أطفال ليبيا.. انتهاكات جسيمة في حق الضلع الأضعف
أكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا تعرض الأطفال إلى انتهاكات خطيرة نتيجة الانقسامات والنزاعات المسلحة منذ 2011.
وأوضحت اللجنة في تقرير بمناسبة اليوم العالمي للطفل أن ملف حقوق الطفل في ليبيا يشهد الكثير من القضايا الخطيرة والتي تشكل انتهاكاً لحقوق الطفل وتبتعد به عن المصلحة الفضلى التي هي روح كل تلك القوانين والاتفاقيات التي صادقت ووقعت عليها ليبيا.
الاحتجاز غير القانوني
وأوضحت اللجنة أن الأطفال القصر يعاملون معاملة البالغين منذ لحظة القبض عليهم ويزج بهم في غرفة توقيف مختلطة وسط تعامل لا يختلف عن البالغين والمنحرفين.
وأضافت أن أماكن الاحتجاز التي يسجن فيها الأطفال وسط عنابر مع المنحرفين من البالغين، مشيرة إلى أن قسم الأحداث في سجن الضمان بتاجوراء –شرقي العاصمة طرابلس لا يزال غير مجهز وغير لائق صحيا لإيواء الأطفال.
ونوهت بأن من أبرز القضايا الملحة والتي لم تأخذ نصيبها من الجدية من قبل السلطات الليبية، قضية الأطفال فاقدي السند المصابين بمرض الإيدز أو مرض الوباء الكبدي.
وأعربت عن أسفها لعدم التفات الحكومات الليبية المتعاقبة إطلاقا إلى هذه الفئة المحرومة من حقوقها الأساسية، المنصوص عليها في التشريعات الليبية السارية والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها الدولة الليبية.
وأشارت إلى أن دور الرعاية في ليبيا ترفض استقبال وتوفير مأوى الأطفال ساقطي القيد المصابين بمرض الإيدز أو مرض الوباء الكبدي متحججة بأن اللوائح تمنع ذلك.
وشددت على أن هذه الحجة باطلة إذ تُلزِم التشريعات واللوائح دور الرعاية بإيواء الأطفال (ساقطي القيد) دون قيد أو شرط، وأن المواد التي نصت على عدم استقبال الأطفال الذين يحملون أمراضاً معدية استثنت الأطفال ساقطي القيد أو المحالون من جهة قضائية والكشف عليهم فوريا وعزلهم المدة اللازمة أو إرسالهم إلى المستشفى.
ورصدت اللجنة حالات عديدة وبعضهم ولد داخل مستشفيات ليبية ووصل إلى سن الدراسة ولم يتحصل على اسم ولا اعتراف من الدولة ناهيك عن إيوائهم في دور الرعاية.
الأطفال في مراكز احتجاز الهجرة
وتؤكد المنظمة أنه لا يكاد يخلو مركز احتجاز للمهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء في ليبيا من وجود أطفال وقاصرين، بعضهم برفقة ذويهم أو أحدهم، وبعضهم غير مصحوبين، وفي الغالب يتم القبض عليهم وإيداعهم في مراكز الاحتجاز.
وتابعت أن أوضاع الأطفال المحالين لتلك المراكز لا تبعث بالطمأنينة، فلا يوجد أي خصوصية لهم من حيث المكان والرعاية الصحية والنفسية لهم، طيلة السنوات الماضية.
وأوضحت أن جميع مراكز الاحتجاز التابعة لجهاز الهجرة غير النظامية لا يوجد فيها مقر خاص بالأطفال القاصرين، فيتم احتجاز الأطفال من عمر 9 سنوات في مكان يحتجز فيه البالغون، ومخاطر وجودهم بين البالغين لا تخفى على أحد.
الأطفال والنزاع المسلح
على الرغم من كون مشكلة الأطفال في حالات النزاعات المسلحة قد حظيت باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة وقد نوقشت في المؤتمرات والمحافل الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وغيرها إلا أن العديد من القاصرين لا يزالون يشكلون غالبية الضحايا كما يشكلون أغلبية النازحين داخليا في ليبيا.
وتتحدث لجان الأزمة والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على مساعدة هؤلاء الأطفال عن أرقام كبيرة، مؤكدة أن الحرب محنة مؤلمة للأطفال، سببت لهم الافتراق عن الأهل والتفكك الأسري والفقدان والإصابات والحرمان.
أطفال المهجرين قسرا
يعاني المهجرون والنازحون من أزمات وعراقيل إدارية منعتهم من تسجيل أطفالهم المواليد حيث يطلب السجل المدني منهم العودة لمدنهم وتوثيق إجراءاتهم في مدنهم الأصلية.
وفي الكثير من العائلات والذين تم توثيق عقود زواجهم في مدن ثانية رفض السجل المدني منحهم الوضع العائلي والذي يتيح لهم تسجيل أطفالهم المواليد.
وتؤكد اللجنة أنه في الوقت الحالي العشرات من أطفال المهجرين لا يملكون إلا أوراق المستشفى "واقعة ولادة" والتي تثبت أن الأم أنجبت مولودا فقط.
وتقول اللجنة إن مسؤولا في الأحوال المدنية في العاصمة طرابلس رجح عدم التسجيل بأنه كان نتيجة خلل أصاب منظومة الأحوال المدنية المدة الماضية وأن مكاتب العاصمة وغيرها تستقبل وتسجل كل الحالات، إلا أن الكثير من الأسر ما زالوا ينتظرون هذه الوعود حتى ساعة كتابة هذا التقرير.
الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة
ولا يزال ملف الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة يعاني المزيد من التبعثر وعدم القدرة على لملمة شتاته، خصوصاً بعد الانقسام السياسي، وعدم وجود تنسيق بين الجهات ما سبب ربكة كبيرة كان لها الأثر السيئ على الأطفال.
وتقدم المساعدات والرعاية الطبية بشكل غير منتظم ومدروس، حيث تم نقل العديد من الأطفال المصابين بالتوحد، على سبيل المثال، خارج ليبيا في مصحات أردنية ومصرية، مما سبب جدلاً كبيراً حول جدوى هذه الخطوة وأثار حفيظة الكثير من الخبراء والمختصين الليبيين.
وأكدت ضرورة علاج هؤلاء الأطفال داخل ليبيا مستندة إلى نظرية علمية ترى بوجوب الإدماج الاجتماعي لطفل التوحد في نفس البيئة الاجتماعية التي أصيب فيها الطفل بطيف التوحد، وأن القول بعدم وجود مراكز داخل ليبيا غير صحيح.
التوصيات
وتدعو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا إلى الانضمام لاتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الاختيارية الثلاثة الملحقة بها مع الوفاء بالالتزامات التي تفرضها هذه الصكوك وأهمها ضرورة موائمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقية الدولية، وخلق الآليات الوطنية الفاعلة لتنفيذها على أرض الواقع.
كما دعت الدولة الليبية إلى الالتفات إلى ملف الصحة النفسية وأثر الحرب والنزاعات المسلحة والنزوح على الأطفال، وتوفير مراكز تأهيل وبرامج تعالج أزمات الصراع .
وناشدت وزارة الصحة بالتعامل مع مشاكل الجنوب الطبية على أنها حالات عاجلة وتحتاج عملاً مؤسسياً ينظر بعين الاعتبار لظروفهم الإنسانية، والاجتماعية.
كما طالبت وزارة الشؤون الاجتماعية بإنشاء منظومة لحصر أعداد وأماكن وجود الأطفال النازحين في الداخل والخارج، إضافة إلى تعديل التشريعات بما يلبي حاجيات الأطفال والقاصرين، خصوصا فيما يتعلق بتأهيل شرطة متخصصة تتعامل مع الأحداث أثناء القيام بضبطهم والتحقيق معهم.
كما دعت لتوحيد الجهود في هذا اليوم لإبراز قضايا الطفولة في كل مكان من ليبيا، مؤكدة أن جبهة الطفولة هي أهم الجبهات على الإطلاق فالأطفال هم مستقبل البشرية وامتدادها وتحصينهم وحمايتهم هو تحصين للإنسانية جمعاء.