العزلة التجارية تنجح في تغيير السياسة الخارجية لكوريا الشمالية
كوريا الشمالية تطلق سلسلة غير معتادة من التنازلات الدبلوماسية، فما هي الدوافع الكامنة وراء هذا التحول في استراتيجية بيونج يانج؟
أوقفت الصين -أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية- خلال الأشهر الأخيرة الماضية، صادرات المنتجات النفطية والفحم والمواد الرئيسية الأخرى إلى كوريا الشمالية بشكل فعلي، الأمر الذي قد دفع إلى قمة غير مسبوقة هذا الأسبوع بين كيم جونج أون، الزعيم الكوري الشمالي ونظيره الصيني شي جين بينج، والتي قد تظهر بشكل كبير مدى تأثير العزلة التجارية التي شهدتها البلاد دولياً في تغير سياستها الخارجية.
وتجدر الإشارة إلى أن تجميد الصادرات - الذي كشفت عنه البيانات الصينية الرسمية والذهاب إلى أبعد من الحدود المنصوص عليها في عقوبات الأمم المتحدة - يظهر مدى الضغوط الصينية بعد تصعيد برنامج التجارب النووية في بيونج يانج، ويؤكد أن الصين باتت تستعرض عضلاتها الاقتصادية على كوريا الشمالية، الأمر الذي قد يسهم بلا شك في تغيير السياسة النووية المتبعة لكوريا الشمالية.
وحسب ما ذكرته شبكة أخبار "جوان تشا" الصينية، فمنذ تشديد العقوبات الدولية عليها، كانت قد أطلقت كوريا الشمالية سلسلة غير معتادة من التنازلات الدبلوماسية، لعل أبرزها سفر شقيقة الزعيم الكوري كيم يو جونج، لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في كوريا الجنوبية، في فبراير/شباط الماضي، على الرغم من تفاقم التوترات بين الكوريتين، ثم عاد الزعيم الكوري الشمالي ليصدم الكثير من خلال دعوته للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عقد قمة، وسط مخاوف دولية من اندلاع حرب نووية بين البلدين - وهو العرض الذي قبله الرئيس الأمريكي.
وبعد الزيارة غير الرسمية والمفاجئة التي أجراها الزعيم الكوري الشمالي إلى بكين هذا الأسبوع، أكدت البلاد مرة أخري مشاركتها في قمتين تاريخيتين، واحدة نهاية إبريل/نيسان المقبل مع الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، والثانية قبل نهاية مايو/أيار المقبل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكان كيم قال، خلال الزيارة: "إن قضية نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية يمكن حلها إذا استجابت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة لجهودنا بحسن نية وخلقتا جواً من السلام والاستقرار مع اتخاذ تدابير تدريجية ومتزامنة من أجل تحقيق السلام".
إلا أن تلك الإجراءات الودية غير المتوقعة للزعيم الكوري الشمالي قد أثارت جدلاً دولياً حول الدوافع الكامنة وراء التحول في استراتيجية كوريا الشمالية.
وفي هذا الصدد، يعتقد بعض المحللين أن بيونج يانج قد حققت أهدافها النووية والصاروخية، وتريد الآن التفاوض على الاعتراف بها كقوة نووية، ويقول آخرون إنها تسعى إلى تحقيق انفراجة مع كوريا الجنوبية لإضعاف هيكل التحالف الأمريكي.
إلا أن شبكة الأخبار الصينية قد أضافت أن الأدلة على تجميد الصادرات الصينية الجزئية قد تضيف منظوراً آخر حول تفاقم مخاوف بيونج يانج التجارية مع (الصين)، أكبر حليف تجاري لها، حيث تظهر الإحصاءات الصينية الرسمية أن المعدل الشهري لصادرات النفط المكرر إلى كوريا الشمالية في الفترة ما بين يناير وفبراير قد انخفضت بشكل كبير لتبلغ 175.2 طن، أي ما يعادل فقط 1.3% من المتوسط الشهري البالغ 13،552.6 طن الذي تم شحنه إلى البلاد في النصف الأول من عام 2017.
كما تم تخفيض صادرات الفحم الصينية إلى كوريا الشمالية للصفر خلال الأشهر الثلاثة حتى نهاية فبراير، بعد أن كان قد بلغ متوسطها الشهري 8،627 طن في النصف الأول من عام 2017.
وكان قد وصل المتوسط الشهري لصادرات الصلب 257 طناً خلال أول شهرين من العام الجاري، وذلك بانخفاض عن المتوسط الشهري البالغ 15.110 أطنان في النصف الأول من عام 2017.
ومن المرجح أكثر، كما يقول المحللون إن بكين تسعى إلى تذكير بيونج يانج بالنفوذ الاقتصادي الذي تتمتع به على كوريا الشمالية، بينما يستعد كيم لإطلاق غزواته الدبلوماسية.
وقال مسؤول صيني رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن هويته، قبل الفورة الدبلوماسي للسيد كيم، إن بكين تريد جلب بيونج يانج إلى طاولة المفاوضات.
ونقلاً عما قاله المسؤول الصيني "من المهم أن تدرك الولايات المتحدة وبلدان أخرى أن هدف بيونج يانج ليس عدواناً بل هو الحصول على ضمانات أمنية لكوريا الشمالية"، مضيفاً أن كوريا الشمالية كانت قد أبدت في الماضي استعداداً للتفاوض، لكن عدم مرونة الولايات المتحدة قد منع التقدم.
وعلى الرغم من الضغوط الصينية علي جارتها الكورية، لا يزال يرى المجتمع الغربي أن معارضة الصين القوية لكوريا الشمالية تتناقض مع سياسة بكين القديمة المتمثلة في مقاومة الضغوط الأمريكية، من أجل فرض قيود أشد على المشاركة الاقتصادية مع كوريا الشمالية.