فقر الأطفال في بريطانيا.. أرقام صادمة تكشف عمق الفجوة الاجتماعية

تشهد بريطانيا هذه الأيام سلسلة مظاهرات واسعة ومتفرقة تركزت حول قضايا الهجرة، ومجموعة من الحقوق الاجتماعية، والاستجابة الحكومية.
أبرز هذه الاحتجاجات كان مسيرة "Unite the Kingdom" في لندن، التي نظمها الناشط تومي روبنسون، وجمعت ما بين 110,000 إلى 150,000 مشاركا تقريبا، مطالبين بإجراءات صارمة تجاه الهجرة وانتقادات لسياسات الحكومة.
وفي السياق، تصدرت قضية فقر الأطفال في بريطانيا عناوين الصحف البريطانية خلال الأشهر الماضية، بعدما أظهرت البيانات الرسمية ارتفاعاً مقلقاً في معدلات الفقر بين هذه الفئة، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود.
وتباينت التقديرات بين تقارير رسمية وأخرى بحثية، لكنّها جميعاً أجمعت على أن الأوضاع المعيشية المتدهورة وضغوط تكاليف السكن والغذاء هي العامل الحاسم في هذه الأزمة.
وبحسب بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية ووزارة العمل والمعاشات، فإن نحو 22% من الأطفال يعيشون تحت خط الفقر قبل احتساب تكاليف السكن، غير أن النسبة تقفز إلى نحو 30% بعد خصم هذه التكاليف، وهو المقياس الأكثر دلالة على الواقع المعيشي للأسر البريطانية.
وتؤكد أرقام نشرها معهد الدراسات المالية (IFS) ومؤسسة "ريزوليوشن فاونديشن"، أن عدد الأطفال الذين يعانون الفقر ارتفع إلى نحو 4.3 مليون طفل في العام 2022 ـ 2023.
وأفادت صحيفة "فاينانشال تايمز" بأن هذه المعدلات تعكس "أخطر موجة تصاعد للفقر في بريطانيا منذ نحو نصف قرن".
وكتبت "الغارديان" أن الأرقام "تضع الحكومة أمام تحدٍ سياسي واجتماعي غير مسبوق"، لا سيما مع اتساع فجوة الدخل بين الأسر الميسورة وتلك التي تكافح لتأمين احتياجاتها الأساسية.
وربطت التحليلات التي نشرتها الصحافة البريطانية بين تصاعد الفقر وبين أزمة كلفة المعيشة التي عصفت بالبلاد منذ عام 2021، إذ أدى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى استنزاف دخول الأسر ذات الدخل المحدود.
كما ساهمت أزمة الإسكان وارتفاع الإيجارات في زيادة الضغط على العائلات، وهو ما جعل مقياس "بعد تكاليف السكن" أكثر واقعية في رصد حجم المشكلة.
من جانب آخر، ألقى خبراء الضوء على السياسات الاجتماعية للحكومات المتعاقبة، بما في ذلك قاعدة "الطفلين" التي تحد من الدعم المالي للأسر التي لديها أكثر من طفلين، فضلاً عن تجميد بعض الإعانات الاجتماعية.
وأشارت مؤسسات بحثية إلى أن الإجراءات الحكومية المؤقتة التي اتُخذت خلال أزمة كورونا وأزمة الطاقة، مثل رفع بعض الإعانات ودعم فواتير الكهرباء، ساهمت في تقليص الأثر لفترة وجيزة، قبل أن تعود الأوضاع للتدهور مجدداً بعد انتهاء تلك البرامج.
و عبّرت منظمات خيرية مثل "تشايلد بوفرتي أكشن غروب" و"إند تشايلد بوفرتي" عن قلق بالغ، مؤكدة أن الإحصاءات الرسمية "لا تعكس سوى جزء من الصورة"، بينما الواقع الميداني يكشف عن تزايد لجوء الأسر إلى بنوك الطعام، وانتشار ظاهرة "الحرمان المادي"، حيث يفتقد الأطفال إلى احتياجات أساسية مثل الملابس الشتوية أو الأجهزة المدرسية.
وفيما يطالب ناشطون ومعارضون سياسيون بخطة حكومية شاملة لمعالجة جذور الفقر، تؤكد الحكومة أن سياساتها في دعم الدخل وتشجيع العمل تمثل الطريق الأمثل للخروج من الأزمة.
إلا أن أصواتاً بارزة، من بينها رئيس الوزراء الأسبق غوردون براون، دعت إلى إطلاق برامج مالية موسعة تشمل مراجعة لسياسات الضرائب والدعم الاجتماعي، معتبرة أن الحلول الجزئية "لم تعد كافية" أمام حجم التحديات.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA==
جزيرة ام اند امز