بين آمال وتحديات.. هل تنجح مديرة منظمة التجارة العالمية في مهمتها؟
تأمل مديرة منظمة التجارة العالمية النيجيرية نغوزي أوكونجو-إيويلا، بث روح جديدة في منظمة تعاني من الشلل.
كما تأمل في عودة المنظمة إلى تبني هدف تحسين معيشة الناس وتعزيز وصول البلدان الفقيرة إلى لقاحات كوفيد-19، وسط تحديات عديدة تواجهها فور تولي منصبها تتمثل في عقد المؤتمر الوزاري، وتعثر المفاوضات، وتفعيل هيئة الاستئناف بالمنظمة.
وتتولى نغوزي أوكونجو-إيويلا مقاليد منظمة التجارة العالمية في أول مارس/ آذار المقبل، في وقت يرزح الاقتصاد العالمي تحت تبعات الجائحة فيما العمل متعدد الأطراف في أدنى مستوياته.
وقالت نغوزي في مقابلة مع وكالة فرانس برس، أمس الثلاثاء، "أعتقد أن منظمة التجارة العالمية أهم من أن يتم إبطاؤها وشل حركتها وتركها تحتضر ... هذا ليس صائبا".
وأكدت أن أهدافها الفورية هي ضمان إنتاج اللقاحات وتوزيعها في جميع أنحاء العالم وليس فقط في البلدان الغنية، وكذلك مقاومة النزعة الحمائية التي تضخمت مع الوباء، بحيث يمكن للتجارة الحرة أن تساهم في الانتعاش الاقتصادي.
دور ترامب
وعُينت نغوزي رسميًا، يوم الإثنين، وتتولى في بداية مارس/آذار المقبل إدارة مؤسسة أوهنتها إدارة دونالد ترامب التي جاهرت بمعاداتها لها، وأعاقت عمل هيئة تسوية المنازعات التابعة لها. وفي خضم مرحلة صعبة، استقال سلفها روبرتو أزيفيدو قبل عام من انتهاء ولايته.
واعترض ترامب العام الماضي على تعيين الدكتورة نغوزي مديرة عامة، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، هو الذي حلحل الموقف بإعلان دعمه القوي لترشيح الوزيرة النيجيرية السابقة.
الدول الفقيرة واللقاح
ووعدت الدكتورة نغوزي ببث نفحة جديدة من الحياة في منظمة التجارة العالمية التي ابتعدت، حسب قولها، عن هدفها المتمثل في المساعدة على تحسين الظروف المعيشية للبشر، على أن تولي في البدء عنايتها لتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19.
وقالت: "أعتقد أن منظمة التجارة العالمية يمكن أن تساهم بشكل أكبر في حل أزمة كوفيد-19 من خلال المساعدة على تحسين وصول الدول الفقيرة إلى اللقاحات".
وأضافت: "من مصلحة كل بلد حقًا أن يحصل الجميع على اللقاح".
وتطالب بعض البلدان، مثل الهند وجنوب إفريقيا، بإعفاء اللقاحات من حقوق الملكية الفكرية لتسهيل الحصول عليها والإسراع في عملية توزيعها.
دور القطاع الخاص
لكن الدكتورة نغوزي تريد تجنب الخلاف بين أعضاء منظمة التجارة العالمية، وتتطلع إلى معالجة المشكلة من زاوية أخرى.
وقالت: "بدلاً من قضاء الوقت في المناقشات، علينا أن ننظر إلى ما يفعله القطاع الخاص" عبر اتفاقيات الترخيص لإنتاج اللقاح في بلدان متعددة، مستشهدة بالاتفاق بين شركة أسترازينيكا البريطانية السويدية والهند.
وأوضحت: "لقد بحث القطاع الخاص بالفعل عن حل لأنه يريد أن يكون جزءًا من الحل لمساعدة الدول الفقيرة والمعدمة".
وأضافت، أنه يجب أيضًا مواجهة الاتجاه إلى فرض قيود على تصدير المستلزمات الطبية والحرص على عدم تعطيل سلاسل التوريد من خلال التركيز بشكل أساسي على الإنتاج المحلي.
أول امرأة
وهذه الخبيرة الاقتصادية هي أول امرأة ترأس منظمة التجارة العالمية، فقد تدربت في مؤسستين أمريكيتين مرموقتين هما معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، وتولت وزارة المالية في نيجيريا.
وهي ترى أن على منظمة التجارة العالمية أن تضطلع بتحقيق هدفها الأساسي، ألا وهو "تحسين مستويات المعيشة" في البلدان الفقيرة، و"خلق وظائف لائقة للناس".
كما تؤكد إن "للتجارة بالتأكيد دورًا تؤديه في الانتعاش الاقتصادي" بعد أزمة كوفيد-19".
لا يمكن أن يستمر
حتى قبل حلول الجائحة، حادت المنظمة عن هدفها، وقالت الدكتورة نغوزي بأسف، "هذا لا يمكن أن يستمر.. علينا أن نصل إلى نتائج.. لا يمكننا أن نسمح بالفشل في هذا الملف"، مستشهدة كمثال بالمفاوضات الطويلة بشأن مصايد الأسماك والتي استمرت 20 عامًا.
وحالت الجائحة دون أن تحترم منظمة التجارة العالمية، التي تعاني بالفعل من أزمة، الموعد النهائي الذي حددته الأمم المتحدة بنهاية عام 2020 للتوصل إلى اتفاق لحظر دعم صيد الأسماك الذي يساهم في الصيد الجائر.
كعب أخيل
والسبب وفقًا لنغوزي أوكونجو-إيويلا هم المفاوضون الذين يمكن اعتبارهم بمثابة "كعب أخيل" منظمة التجارة العالمية.
وقالت: "جنيف فيها عدد كبير من خبراء التفاوض، لكن المشكلات لم تحل، لقد تفاقمت"، لأن "الأمر بالنسبة لهم يتعلق بالفوز أو بعدم الخسارة ومن ثم فإنهم يضعون العراقيل أمام بعضهم بعضًا".
وأضافت، أن منظمة التجارة العالمية بحاجة إلى التجديد لإحداث فرق، متجاهلة الانتقادات الموجهة إليها بشأن افتقارها إلى الخبرة التجارية.
وتابعت مدافعة عن نفسها: "أنت بحاجة إلى مهارات سياسية قوية، أنت بحاجة إلى القدرة على المناورة".
وأضافت، أن خبرتها البالغة 25 عامًا في البنك الدولي يمكن أن تساعدها في مد جسر بين البلدان المتقدمة والنامية.
وهي مدركة أن عملها سيكون صعبًا ولن تحصل منه على ثناء، لكنها متحمسة أكثر لتحقيق نتائج حتى لا يمكن لأحد في المستقبل أن يشكك في تعيين امرأة في هذا المنصب الذي تستمر فترته القابلة للتجديد حتى 31 أغسطس/آب 2025.
التحديات المباشرة
وتواجه منظمة التجارة العالمية، مجموعة من التحديات، بمجرد أن تتولى منصبها في بداية مارس/آذار المقبل، تشمل عقد المؤتمر الوزاري، وتعثر المفاوضات، وتفعيل هيئة الاستئناف بالمنظمة.
مؤتمر وزاري
يعقد المؤتمر الوزاري وهو أعلى هيئة لصنع القرار في منظمة التجارة العالمية مرة كل عامين ويحدث ذلك عادة في نهاية العام.
ويكتسي الاجتماع أهمية متزايدة لأن العديد من العواصم تستخدمه كموعد نهائي لتحقيق تقدم في المفاوضات التجارية.
وبعد المؤتمر الوزاري الذي عقد في ديسمبر/كانون الأول 2017 في الأرجنتين، كان يفترض عقد الاجتماع التالي في يونيو/حزيران 2020 في كازاخستان، بسبب ظروف الشتاء القاسية.
لكن كوفيد-19 كان بالمرصاد، وأرجأ المؤتمر إلى أجل غير مسمى. وتطالب الدكتورة نغوزي بعقد اجتماع قبل نهاية عام 2021، لكن يتعين على أعضاء منظمة التجارة العالمية اتخاذ قرار بالتوافق في 1 و2 مارس/آذار المقبل.
التعددية
يتفق الدبلوماسيون والخبراء على أن منظمة التجارة العالمية باتت منذ سنوات عاجزة عن استئناف مفاوضات واسعة النطاق، على الرغم من تعدد المواضيع التي تحتاج للتوصل إلى حلول.
إذ تتعثر المفاوضات الدائرة منذ فترة طويلة حول مسائل مثل القطن ودعم مصايد الأسماك، في حين أن المفاوضات المتعلقة بمواضيع أحدث مثل التجارة الإلكترونية والتي بدأت في يناير/كانون الثاني 2019 على المستوى متعدد الأطراف، لم تقلع بعد، ما يعرض منظمة التجارة العالمية للتخلف عن قضايا الساعة.
وطرحت الدكتورة نغوزي من جانبها قضية البيئة وتعد الاتفاق على دعم مصايد الأسماك - المتعثر حاليًا - أحد أولوياتها الفورية لإظهار أن منظمة التجارة العالمية ما زالت قادرة على تحقيق تقدم متعدد الأطراف.
وقد شهد سلفها روبرتو أزيفيدو على الإجراءات التجارية العدائية بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، دون أن يتمكن من تحريك ساكن.
وتحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة التجارة العالمية على مراجعة وضع الصين التي تقول واشنطن إنها تستغل وضعها كدولة نامية من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية.
ويأمل البعض أن تساعد الخبرة السياسية للدكتورة نغوزي على إعادة الثقة في النظام بين الشركاء.
وصرح بيتر أونغفاكورن، الموظف السابق في أمانة منظمة التجارة العالمية، لوكالة فرانس برس أنها "يمكن أن تساعد على تعزيز التعددية من خلال استخدام نفوذها، ولكن في النهاية يجب أن تأتي الحلول من الأعضاء".
هيئة الاستئناف
فشل روبرتو أزيفيدو كذلك في منع الولايات المتحدة من تعطيل الذراع القانونية لمنظمة التجارة العالمية.
وهيئة الاستئناف هذه معطلة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019 بسبب نقص عدد القضاة بعد أن عرقلت واشنطن عملية تعيين القضاة.
وتعتزم المديرة الجديدة التوصل إلى اتفاق حول هذا الموضوع، قبل الاجتماع الوزاري المقبل.
وليست الانتقادات الأمريكية لمحكمة الاستئناف بالأمر الجديد، فقد عطلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما (2009-2017) كذلك تعيين القضاة.
وازدادت تلك الانتقادات في ظل دونالد ترامب الذي اتهمها بتجاوز سلطاتها بإصدار أحكام تنتهك السيادة الوطنية.
وقال هيكتور توريس المستشار القانوني السابق لسكرتارية هيئة الاستئناف لوكالة فرانس برس "كان طرح مشكلات منظمة التجارة العالمية مع الرئيس ترامب خطأً شائعًا.. وسيكون من الخطأ أيضًا الاعتقاد أنه إذا قام الرئيس بايدن بالسماح باختيار أعضاء جدد في هيئة الاستئناف فسيؤدي ذلك إلى استعادة الثقة في اللوائح التجارية الحالية التي تعتمدها المنظمة".
الجائحة
أماطت الجائحة اللثام عن الخلافات داخل منظمة التجارة العالمية التي ينقسم أعضاؤها بشأن إعفاء العلاجات واللقاحات المضادة لفيروس كوفيد من حقوق الملكية الفكرية، وهو اقتراح قدمته الهند وجنوب إفريقيا ويحظى بدعم 100 دولة.
وتقول الدكتورة نغوزي إنها عازمة على حل هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن.
وبشكل عام، تعتزم منظمة التجارة العالمية إسماع صوتها في مكافحة وباء كوفيد لا سيما من خلال دعم آلية كوفاكس الدولية التي أنشأتها منظمة الصحة العالمية وتحالف غافي لتوزيع اللقاحات، لا سيما في البلدان الفقيرة.
وبفضل خبرتها في غافي والبنك الدولي، فإنها تريد أيضًا العمل من أجل أن تنتج البلدان النامية مزيدًا من اللقاحات محليًا، من أجل تعويض النقص.
aXA6IDMuMTUuMTQuMjQ1IA== جزيرة ام اند امز