على الرغم من أن اتفاق عام 1997 الذي أبرمته بريطانيا مع الصين بشأن المستعمرة البريطانية هونغ كونغ على أساس «دولة واحدة بنظامين»
على الرغم من أن اتفاق عام 1997 الذي أبرمته بريطانيا مع الصين بشأن المستعمرة البريطانية هونغ كونغ على أساس «دولة واحدة بنظامين»، يُلزِم الصين بعدم تغيير الوضع الخاص الذي اكتسبته هونغ كونغ كمركز مالي وتجاري رأسمالي عالمي لمدة 50 عاماً، أي حتى عام 2047 (وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة ماكاو ذات المساحة البالغة 30.5 كم التي تبعد عن هونغ كونغ 60 كيلومتراً مربعاً والتي كانت البرتغال التي استعمرت ماكاو في منتصف القرن السادس عشر، قد وقعت مع الصين في 20 ديسمبر/كانون الأول 1999، اتفاقية شبيهة باتفاقية بريطانيا والصين بشأن هونغ كونغ)، إلا أن بعض مقدمات الدمج قد بدأت تظهر ومنها تشييد جسر يمتد فوق خور نهر اللؤلؤ ليربط هونغ كونغ ب «زوهاي» ومكاو يتوقع الانتهاء منه في عام 2018، ليشكل هذا الإقليم الجنوبي قوة اقتصادية جديدة صاعدة تستوعب حوالي ثلث سكان الصين وتنتج ثلث إجمالي ناتجها المحلي.
بحسب صندوق النقد الدولي فإن الصين تفوقت في عام 2014، ولأول مرة، على الولايات المتحدة في إجمالي الناتج المحلي بمقياس «مُعادِل القوة الشرائية»، وهو مؤشر يستخدم على نطاق واسع لأنه يعبر عن قياس القيمة الفعلية لإجمالي الناتج المحلي محسوباً بالعملة المحلية. حيث بلغت قيمة ناتجها المحلي الإجمالي 17.63 تريليون دولار مقابل 17.42 تريليون للولايات المتحدة. وبهذا المعنى فإنه وبحسب صندوق النقد الدولي فإن الصين تضطلع حالياً بنسبة 16.5% من إجمالي الناتج العالمي بمقياس مُعادل القوة الشرائية مقارنة بحصة الولايات المتحدة البالغة نسبتها 16.3%.
الصين اليوم هي عنوان لكل الإعجاز التنموي الشامل الذي صنعته اليابان في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وكل المؤشرات القياسية لهذا الإعجاز تدلل على أن الصين في طريقها لأن تصبح قوة عظمى على غرار الولايات المتحدة. إنما السؤال متى سيُستبدل التوصيف الحالي والدارج للصين وهو «الدولة الصاعدة»، بتوصيف «القوة العظمى»؟
نحسب أن الصين نفسها، كنظام سياسي حاكم، لا ترغب إطلاقاً في تغيير توصيفها من دولة نامية إلى دولة متقدمة. فهي تفضل الانتماء إلى كتلة أكبر والى شعوب بلدان طالما تقاسمت معها الهموم والطموحات والنضالات في معارك عديدة داخل أروقة ومؤسسات المنظمات الدولية. فصوتها مسموع وقوي كأكبر ممثل لمصالح كتلة الدول النامية في المفاوضات المتعددة الأطراف الجارية في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ. وكذلك الحال بالنسبة لثقلها المحسوب على كتلة الدول النامية داخل أطر منظمة التجارة العالمية منذ انضمامها للمنظمة في 11 ديسمبر 2001.. وهكذا.
وهي سعيدة باستمرار الإعلام العالمي، خصوصا الإعلام الغربي المناوئ لها سياسياً، في احتسابها ونسبتها إلى مجموعة الدول النامية ذات الاقتصادات الصاعدة. ورغم خروجها من النطاق الضيق للممارسة السيادية الاعتيادية للدولة النامية، مع انطلاق شركاتها العملاقة في مجالات النفط والغاز وتكنولوجيا الطاقات النظيفة، نحو بلدان القارة الإفريقية وبلدان قارة أمريكا الجنوبية، بعد «غزوها» لبلدان القارة الآسيوية، ومزاحمتها للدول الغربية ومصالحها التقليدية في هذه البقاع، إلا أنها ترفض حتى الآن تصنيفها على أنها قوة عظمى عالمية، وذلك من أجل تفادي تسليط الأضواء على مسيرتها الهادئة للوصول إلى هذا المآل المحتم.
إن ما تقوم به الصين على الأرض، والذي امتد ليشمل ترسانتها العسكرية الضاربة، براً وبحراً وجواً، وبرامجها الفضائية المذهلة، والشروع اعتباراً من السنوات الثلاث الأخيرة خصوصا، في استعراض عضلاتها العسكرية في جنوب وشرق بحر الصين، يشي بأن طموحات الصين لم تعد تقتصر على التفوق الاقتصادي وإنما تستهدف في نهاية المطاف تتويج كل هذه الجهود التنموية الجبارة الشاملة بالتحول إلى قوة عظمى خارقة لا تجاريها أية قوة في العالم.
كل هذا معقول ولا يمكن لأحد الاعتراض عليه، اللهم الغرب الرأسمالي المهووس بغيرة الصعود التاريخي للصين. ولكننا بالمقابل نزعم أن الحكومة الصينية تخطئ بخططها الرامية إلى إلحاق هونغ كونغ بأقاليم صينية تقليدية لدواعٍ استراتيجية تثويرية للنمو الرأسي والأفقي. ذلك أن هونغ كونغ لم تعد صينية خالصة، وشعبها بات مختلفاً ثقافياً بصورة جذرية عن إخوانهم الصينيين في البر الصيني رغم الإقرار بأنهم صينيون أيضاً في الأصل. ولا تصح المقارنة هنا مع ألمانيا، فهذه نجحت في إعادة توحيدها لأن الاقتصاد في الشرق لم يسعفه الوقت الكافي لإنشاء ثقافة أخرى غير متجانسة مع الغرب الألماني. نقول ذلك كي لا يُعد دمج هونغ كونغ مع أقاليم صينية أقل حضارة وثقافةً، إلحاقاً قسرياً يولد في ما بعد سخطاً كامناً لمشاريع تمرد وفوضى يمكن أن تطيح بالطموحات الصينية المشروعة.
* نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة