تسلسل زمني.. رحلة المنطاد الصيني تثير توترات بين بكين وواشنطن
بصاروخ واحد أطلقته طائرة مقاتلة من طراز إف-22 أنهت الولايات المتحدة رحلة الأيام القليلة المعدودة للمنطاد الصيني، والذي أثار الكثير من الجدل والتكهنات وأعاد إلى الواجهة مصطلح حروب النجوم وحروب الفضاء.
تلك الرحلة التي استمرت أياما معدودة انتهت كما بدأت بالكثير من الجدل والتراشق، فكيف بدأت وكيف انتهت؟
بداية الرحلة
دخل المنطاد المجال الجوي الأمريكي أول مرة في 28 يناير/كانون الثاني فوق ألاسكا، قبل أن يدخل كندا في 30 من الشهر نفسه ثم يعود إلى المجال الجوي الأمريكي على مستوى إيداهو (شمال غرب) في 31 يناير/كانون الثاني أي الثلاثاء، ليستمر في التحليق داخل الأجواء الأمريكية حتى ظهر السبت، قبل أن يصدر أمر رئاسي بإنهاء رحلته.
ويوم الخميس، أعلن البنتاغون أنّه يتعقّب تحرّكات منطاد تجسّس صيني يحلّق على ارتفاع شاهق فوق الولايات المتحدة، ويشمل ذلك مناطق تضمّ مواقع عسكرية حسّاسة.
وبناء على طلب بايدن، بحث البنتاغون في إمكان إسقاط المنطاد، لكنّه قرّر في نهاية المطاف عدم فعل ذلك بسبب المخاطر التي يشكّلها تساقط الحطام على الناس، بحسب مسؤول دفاعي كبير.
وأضاف المسؤول، في تصريحات بثت يوم الخميس الماضي: "نتخذ خطوات لحماية أنفسنا في مواجهة عملية جمع معلومات حساسة"، مشددا على "القيمة المحدودة للمنطاد لناحية جمع معلومات استخبارية".
وتابع "اعتبرنا أنّ المنطاد كبير بما يكفي ليتسبب الحطام بأضرار" إذا أسقِط في منطقة مأهولة.
رحلة كندا
ومن أمريكا إلى أوتاوا، أعلنت الحكومة الكندية يوم الجمعة الماضية أنّها تحقّق في "واقعة محتملة" من هذا القبيل.
من جهتها، أكدت وزارة الدفاع الكندية أنّ "الكنديين في أمان وكندا تتّخذ التدابير لضمان أمن مجالها الجوي بما يشمل تتبّع حادث ثان محتمل".
ولم تذكر كندا الصين، وأضافت الوزارة "وكالات الاستخبارات الكندية تعمل مع شركائها الأمريكيين وتواصل اتخاذ كلّ التدابير اللازمة لحماية كندا من تهديدات تجسّس أجنبي".
وبعد رحلته في الأجواء الكندية حط المنطاد مرة أخرى في الأجواء الأمريكية، بحسب المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأمريكية للصحفيين الذي قال إنّ "المنطاد يتّجه شرقاً وموجود حالياً فوق وسط الولايات المتحدة".
وأكّد أنّ المنطاد حلّق على ارتفاع 18 ألف متر فوق مستوى سطح البحر، متوقعا أن يبقى فوق الأراضي الأمريكية "بضعة أيام" إضافية.
وجدّد المتحدّث القول إنّ المنطاد يحلّق أعلى من مستوى الحركة الجوية التجارية، ولا يشكّل "أيّ تهديد عسكري أو جسدي لمن هم على الأرض"، لكنّه رفض تحديد ما إذا كانت الرياح هي التي تدفع المنطاد أم يتمّ التحكّم بحركاته.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي، يوم السبت "واضح أنّ القصد من هذا المنطاد هو المراقبة، ومساره الحالي يقوده فوق عدد من المواقع الحساسة"، خصوصا قواعد جوية ومخازن صواريخ استراتيجية في ولاية مونتانا في شمال غرب الولايات المتحدة.
وأشار المسؤول إلى أن المنطاد دخل المجال الجوي الأمريكي "قبل أيام عدة"، مضيفا أن الاستخبارات الأمريكية كانت تتعقبه قبل ذلك بفترة طويلة وأن هذه ليست أول مرة يرصد الجيش الأمريكي خرقا مماثلا، لكن هذه المرة بقي المنطاد في المجال الجوي للولايات المتحدة فترة أطول.
وعند إبلاغه بالأمر طلب بايدن على الفور من وزير دفاعه لويد أوستن الذي كان في الفلبين، الأربعاء، أن يقدّم له خيارات، ثم أجرى الأخير مناقشات مع قادة الجيش في البنتاغون.
وطبقاً للمسؤول نفسه، اقتربت طائرات مقاتلة من المنطاد فوق مونتانا.
واقعة خطيرة
ويوم الخميس، أثارت واشنطن القضية مع السلطات الصينية، بحسب مسؤول أمريكي، قال "أبلغناهم بخطورة الواقعة، أوضحنا لهم أننا سنفعل كل ما هو ضروري لحماية شعبنا على أراضينا".
واستنكر رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي مساء الخميس "العمل المزعزع للاستقرار" الذي تقوم به الصين، و"يتجاهل بلا خجل سيادة الولايات المتحدة"، داعيا بايدن إلى "عدم التزام الصمت"، مطالبا الإدارة بإبلاغ أعضاء الكونغرس بتفاصيل ما يحصل.
وفي بيان مشترك قال البرلماني الجمهوري مايك غالاغر وزميله الديمقراطي وراجا كريشنامورثي اللذان يرأسان لجنة برلمانية حول الصين، إنّ "هذا الانتهاك للسيادة الأمريكية قبل أيام فقط من زيارة وزير الخارجية بلينكن للصين يُظهر أنّ الدلائل الأخيرة على الانفتاح" من جانب بكين "لا تعكس تغييراً حقيقياً في السياسة" الصينية.
قالت الخارجية الصينية في بيان تعليقا على أول منطاد جرى رصده إنّ "المنطاد (مصدره) من الصين، إنّه منطاد مدني يُستخدم لأغراض البحث، وبالدرجة الأولى لأبحاث الأرصاد الجوية".
ويوم الجمعة، أعلن البنتاغون أنّ منطاد تجسّس صينيا ثانيا يُحلّق فوق أمريكا اللاتينيّة، بعد رصد منطاد أوّل في أجواء الولايات المتحدة في اليوم السابق.
وقال المتحدّث باسم البنتاغون بات رايدر في بيان "نحن على علم بتقارير عن منطاد يحلّق فوق أمريكا اللاتينيّة، نعتبر أنّ الأمر يتعلّق بمنطاد تجسّس صيني آخَر"، من دون أن يحدّد موقعه بدقّة.
إرجاء زيارة بلينكن
وتسبب حادث المنطاد في إرجاء وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الجمعة زيارة لبكين، بعدما رصدت الولايات المتحدة في أجوائها المنطاد الصيني الأوّل الذي تشتبه في أنّ أغراضه تجسّسية، وهو اتّهام نفته بكين مبديةً "أسفها" لهذه الحادثة "غير المقصودة".
وأتى قرار الإرجاء بُعيد إعراب بكين عن "أسفها" لانتهاك منطادها المجال الجوّي الأمريكي، فيما اعتبرت بكين السبت أنّ وسائل الإعلام والسياسيّين في الولايات المتحدة يستغلّون المزاعم الأمريكيّة حول إطلاق منطاد تجسّس صيني فوق الأراضي الأمريكيّة.
وفي اتّصال مع نظيره الصيني وانغ يي قال بلينكن إنّه "أخذ علماً بمشاعر الأسف التي أعربت عنها الصين، لكنّه أشار إلى أنّ هذا عمل غير مسؤول، وانتهاك واضح لسيادة الولايات المتحدة والقانون الدولي، يقوّض الغرض من الرحلة"، وفق الخارجيّة الأمريكيّة.
وشدّد على أنّ الولايات المتحدة تأمل في "إبقاء قنوات الاتّصال مفتوحة" مع بكين، مشيرًا إلى أنّه قد يتمكّن من زيارة بكين مجدّدًا "حين تسنح الظروف".
وكانت جولة بلينكن ستشكّل الزيارة الأولى لوزير خارجيّة أمريكي إلى الصين منذ 2018. وكان هدفها تخفيف التوتّر بين الولايات المتحدة والعملاق الآسيوي الذي تعتبره واشنطن منافسها الرئيسي في العالم.
وفي بيان صدر بعد إرجاء بلينكن زيارةً مقرّرة لبكين، قالت الخارجية الصينية إنّ "بعض السياسيّين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة استخدموا الحادثة ذريعةً لمهاجمة الصين وتشويه صورتها".
وكانت الصين أصدرت في وقتٍ سابق بيانا ألقت فيه اللوم على الرياح في دفع ما وصفته بأنّه منطاد مدنيّ إلى المجال الجوّي الأمريكي.
والسبت، شدّدت وزارة الخارجيّة الصينيّة على أنّ "الصين لم تنتهك أبدا أراضي ومجال أيّ دولة ذات سيادة". وأضافت أنّ "بعض السياسيّين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة استخدموا حادثة (المنطاد) ذريعةً لمهاجمة الصين وتشويه صورتها".
الصين تبرر
وفي بيانها، قالت الخارجية الصينية إنّ المنطاد الأول خرج عن مساره المحدّد بسبب تيار هوائي.
وأوضح البيان "بسبب تيار الرياح الغربية وفي ظلّ قدرته المحدودة على التوجيه الذاتي، انحرف المنطاد بعيداً من المسار المحدّد له".
وشدّدت الخارجية الصينية على أنّ "الجانب الصيني سيواصل التواصل مع الجانب الأمريكي والتعامل بشكل مناسب مع هذا الوضع غير المتوقّع والناجم من قوة قاهرة".
متى أصدرت أمريكا أمر إسقاطه؟
يوم السبت، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه أصدر أمرا يوم الأربعاء بإسقاط المنطاد لكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أوصت بالانتظار حتى يمكن القيام بذلك في منطقة مفتوحة فوق المياه لحماية المدنيين من سقوط أي بقايا من المنطاد على الأرض.
وفيما قال بايدن "لقد نجحوا في إسقاطه وأريد أن أثني على طيارينا الذين فعلوا ذلك"، أكد مسؤول عسكري أمريكي كبير أن عدة طائرات مقاتلة وطائرات إعادة التزود بالوقود شاركت في المهمة، لكن طائرة واحدة مقاتلة من طراز إف-22، نفذت المهمة بصاروخ واحد من طراز إيه.آي.إم-9إكس.
جاء إسقاط المنطاد بعد فترة وجيزة من أمر الحكومة الأمريكية بوقف الرحلات الجوية من وإلى ثلاثة مطارات في ساوث كارولاينا، هي ولمنجتون وميرتل بيتش وتشارلستون، بسبب "جهود تتعلق بالأمن القومي" لم تكشف عنها، وجرى استئناف الرحلات لاحقا.
وكانت واشنطن قد وصفت تحليق المنطاد بأنه "انتهاك واضح" للسيادة الأمريكية، فيما قال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية بعد إسقاط المنطاد، إن الحكومة الأمريكية تحدثت مباشرة مع الصين بشأن هذا الإجراء. وقال المسؤول إن وزارة الخارجية أبلغت الحلفاء والشركاء في جميع أنحاء العالم.
وما زالت هناك تساؤلات بشأن حجم المعلومات التي ربما جمعتها الصين خلال رحلة المنطاد عبر الولايات المتحدة.
كيف رأت الصين قرار أمريكا؟
أدانت الصين بشدة الهجوم العسكري على منطاد تقول إنه كان يتم استخدامه في مجال الأرصاد الجوية وأغراض علمية أخرى وقالت إنه ضل طريقه إلى المجال الجوي الأمريكي "بطريق الخطأ تماما"، وهي ادعاءات رفضها المسؤولون الأمريكيون بشكل قاطع.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان "طلبت الصين بشكل واضح من الولايات المتحدة التعامل مع هذا الأمر بشكل مناسب وبهدوء ومهنية وضبط النفس. وقد أصرت الولايات المتحدة على استخدام القوة ومن الواضح أنها بالغت في رد الفعل".
كيف رأى خبراء الحادث؟
خبراء أمنيون قالوا إن تحليق ما يشتبه بأنه منطاد مراقبة صيني فوق الولايات المتحدة يمثل تكتيك تجسس أكثر جرأة، وإن كان محيرا، من الاعتماد على الأقمار الصناعية وسرقة الأسرار الصناعية والدفاعية.
وتستخدم كل من الولايات المتحدة والصين على مدى عشرات السنين أقمارا صناعية للمراقبة لمتابعة الدولة الأخرى من الجو، لكن المناطيد التي أطلقتها الصين في الآونة الأخيرة، التي قال مسؤول في البيت الأبيض إن حادثة الأسبوع الماضي لم تكن الأولى، جعلت البعض في واشنطن في حيرة.
وقال جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق بالبيت الأبيض "بطريقة ما فإنه أمر غير احترافي بشكل أكبر (..) هل الكاميرات في أقمارهم الصناعية ليست ذات دقة عالية بما يكفي لإرسال منطاد؟".
تأتي الضجة حول المنطاد في الوقت الذي تعمل فيه الصين على بناء قدراتها العسكرية وتتحدى الوجود العسكري الأمريكي في المحيط الهادئ، وتعتقد الولايات المتحدة أيضا أن بكين تسعى بشكل روتيني للحصول على معلومات من الشركات الأمريكية.
وقال دين تشينغ، كبير مستشاري برنامج الصين في المعهد الأمريكي للسلام، إن المنطاد الذي تم اكتشافه الأسبوع الماضي كان استفزازيا بشكل متعمد على ما يبدو.
وقال إن "هذه طريقة لاختبار رد فعل الطرف الآخر، ليس بالمعنى العسكري، ولكن من الناحية السياسية، ماذا تفعل حيال ذلك؟ هل تحافظ على الهدوء؟ وإذا كان قد تم إطلاق الكثير في الواقع وهذه ليست أول مرة، فهذا يطرح حينئذ سؤالا مثيرا للاهتمام. ماذا حدث للمناطيد؟ هل قمنا بإسقاطها؟".
وقال مايك راوندز، العضو الجمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي لشبكة فوكس نيوز، إنه سيكون من الجيد استعادة المنطاد لمعرفة "ما إذا كان مصمما لجمع البيانات بالفعل أو ما إذا كان مصمما لاختبار قدراتنا على الرد".
aXA6IDMuMTM5LjY3LjIyOCA= جزيرة ام اند امز