قمة «شنغهاي».. غزة حاضرة وأوكرانيا غائبة ومسار لأقطاب متعددة

استضافت مدينة تيانجين الصينية قمة منظمة شنغهاي للتعاون، في أضخم اجتماع للمنظمة منذ تأسيسها، بحضور قادة من روسيا والهند ودول آسيا الوسطى، إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة وعدد من الدول الأفريقية والشرق أوسطية بصفة شركاء في الحوار.
القمة جاءت في توقيت بالغ الحساسية، حيث يشهد النظام الدولي حالة من الاضطراب العميق نتيجة الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوتر بين بكين وواشنطن، فضلاً عن العقوبات المفروضة على موسكو وصعود قوى إقليمية تسعى إلى دور أكبر في صياغة المستقبل.
توسيع الدور المؤسسي للمنظمة
وفي خطابه الافتتاحي، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تعزيز مكانة المنظمة باعتبارها منصة بديلة لإدارة التفاعلات الدولية، معلنا عن خطط لتأسيس بنك تنمية خاص بالمنظمة وإطلاق منصّة تعاون دولية في مجال الطاقة.
كما تعهّدت بكين بتقديم قروض ميسرة بقيمة 1.4 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، في خطوة رآها مراقبون محاولة لترسيخ نفوذ الصين الاقتصادي في فضاء المنظمة.
وأكد قادة المنظمة على ضرورة كسر هيمنة الأحادية القطبية التي سادت منذ نهاية الحرب الباردة، والدفع نحو نظام دولي أكثر عدلا وتوازنا، يقوم على احترام سيادة الدول وحقوقها في التنمية المستقلة، مع تعزيز دور الدول النامية في صنع القرار العالمي.
التعاون المالي والتقني
وأعلنت الصين عن إتاحة منظومة الملاحة الفضائية "بايدو" أمام دول المنظمة، كبديل عن النظام الأمريكي (GPS)، بما يعزز استقلالية هذه الدول في مجالات حساسة مثل الاتصالات والنقل والدفاع.
وأضاف شي أن الصين ستقدم ملياري يوان (280 مليون دولار) من المساعدات التي لا تنطوي على أعباء على الدول الأعضاء هذا العام و10 مليارات يوان أخرى من القروض لكونسورتيوم بنوك تابع لمنظمة شنغهاي للتعاون.
وتابع شي: "يجب أن نستفيد من السوق الضخمة... لتحسين مستوى تيسير التجارة والاستثمار"، وحث التكتل على تعزيز التعاون في مجالات تشمل الطاقة والبنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
رسائل متعددة الأبعاد: الموقف الهندي
ألقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خطابًا أكد فيه أن مستقبل المنظمة يجب أن يقوم على ثلاثة محاور أساسية: الأمن، والربط، والفرص.
ولفت إلى أن أي تعاون إقليمي لن يكون فاعلاً ما لم يُبنَ على الثقة المتبادلة وعدم السعي للهيمنة. كما شدّد على ضرورة رفض ازدواجية المعايير في مكافحة الإرهاب، معتبرًا أن هذه القضية لا تزال تمثل تهديدًا عابرًا للحدود يتطلب مقاربة جماعية عادلة.
الصين بين القيادة والتحديات
قدمت قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة صورة متجددة للصين، ليس فقط باعتبارها دولة مؤسسة، بل بوصفها قوة تسعى إلى قيادة المسار نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ومع ذلك، فإن هذا الطموح يواجه جملة من التحديات. فلا تزال فاعلية المنظمة على المستوى العملي موضع تساؤل، إذ يرى كثير من المراقبين أنها تعاني من بطء واضح في تحويل الخطابات والشعارات إلى سياسات ملموسة قابلة للتنفيذ.
وإلى جانب ذلك، تظل الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء، وعلى رأسها التوتر المستمر بين الصين والهند، سببا في إعاقة بلورة رؤية موحدة بشأن الملفات الأمنية والاقتصادية.
كما أن اتساع دور المنظمة يثير ريبة الغرب، الذي ينظر إليها باعتبارها محاولة لتقويض النظام الدولي القائم وإضعاف مؤسسات ما بعد الحرب الباردة.
أزمات دولية
جاءت القمة أيضًا على خلفية اضطرابات دولية متصاعدة. فقد كشفت الحرب في أوكرانيا هشاشة النظام الدولي القائم، ودَفعت العديد من الدول الأعضاء إلى البحث عن بدائل توفر لها قدرًا أكبر من الاستقلالية في إدارة شؤونها الاستراتيجية.
كذلك شكّل التوتر الأمريكي–الصيني خلفية مركزية للنقاشات، حيث تسعى بكين إلى بناء شبكة تحالفات تقلل من آثار الضغوط الغربية وتوفر لها هوامش أوسع للمناورة. وفي الوقت ذاته، يعكس بروز قوى إقليمية مثل الهند وإيران وتركيا تزايد الحاجة إلى أطر دولية جديدة تمنح هذه القوى موقعًا أكثر تأثيرًا في صياغة القرارات العالمية.
روسيا.. وحلول أزمة أوكرانيا
وفي كلمته خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون، قال بوتين إن الغرب حاول ضم أوكرانيا تحت مظلته ثم سعى إلى استدراج الجمهورية السوفياتية السابقة إلى حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.
وأضاف "لكي تكون التسوية الأوكرانية مستدامة وطويلة الأمد، يجب القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة، التي ذكرتها للتو والتي سبق وذكرتها مرارا".
وأردف بوتين "يجب أيضا استعادة توازن عادل في المجال الأمني"، في إشارة إلى سلسلة من المطالب الروسية بشأن الحلف والأمن في أوروبا.
وفي قمة ببوخارست عام 2008، اتفق قادة حلف شمال الأطلسي على أن أوكرانيا وجورجيا ستصبحان عضوين في الحلف يوما ما. وفي عام 2019، عدّلت أوكرانيا دستورها ملتزمة بمسار العضوية الكاملة في الحلف والاتحاد الأوروبي.
وذكرت وكالة رويترز في مايو/أيار أن شروط بوتين لإنهاء الحرب تشمل مطلبا بأن يتعهد القادة الغربيون كتابيا بوقف توسع حلف شمال الأطلسي شرقا ورفع جزء من العقوبات المفروضة على روسيا.
وقال بوتين إن التفاهمات التي تم التوصل لها خلال اجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أغسطس/آب الماضي تفتح الطريق لإيجاد حل للأزمة في أوكرانيا.
وأضاف: "في هذا الصدد، نقدر بشدة الجهود والمقترحات المقدمة من الصين والهند التي تهدف إلى تسهيل حل الأزمة الأوكرانية".
وتابع "أود أن أشير أيضا إلى أنني آمل أن تساهم التفاهمات التي تم التوصل لها في الاجتماع الروسي الأمريكي الأخير في ألاسكا في تحقيق هذا الهدف".
انتقاد أوكراني
من جانبها، انتقدت أوكرانيا إعلان قمة شنغهاي لعدم تطرقه إلى حرب روسيا في أوكرانيا،.
نشرت وزارة الخارجية الأوكرانية بيانا على موقعها على الإنترنت، الإثنين، وجهت فيه انتقادات لإعلان قمة منظمة شنغهاي للتعاون بسبب عدم تطرقه إلى الحرب التي تشنها روسيا في كييف.
وقالت الوزارة: «من المدهش أن أعنف حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية لم تُدرج في مثل هذه الوثيقة المهمة والأساسية».
غزة حاضرة
وفيما غابت أوكرانيا عن البيان الختامي، حضرت حرب غزة، وأعلنت منظمة شنغهاي للتعاون، عن «إدانتها بشدة الأعمال التي تُسفر عن سقوط ضحايا مدنيين وكوارث إنسانية" في قطاع غزة، ودعت إلى وقف شامل لإطلاق النار».
كما أدانت المنظمة "بشدة" الهجمات التي نفذتها إسرائيل في إيران في يونيو/حزيران»، وأكدت أن "الدول الأعضاء تعرب عن قلقها البالغ حيال تصاعد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وتدين بشدة الأعمال التي تتسبب بسقوط مدنيين وبكوارث إنسانية في غزة وتدعو إلى وقف إطلاق نار شامل ودائم و(إيصال) المساعدات الإنسانية من دون عراقيل».
نحو عالم متعدد الأقطاب
والرسالة الأساسية التي خرجت بها قمة تيانجين أن مرحلة "العالم أحادي القطب" تقترب من نهايتها. فقد أجمع قادة المنظمة على أن المستقبل يتجه نحو "عالم متعدد الأقطاب"، حيث تتقاسم القوى الإقليمية والدول النامية مع القوى الكبرى مسؤولية صياغة النظام العالمي.
وهو ما أكدته كلمة الرئيس الصيني، أمام أكثر من 20 من قادة العالم، مشيرا إلى أن «منظمة شنغهاي للتعاون وضعت نموذجا لنوع جديد من العلاقات الدولية».
وأضاف: «يتعين أن ندعو إلى تعددية أقطاب متكافئة ومنظمة في العالم والعولمة الاقتصادية الشاملة وتعزيز بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلا وإنصافا».
وأكد أن القمة أحيت "التعددية الحقيقية" مع تزايد استخدام العملات الوطنية في التسويات المتبادلة، وهذا بدوره يرسي الأساس السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبناء نظام جديد للاستقرار والأمن في أوراسيا".
وأوضح "هذا النظام الأمني، على عكس النماذج الأوروبية المركزية والأوروبية الأطلسية، سيراعي مصالح مجموعة واسعة من الدول بصدق، وسيكون متوازنا فعلا ولن يسمح لدولة واحدة بضمان أمنها على حساب الآخرين".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز