أطفال حلب.. صراع من أجل البقاء وطفولة سرقتها الحرب
جولة قامت بها "بوابة العين" الإخبارية وسط الورش والمصانع الصغيرة في حلب للتعرف على عمل الأطفال
دفعت الحرب السورية مئات الأطفال وبخاصة في مدينة حلب المحترقة إلى البحث عن الرزق وسط الركام والخراب، ليدخلوا إلى مرحلة الصراع من أجل البقاء، متخلين عن حلم المدرسة والجامعة متجهين إلى سوق العمل الذي لم يرحمهم كذلك من الاستغلال والنيل من براءتهم.
- اليونيسيف: جميع أطفال حلب يعانون من الصدمة
- منظمة: لا مكان آمن لأطفال حلب.. والقنابل الخارقة جريمة حرب
يدخل أطفال حلب في سن مبكرة جداً هذا السوق بحثاً عن لقمة عيش لعائلاتهم التي ربما فقدت الأب في الحرب أو أجلسته عاجزاً عن تأمين ما تحتاج إليه أسرته، فاضطر الأبناء إلى الدخول لسوق العمل.
فوسط الورش والمصانع الصغيرة قامت "بوابة العين" الإخبارية، بجولة للتعرف على عمل الأطفال في حلب، فوجدنا طفولة سرقتها الحرب، فبعضهم يعمل في ورشة للخياطة وذاك في محل ميكانيكي سيارات وآخر في محطة وقود ورابع في ورشة موبيليا وآخرون يصنعون القهوة والشاي.
12 ساعة عمل يومياً يقضيها الطفل السوري في تلك الورش والمهن الصعبة بأجور زهيدة لا تخلو قياساً بمن هم أكبر منهم سناً. فتلك الظاهرة لا يمكن الحد منها إلا بعودة الأطفال إلى المدارس، كخطوة أولى، لكن ذلك رهن عودة الحياة مجدداً إلى هذه المدينة التي دفعت قسطها من حرب طاحنة مستمرة لأكثر من 6 أعوام.
فحالة الطفل خالد (14 عاماً) كحال المئات من أطفال حلب، دفعتهم الحرب بعيداً عن مقاعد الدراسة إلى تلك السوق التي ترحمه.
قال خالد الذي يقطن في منطقة الميسر بحلب إنه "عمل في ورشة للملابس القطنية في حي الجابرية بأجرة 3500 ليرة في الأسبوع، أنفق منها يومياً 200 ليرة كأجرة للذهاب والإياب، بخلاف المأكل والمشرب، ولا يتبقى لي إلا ليرات معدودة للإنفاق على الأسرة".
ويضيف أن "الحاجة دفعتني لترك المقعد الدراسي ومساعدة أهلي في المصروف" .
استغل أصحاب العمل غياب شريحة الشباب بسبب ظروف الحرب، فأخذوا يستقطبون الأطفال مستغلين حاجتهم المادية وتشغيلهم في ظروف عمل سيئة في أقبية الأبنية السكنية وعلى أطراف المدينة.
وقال أمين سر رابطة الحقوقيين بحلب المحامي مصطفى خواتمي لـ"بوابة العين" إن "قضية تسرب الأطفال من التعليم هو المقدمة الكبرى لدخولهم سوق العمل أو ممارسة التسول والتشرد، فمنهم من يكون محتاجاً لإعالة أهله، ومنهم من يدخل لغايات أخرى سواء كان بشكل فردي أو بسبب إرغام والديه على ذلك أو بشكل منظم وهو الأخطر".
وأضاف أن هناك حالتين يصعب على الجهات المعنية مراقبتهما وهما: الأطفال الذين يعملون في مهن شاقة وغير صحية أو في المعامل مع الكبار ولا يمكن أصلاً تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية، والأخرى: عدم إمكانية إيداع المتسولين الذين يمكن القبض عليهم وإحالتهم إلى جمعية مكافحة التسول التي تعاني بدورها من الإمكانات الضعيفة تجاه الأعداد الكبيرة التي ظهرت بسبب الحرب السورية.
ولفت إلى أنه "ليس من ترتيبات وأولويات الحكومة السورية حالياً القضاء على عمالة الأطفال ومكافحة تسولهم وتشردهم، رغم أن سوريا قد وقعت على اتفاقيات دولية في مطلع القرن الحادي والعشرين".
وقال إن حقوق العمال الصغار مهضومة، لأنه في الأصل يلتزم صاحب العمل بتحرير عقد العمل مع العامل كتابة وباللغة العربية، وتعطى لكل من الطرفين نسخة منه وتودع الثالثة لدى مديرية أو فرع مؤسسة التأمينات الاجتماعية المختصة مكانياً، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تحرير العقد.
وتابع خواتمي أن في هذه الحالة فإن العامل غير مكتمل الأهلية القانونية ولا يجوز لوليه أن يوقع على العقد، لأنه يخالف نصوص القانون بعدم تشغيل الأطفال، وقد يعرضه ذلك إلى عقوبة مادية وجزائية، خاصة في المهن الشاقة كأعمال البناء والمناجم والأحمال.
من جهته قال أحمد حمزة، مدير الشؤون الاجتماعية بحلب إن أعمال التفتيش على تلك الورش والمصانع والمنشآت المخالفة متوقفة منذ بداية الحرب السورية، وهناك نقص بالكادر الوظيفي.
وبيّن حمزة أن وزارة العمل السورية أصدرت قرار 12 من قانون العمل رقم 17 سنة 2010، اعتمد نظام تشغيل الأحداث، ومنع القرار في مادته الأولى تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الـ15 من عمرهم، وحظر القرار تشغيل الأحداث في العمل الليلي الذي يبدأ من الـ7 مساءً وحتى 7 صباحاً، وتشغيلهم أكثر من6 ساعات يومياً.
وأكد مدير الشؤون الاجتماعية في حلب أن القرار أوجب على مفتشي العمل بذل عناية خاصة بالتحقيق في الشكاوى المتعلقة بعمل الأحداث التي يتقدم بها الأحداث أنفسهم أو أولياؤهم أو الأوصياء عليهم، وعليهم أيضاً اتخاذ إجراءات معالجة هذه الشكاوى بشكل عاجل.
وعن دور الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية قال محمد عبدو رئيس دائرة الخدمات ومشرف عمل الجمعيات الخيرية بحلب إن هناك نحو 45 جمعية خيرية مرخصة بحلب تقوم بالعمل الإغاثي وإقامة دورات تأهيلية للشباب الراغب بتعلم مهن تؤهله للدخول في سوق العمل، لكن لا يوجد لديها نشاط في إتاحة فرص عمل للشباب وإنما يقتصر دورها في تعليم الحرف، مشيراً إلى أن ظروف الحرب حالت دون عمل تلك الجمعيات رغم أن بعضها يحاول توحيد الجهود لمساعدة الشباب.