"تشيرنوبل".. 34 عاما على أبشع كارثة نووية في العالم
في مثل هذا اليوم من عام 1986 شهدت البشرية واحدة من أبشع الحوادث المدمرة في تاريخها منذ الأزل تمثلت في انفجار مفاعل تشيرنوبل.
قد تكون الكثير من المحاولات التخيلية والقصص والروايات حاولت استعراض أبشع تفاصيل حادثة "تشيرنوبل"، لكنها بحكم طبيعتها بين الاختزال والتكثيف لم تنقل صورة دقيقة عن الكارثة الأخطر في العصر الحديث.
ففي مثل هذا اليوم (26 أبريل/نيسان) من عام 1986، شهدت البشرية واحدة من أبشع الحوادث المدمرة في تاريخها منذ الأزل.
سحب كثيفة بما يوازي 8 أطنان من الوقود النووي، ارتفعت إلى السماء، ناجمة ومدفوعة بألسنة لهب حريق ضخم، ومرفوقة بمواد خطيرة، أفضت إلى حصيلة مرعبة لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
ففي ساعات الصباح من التاريخ المذكور، كان نحو مائتي عامل وموظف في مفاعل الطاقة النووي "تشيرنوبل" بمدينة كييف الأوكرانية، وكانوا يعملون يومها على اختبارات في 3 وحدات بالمحطة.
مضت الأمور على ما يرام إلى حين ارتفاع مفاجئ بلغ 4 آلاف درجة مئوية، لدرجة الحرارة نجم عن توقف قلب دائرة التبريد الخاصة بالمفاعل الرابع، ما أدى إلى انصهار لب المفاعل قبل أن ينفجر.
ثوان فقط إثر ذلك، تتالت الانفجارات المدوية، وتطايرت معها حمم الجرافيت في السماء، فخلفت دمارا لم تفلت منه حتى أشد البناءات الخرسانية صلابة.
المفاعل الرابع بالمحطة حمل لهؤلاء الموظفين –وللعالم- أبشع كارثة تقنية شهدها التاريخ البشري الحديث، حيث أدت قوة الانفجارات لنسف المفاعل بشكل كامل، حاملا معه أطنانا من حمم الوقود النووي، واستمر الحريق لمدة 10 أيام.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل تسربت في الأثناء مواد خطيرة جدا من اليورانيوم والبلوتونيوم والسيزيوم واليود، شكلت سحابة قاتلة من الإشعاعات النووية التي تجاوزت حدود مدينة تشيرنوبل لتمتد إلى مدن أخرى مثل أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا وألمانيا والسويد أوكرانيا.
وكأن الكارثة أبت التوقف عند ذلك الحد، حيث صادف في تلك الفترة هبوب رياح ساعدت في حمل سحابة الإشعاعات القاتلة إلى العديد من البلدان الإسكندنافية، وإلى بلدان أخرى بينها اليونان وتركيا.
ولم تقتصر الحصيلة المريعة للكارثة على عدد القتلى بالحادث نفسه، وإنما أثرت على مئات الأشخاص من عمال الطوارئ الذين خاطروا بحياتهم لمحاولة إخماد الحريق، فيما جرى إجلاء الآلاف من منازلهم بالمناطق المحيطة بالموقع، وأصيب آلاف الأطفال لاحقا بأمراض السرطان المختلفة.
لقي 36 شخصا مصرعهم جراء الإشعاعات القاتلة، كان معظمهم من موظفي المحطة ورجال الإطفاء، لكن الحصيلة الحقيقية لم تقتصر على هذا الرقم، بالنظر إلى قدرة الإشعاعات على التمطط في الهواء والبقاء لسنوات طويلة حصدت الآلاف من الأرواح.
آثار مدمرة
في السنوات التي أعقبت الكارثة، قدرت الوفيات الناجمة عن الإشعاعات بما بين 7 آلاف إلى 10 آلاف شخص، كما اختفت قرى بأكملها من الخريطة الجغرافية، عقب إجلاء سكان 85 قرية من جمهورية بيلاروسيا، و4 من أوكرانيا، و31 من روسيا.
وبحكم المعطى الجغرافي، كان من البديهي أن تستأثر أوكرانيا بنصيب الأسد في ارتدادات الكارثة، حيث أصيب عدد كبير من السكان، وخصوصا الأطفال بسرطان الغدة الدرقية والفم، وقدرت منظمات العدد بـ3.4 مليون شخص.
كما يعاني عدد كبير من الأشخاص من مرض يسمى "مرض الإشعاع"، جراء التعرض للإشعاعات النووية القاتلة، ومن أعراضه حدوث تسلخات جلدية وسقوط للشعر وتغير في ملامح الوجه، علاوة على إصابة آخرين بخلل في الجينات الوراثية.
حصيلة كارثية تضاف إليها آثار اجتماعية وخيمة، تجلت من خلال خلل كبير أصاب التركيبة النفسية لمعظم سكان المناطق التي طالتها الكارثة، وخلفت أمراضا نفسية.
التربة والنباتات تأثرت أيضا بالكارثة إلى حد كبير، حيث أصبحت هكتارات من الأراضي المجاورة للمفاعل في أوكرانيا وبيلاروسيا غير صالحة للزراعة جراء الإشعاعات.
إرث "تشيرنوبيل"
إجمالا، ووفق الأمم المتحدة، أدت الكارثة إلى تعرض نحو 8.4 مليون شخص في أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفيتي، أو ما يسمى الآن ببيلاروس وأوكرانيا والاتحاد الروسي، للإشعاع.
آثار مدمرة جعلت المنظمة الدولية تعتمد، في 1990، القرار 190/45، دعت فيه إلى "التعاون الدولي في معالجة الآثار الناجمة عن حادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية وتخفيفها".
وبناء على ذلك، جرى إنشاء فرقة عمل مشتركة بين الوكالات لتنسيق التعاون بشأن الكارثة، حيث أنشأت الأمم المتحدة، الصندوق الاستئماني لتشيرنوبيل، يعمل حاليا تحت إدارة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
ومنذ عام 1986، دشنت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الرئيسية ما يزيد على 230 مشروعا من مشاريع البحوث والمساعدة في مجالات الصحة والسلامة النووية وإعادة التأهيل والبيئة وإنتاج الأغذية النظيفة والمعلومات.
لكن العام 2002 شكل منعطفا بالاستراتيجية الأممية بشأن الكارثة، حيث ركزت سياستها على نهج إنمائي طويل الأجل، وأخذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكاتبه الإقليمية في البلدان الثلاثة المتضررة زمام المبادرة في تنفيذ الاستراتيجية الجديدة، وفق ما ورد بموقع المنظمة الدولية.
ولزيادة الوعي بالآثار الطويلة الأجل لـ "تشيرنوبيل"، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، 26 أبريل/ نيسان يوما لإحياء ذكرى الكارثة، وبدأ إحياؤها سنويا اعتبارا من عام 2017.
aXA6IDMuMTQyLjE3MS4xMDAg جزيرة ام اند امز