زواج الأطفال.. تطلعات جنسية مبكرة يحميها المجتمع بمصادرة المستقبل
من الأمور المعتادة في بعض الدول العربية قراءة الفاتحة بين والدي طفل وطفلة ليكونا زوجين عندما يبلغا سن الزواج، ما يعتبر خطوبة مبكرة.
ورغم أن هذا المسلك كان يجد اعتراضا دينيا واجتماعيا، باعتباره مصادرة على حق الطفلين مستقبلا في الاختيار، إلا أن الأمر توسع في السنوات الأخيرة ليمتد إلى إقامة حفل خطبة، وربما زواج في بعض الأحيان.
وتسرب مؤخرا إلى مواقع التواصل الاجتماعي المصرية صورة لطفلين من منطقة عين شمس بالقاهرة اثناء حفل الخطوبة، ودعا ناشر الصور المجلس القومي للطفولة والأمومة للتدخل من أجل وقف زواج هذين الطفلين، حيث لا يتجاوز سن الطفل 12 عاما، بينما يصل عمر الطفلة إلى 9 سنوات.
وإذا كان تسرب الصور إلى مواقع التواصل الاجتماعي قد ساعد المجلس القومي للطفولة والأمومة على التحرك ووقف هذا الأمر في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، فماذا عن آلاف الحالات التي تنتهي بمسرحية هزلية يتلطخ فيها وجه البطلة الصغيرة بمساحيق التجميل التي تخفي براءتها، بينما يجلس البطل إلى جوارها حاملا لقب العريس، وغارقا في "بدلته" التي لا تتلاءم مع عمره.
بحسب تقديرات لصندوق الأمم المتحدة للسكان في عام 2012، يتم سنوياً تزويج نحو 14 مليون فتاة قاصر حول العالم، في ظاهرة يقول الصندوق إن هناك عدة عوامل تعززها، منها الفقر والجهل والخضوع للعادات والتقاليد، أما في العالم العربي، فتشير إحصائيات الصندوق إلى زواج فتاة من كل 7 فتيات قبل بلوغها الـ18 من العمر.
ومثل هذه الزيجات لا يزل القانون غير جاد في التعامل معها، ففي بعض الدول لا يوجد قانون، وفي بعضها يوجد قانون يمكن التحايل عليه، وفي بعضها يوجد قانون يتضمن عقوبات، لكنها ليست رادعة.
وحدد القانون المصري رقم 12 لسنة 1996 سن الزواج للفتيات بـ18 عاما، لكن العقوبات غير رادعة، وتقدم المجلس القومي للطفولة والأمومة بتعديلات على القانون لم تصدر حتى الآن.
وتتضمن التعديلات عقاب كل من زوج أو شارك في زواج طفل أو طفلة لم يبلغ الثامنة عشر من عمره وقت الزواج بالحبس مدة لا تقل عن سنة، ويعاقب بذات العقوبة كل شخص حرر عقد زواج وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون، على ألا تسقط هذه الجريمة بالتقادم.
ورغم أن دولة المغرب شهدت في عام 2004 إصدار "مدونة الأسرة" التي استجابت لمطالب الحقوقيين وحددت أهلية الزواج بالنسبة للذكر والأنثى عن عمر 18 عاماً، إلا أن واقع الحال يؤكد عدم الالتزام بها، في ظل غياب العقوبات الرادعة.
ويتفق القانون الموريتاني مع القوانين المصرية والمغربية في تحديد سن الزواج بـ "18عاما"، لكنه فتح المجال أمام استثناءات، ووضع بيد والد الفتاة سلطة "تقدير المصلحة"، التي تتيح له تزويجها قبل بلوغها السن القانونية.
ويغيب عن القانون اليمني تحديد سن قانونية للزواج منذ الوحدة بين الجنوب والشمال، حيث كان قبل توحيد اليمن في عام 1990، السن الأدنى للزواج ( 16 عاماً ) في الجنوب و (15 عاماً) في الشمال، وبعد الوحدة تم تحديد السن القانوني في 15 عاماً، ولكن تم تعديل قانون الأحوال الشخصية في عام 1999 وإلغاء السن الأدنى للزواج.
ورغم أهمية القانون في هذه المعركة، إلا أنه ليس السلاح الوحيد، بل إنه السلاح الأضعف من وجهة نظر الدكتور معتز عبد الحميد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق (شمال شرق القاهرة).
ويقول عبد الحميد: "الزواج المبكر نوع من الجهل، الذي لا يحارب بالقوانين فقط، بل لابد من دور قوي للإعلام والمجتمع المدني في مواجهة هذا السلوك الخطير".
وتابع: "نحن بحاجة إلى إعلام يؤدي دوره بشكل أكثر احترافية، لا يتحول لباحث عن الإثارة والمشاهدة فقط، فمثل هذه القضية بحاجة لتشريح اجتماعي دقيق للوقوف على حلها من جانب متخصصين، فضلا عن أهمية دور للمجتمع المدني، الذي نسي دوره في البناء الاجتماعي وبات منشغلا بقضايا أقل أهمية، فالأمر بحاجة إلى جهود مخلصة يتضافر فيها الجميع من أجل مواجهة شاملة للمشكلة".
ويشير زايد إلى أن الزواج المبكر له جذور مجتمعية عميقة، حيث توجد أمثلة شعبية عتيقة تلخص القيم التي تحكم مسألة الزواج بالنسبة لهم وتشجع على الزواج المبكر.
وعن الأسباب التي دفعت لظهور الأمر مجددا يضيف: "لعل أبرزها كثرة حالات الطلاق بشكل غير طبيعي، وكثرة المشاكل التي تنشأ بعد الزواج، وهي أسباب دفعت الأهل لاختيار الزوج المستقبلي المناسب من وجهة نظرهم، وهذه مصادرة غير مقبولة على حق الطفل أو الطفلة في الاختيار".
ويحذر الدكتور خالد حمودة، أستاذ الطبيب النفسي بجامعة الأزهر، من خطورة هذه الزواج أو الخطبة في سن مبكر، وقال إنه ينتج عنه تطلعات جنسية في سن مبكرة جدا، تمثل خطرا على نفسية الطفل.
وقال إن الممارسة الخاطئة للجنس أو الفشل الكلي في ذلك، عادة ما يؤدي في النهاية إلى خطر "الشذوذ الجنسي".
وأضاف أنه يجب على الآباء والأمهات إدراك حجم الكارثة السلوكية التي تتهدد أبنائهم، لعل ذلك يسهم في ردعهم عن هذا التصرف، بما يؤدي لاختفاء مثل هذه السلوكيات.