الصين تعزز ترسانتها.. هل العالم على أعتاب عصر نووي جديد؟
قبل نحو عام، كشفت صور الأقمار الصناعية عن بناء الصين 120 صومعة صواريخ باليستية عابرة للقارات على أطراف صحراء جوبي.
ولاحقا، وتحديدا بعد أسابيع قليلة، جرى الكشف عن أن 10 صوامع أخرى قيد الإنشاء بمدينة هامي في مقاطعة شينجيانغ، في مواقع رأت فيها مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، جنبا إلى جنب مع توسعات أخرى مخطط لها، تحولا جذريا في نهج البلاد تجاه الأسلحة النووية.
وعلى مدار عقود، حافظت الصين على قوة نووية صغيرة نسبيا، لكن بحسب تقديرات استخباراتية أمريكية حالية، فإن تلك الترسانة في طريقها الآن لأن تبلغ نحو أربعة أمثالها بحلول 2030، وهو رقم يضع بكين فوق أي قوة نووية أخرى باستثناء الولايات المتحدة وروسيا.
ولا يبدو أن الصين ستتوقف عن هذا الحد، بحسب "فورين أفيرز"، بالنظر إلى التزام الرئيس شي جين بينغ ببناء جيش "عالمي" بحلول عام 2049 ورفضه الدخول في محادثات الحد من التسلح.
ثلاثة أقطاب
وتصعب المبالغة في أهمية تلك الجهود؛ حيث تعمل بكين على تطوير ترسانة نووية ستنافس قريبا ترسانتي واشنطن وموسكو، ولا تبعد الصين فحسب عن وضعها منذ عقود كدولة نووية صغيرة، بل أيضًا تقلب نظام القوة النووية ثنائي القطب.
وعلى مدار 73 عاما منذ أول تجربة نووية للاتحاد السوفيتي، تجنب هذا النظام ثنائي القطب، رغم كل عيوبه ولحظات الرعب، حربا نووية.
ورأت "فورين أفيرز" أنه باقتراب الصين الآن من التكافؤ مع قوتين نوويتين عظميين، فإنها تنذر بتحول جذري لشيء أقل استقرارا يتمثل في نظام نووي ثلاثي الأقطاب.
وفي ذلك العالم سيكون، بحسب المجلة الأمريكية، هناك خطر أكبر لوقوع سباق تسلح نووي وحوافز متزايدة للجوء الدول إلى الأسلحة النووية في أي أزمة.
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أنه لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة فعله لمنع الصين من الانضمام إليها وروسيا كقوى نووية كبرى في العالم، لكن هناك أشياء يمكن لمخططي الدفاع والاستراتيجيات بالولايات المتحدة فعلها لتخفيف العواقب.
تحديث الردع
وبداية، ستحتاج واشنطن لتحديث ردعها النووي، كما ستحتاج للانخراط في طرق تفكير جديدة بشأن توازن القوة النووية وكيف يمكنها، في بيئة استراتيجية أكثر تعقيدا، الاحتفاظ بالردع والحفاظ على السلام النووي.
وخلال الحرب الباردة، تمكن كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة من تركيز استراتيجياتهما النووية بالكامل تقريبا على الآخر؛ حيث بنت القوتان ترسانات نووية تتخطى 20 ألف سلاح لكل منهما، مما سمح لهما بتخفيض ترسانات الدولة النووية الصغيرة – الصين، وفرنسا، وإسرائيل، والمملكة المتحدة، والتي لم تتجاوز مخزوناتها المئات.
وبعد الحرب الباردة، شعرت موسكو وواشنطن بالارتياح للاتفاق على تقليص قواتهما الاستراتيجية المنتشرة إلى 1550 سلاحا نوويا، مع مواصلة الاحتفاظ بأفضلية كبيرة على أي دولة أخرى مسلحة نوويا.
وبالرغم من أن النظام ثنائي القطب لم ينه خطر حدوث حرب نووية، إلا أنه نجح في تجنب قيام المعركة في حد ذاتها، بحسب "فورين أفيرز"، لافتة إلى سمتين للنظام ثنائي الأطراف تتمثلان في التكافؤ والتدمير المتبادل المؤكد.
ومنذ بدء محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، عام 1969، أكدت موسكو وواشنطن على الحفاظ على التكافؤ، أو ترسانة أصغر حجما، باعتبارها وسيلة لتعزيز الردع واستقرار الأزمات.
وبينما واصلت الترسانة السوفيتية في الاتساع مع بداية الحرب الباردة، وتحديدا بعد تطوير الأسلحة النووية الحرارية، سعى الاستراتيجيون الأمريكيون لطرق جديدة لتعزيز الردع.
وكان العامل الأساسي في تلك الجهود هو مفهوم الجهد المؤكد، الذي بموجبه احتاجت الترسانة الأمريكية لأن تكون قادرة على استيعاب ضربة سوفيتية أولى مفاجئة، وأن تظل قادرة على شن هجوم انتقامي مدمر، أو ضربة ثانية، هجوم يمكنه تدمير الاتحاد السوفيتي كمجتمع عامل.
ولاحقا، ابتكر الاستراتيجيون مصطلح "التدمير المتبادل المؤكد" لوصف الموقف الذي يمتلك فيه كلا الخصمين هذه القدرة.
ووصف الفيزيائي روبرت أوبنهايمر، الذي قاد تطوير القنبلة الذرية، هذه المواجهة الكارثية بحالة عقربين محاصرين داخل زجاجة، كل منهما قادر على قتل الآخر، لكن فقط في حالة وجود خطر داهم من أجل بقائه.
اتجاه مختلف
لكن سيخل حصول الصين على وضع دولة نووية عظمى بشكل كبير بهذا التوازن الدقيق. وحتى وقت قريب، بدت الحكومة الصينية راضية بقوة "ردع دنيا" من مئات الأسلحة فقط، لكنها الآن تتحرك باتجاه مختلف تماما؛ حيث طورت صواريخ باليستية عابرة للقارات جديدة قادرة على التسلح بما يصل إلى عشرة رؤوس نووية.
وطبقًا لـ"فورين أفيرز"، سيمكن هذا المزيج من الصوامع والصواريخ الجيش الصيني من توسيع ترسانته البرية أكثر، إلى ما يصل إلى 3 آلاف سلاح، من خلال ملء صوامعه ببساطة بتلك الصواريخ.
كما تعمل الصين على تحديث قوتها الصاروخية الباليستية التي تطلق من الغواصات وأسطولها من القاذفات طويلة المدى بهدف إنشاء ثالوث من نظم الإيصال النووية – برية، وبحرية، وجوية – وهي قدرة تمتلكها حتى الآن روسيا والولايات المتحدة فقط.
ورأت "فورين أفيرز" أن تناول الاستراتيجية النووية في نظام نووي ثلاثي الأقطاب يعيد إلى الأذهان التحديات المرتبطة بما يسمى مشكلة الثلاثة أجسام في الفيزياء الفلكية.
وتتمثل هذه المشكلة في محاولة التنبؤ بحركة ثلاثة أجرام سماوية بناء على مواقعها الأولية وسرعتها. وفي نظام مكون من جرمين سماويين، يمكن إجراء هذا التنبؤ بسهولة، لكن عندما يكون هناك ثلاثة، لم يتم تحديد حل عام حتى الآن (إلا عندما يكون لجسم واحد على الأقل جاذبية ضئيلة جدًا مقارنةً بالاثنين الآخرين).
وبحسب المصدر نفسه، لا يكمن المغزى في أن حربا نووية في تنافس ثلاثي الأقطاب بين الصين وروسيا والولايات المتحدة أمر حتمي، ولكن أن الحفاظ على الاستقرار في أوضاع الأزمة يرجح أن يكون أكثر صعوبة مما عليه الآن.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه بينما تسعى الصين وراء طموحاتها النووية، قد تحفز دول طامحة أخرى للسعي للحصول على ترسانات أكبر على سبيل المثال، في مواجهة برنامج نووي صيني أكبر، مثل الهند، منافستها، لزيادة قواتها النووية بشكل كبير، مما قد يدفع باكستان لأن تحذو حذوها.
ومع وجود قدر أقل من اليقين بشأن الردع الموسع، قد يفعل حلفاء الولايات المتحدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، الأمر نفسه. وستزيد تلك التطورات من صعوبة تحقيق الاستقرار.
ومع ظهور النظام النووي ثلاثي الأقطاب، سيتمثل التحدي الأساسي في كيفية منع مزيد من الدول من تعزيز ترساناتها.