلي واللافت في الوجدان الجمعي في حياته وبعد رحيله يكاد يكون حالة فريدة، قلما نراها أو حتى نسمع عنها، هذا الحضور البهي المضيء الذي ارتبط بالبناء والتنمية والسلم، ممثلاً للذاكرة ومكوناتها كونه تفرد بإعلاء القيم، فهو لم يأت ممتطياً ظهر دبابة محتل ولم يكن طارئاً على الحكم ولم يوحد البلاد بالسيف.. وهنا تجلت عبقريته التي يجب أن نتأملها لفهم فلسفته الحياتية في البناء والتضحية وصياغة الهوية، وإعلاء قيم المحبة والسلام والتواصل، وكلما اقتربنا من فكره ورؤيته كلما اكتشفنا عظم هذه الشخصية وأدركنا سر تألق ونجاح دولة الإمارات ولمسنا تأثيره الاجتماعي في حضوره الماثل وفي قيمه التي انعكست على نمط الحياة في فعل المحبة والسلم والتعايش والتفاعل مع الآخر.
وإذا تأملنا المنجزات والمشاريع الكبرى التي عملت عليها دولة الإمارات وتحققت حتى بعد رحيله كمشاريع الفضاء على سبيل المثال لا الحصر لوجدنا لها جذوراً في فكر وأعمال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وطموحاته فهو الذي وضع الفكرة وزرع البذرة وسقاها بسعيه وأشعل جذوة العمل والطموح والإرادة والعزيمة في أبنائه وفي شعبه بل وفي كل من يعيش في نطاق ودائرة وحدود دولته التي أسسها وصارت دولة إلهام للعديد من شعوب العالم.
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله صاحب رسالة سلام ورسالة محبة منذ بداية حياته إلى إنشاء هذه الدولة وقد ترك ميراثاً عظيماً وعميقاً وترك للإمارات قيادة حكيمة تسير على نهجه وإن الأجيال الحالية مطالبة بقراءة سيرة حياته والاطلاع على أقواله اللامعة وتأمل أفعاله المنيرة وصنائعه الفريدة وقراءة نتاجه الأدبي الشعري تحديداً حيث نجد جانباً كبيراً منه يسرد مسيرته في إطار من الأفكار البكر واللغة الجمالية التي تقوم على الحس الإبداعي الملهم، وتكشف لنا أيضاً مقولاته كما هي قصائده فلسفة الأخلاق عنده وفهمه للماضي والحاضر والمستقبل.
بقراءة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وفهم رؤاه ونظرته للأوطان ووعيه بأهمية بناء الإنسان والتمسك بالقيم الوطنية والإنسانية ونظرته لمفهوم مشاركة المجتمع والمرأة والشباب، وأسلوبه في بناء العلاقات مع الإخوة والأشقاء والأصدقاء ومع الآخر.. ستتجلى أمامنا نظريات جديدة لمفهوم بناء الدولة المعاصرة من خلال تحليل وفهم نظرته للحياة وللأنسنة وللتنمية وللسلم وللتواصل الحضاري وبالتالي سندرك كيفية معالجته لقضايا جوهرية كان قد استشرف تحدياتها مبكراً وعمل على إيجاد حلول لها، قضايا شغلت العالم فيما بعد بما في ذلك القضايا الراهنة كتحديات المناخ والبيئة والطبيعة.
دولة الإمارات تمتلك رؤية ذات سردية جديدة للواقع العربي والعالمي، وتقدم رؤيتها، من خلال العمل الجاد والحضور الإيجابي عبر سلسلة من المشاريع التنموية سواء الاقتصادية أو الفكرية أو الاجتماعية، واستطاعت بفضل رؤية مؤسسها وبفضل قيادتها والتي على رأسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن توجد صلات وصل قوية بين الثقافة العربية والغربية، وبين الثقافة الإسلامية والعالمية، وهذه الرؤية الملهمة تعطي بارقة وعي وأمل وتعطي الدافع وتشجع على مزيد من العمل من أجل الحاضر ومن أجل المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة