طائرة "يو-2" الأمريكية للتجسس بمواجهة المنطاد الصيني
عندما شوهد منطاد ذو ارتفاع عال صيني يشتبه في قيامه بالتجسس فوق الولايات المتحدة مؤخرا، ردت القوات الجوية الأمريكية بإرسال أداة تجسس عالية الارتفاع خاصة بها، وهي طائرة المراقبة "يو-2".
وبحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية إنها طائرة التجسس التي ترجع إلى حقبة الحرب الباردة التي التقطت الصور عالية الجودة -ناهيك عن الصورة السيلفي التي التقطها طيارها- التي يقال إنها أقنعت واشنطن بأن البالون الصيني كان يجمع معلومات استخباراتية وليس -كما تصر بكين- يدرس أنماط الطقس.
وبفعل ذلك، لعبت الطائرة دورا رئيسيا في حدث تسبب في تصاعد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، وسلط الضوء الدولي على الأساليب التي تستخدمها الحكومتان لمراقبة بعضهما البعض.
وحتى الآن، كان معظم التركيز الإعلامي منصبا على البالون، لا سيما كيف يمكن أن تظل مركبة ينظر إليها على أنها بقايا حقبة ماضية من التجسس مهمة في قواعد لعبة التجسس المعاصرة.
وأشارت "سي إن إن" إلى أن الطائرة "يو-2" تتمتع بتاريخ طويل وحافل عندما يتعلق الأمر بمعارك التجسس بين الولايات المتحدة والصين، وفي الستينيات والسبعينيات أسقط ما لا يقل عن خمسة منها أثناء مهمات مراقبة فوق الصين.
ولم يتم الإبلاغ عن تلك الخسائر على نطاق واسع جدا كما قد يكون متوقعا، ولسبب وجيه لم تقدم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي آيه)، التي كانت مسؤولة عن جميع طائرات "يو-2" الأمريكية في الوقت الذي أسقطت فيه الطائرات، تفسيرا رسميا عما تفعله هناك.
وما يزيد الغموض أن الطائرات لم يسيرها طيارون أمريكيون ولا تحلق تحت العلم الأمريكي، بل طيارين من تايوان، وفي تشابه صارخ مع قصة البالون اليوم ادعوا مشاركتهم في مبادرة بحثية متعلقة بالطقس.
وليس مستغربا تكتم وكالة الاستخبارات عما كانت تفعله طائرات التجسس الأمريكية الصنع. لكن التزام الوكالة للصمت لأكثر من 50 عاما بعدها، حيث لم ترد على طلب "سي إن إن" للتعليق على هذه القصة، يقول الكثير عن مدى حساسية المسألة حينها واليوم.
ولدى الحكومة الأمريكية قاعدة عامة مدتها 25 عاما لرفع السرية التلقائية عن المواد الحساسة، ومع ذلك فإن أحد الأسباب التي كثيرا ما تستشهد بها في تجاهلها لهذه القاعدة هو تلك الحالات التي قد يسبب الكشف عن المعلومات "ضررا بالغا للعلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة أجنبية، أو للأنشطة الدبلوماسية المستمرة للولايات المتحدة".
ولا تترك الروايات الحديثة عما كانت الطائرات تفعله -للطيارين التايوانيين وضباط سلاح الجو الأمريكي المتقاعدين والمؤرخين العسكريين من بينهم- مجالا للشك حول السبب في إثارة ذلك للضجة.
ونقلت الطائرات -حسب روايات الطيارين في فيلم وثائقي تايواني والتاريخ المنشور على المواقع الحكومية الأمريكية- إلى تايوان في إطار مهمة سرية للغاية للتجسس على القدرات العسكرية المتنامية للصين، بما في ذلك برنامجها النووي الوليد، الذي كان يتلقى المساعدة من الاتحاد السوفياتي.
وبدا أن الطائرة المطورة حديثا "يو-2" والملقبة بـ"دراغون ليدي" أو "السيدة التنين"، تمثل المركبة المثالية، وكانت الولايات المتحدة قد استخدمتها بالفعل للتجسس على البرنامج النووي المحلي التابع للاتحاد السوفياتي، إذ إن قدراتها عالية الارتفاعات، والتي تم تصميمها في الخمسينيات لبلوغ "ارتفاع غير مسبوق ومذهل يصل إلى 70 ألف قدم"، وفقا لتعبير مطورها شركة لوكهيد، جعلتها خارج نطاق الصواريخ المضادة للطائرات.
أو هكذا اعتقدت الولايات المتحدة. في عام 1960 أسقطت السوفيتيون طائرة "يو-2" سيرتها وكالة الاستخبارات المركزية وحاكموا طيارها غاري باورز.
وأجبرت الولايات المتحدة على التخلي عن القصة البديلة (بأن باورز كان في مهمة لاستطلاع الطقس وانحرف إلى المجال الجوي السوفياتي)، واعترفت ببرنامج طائرة التجسس، وقايضت إعادة باورز في تبادل للسجناء.
وكما الحال مع الطائرة "يو-2" بدت تايوان خيارا مثاليا للمهمة. وكانت الجزيرة ذاتية الحكم التي تقع شرق الصين على خلاف مع القيادة الشيوعية في بكين -كما تظل اليوم-، وفي ذلك الوقت من التاريخ ربطتها معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن.
وانقضت المعاهدة منذ فترة طويلة، لكن تظل تايوان نقطة توترات كبيرة بين الصين والولايات المتحدة. فيما لاتزال واشنطن ملتزمة بتزويد الجزيرة بسبل الدفاع عن نفسها.
واليوم تبيع الولايات المتحدة مقاتلات "إف-16" إلى تايوان في إطار هذا الالتزام، وفي الستينيات حصلت تايوان على طائرات "يو-2" الأمريكية.
وأنشأ جيش الجزيرة سربا يُعرف رسميًا باسم "قسم استطلاع وبحوث الطقس"، لكن كان يعرف بين أعضائه -طيارين من تايوان تدربوا في الولايات المتحدة على تسيير طائرات "يو-2"- باسم مختلف هو "بلاك كاتس" أو "القطط السوداء".
وقال غاري باورز ابن الطيار الذي أسقط السوفيت طائرته والمؤسس المشارك لمتحف الحرب الباردة في العاصمة واشنطن خلال الفيلم الوثائق الصادر في 2018، إن برنامج القطط السوداء تم تطبيقه لأن الولايات المتحدة كانت بحاجة لإيجاد معلومات عن البر الرئيسي الصيني، نقاط قوتهم وضعفهم، وأين تقع المنشآت العسكرية الخاصة بهم، وقواعد الغواصات، ونوع الطيارات التي كانوا يطورونها.
وبحسب التاريخ على موقع وزارة الدفاع التايوانية، سير "بلاك كاتس" بين يناير/كانون الثاني عام 1962 ومايو/أيار عام 1974، 220 مهمة استطلاع تغطي "أكثر من 10 مليون كيلومتر فوق 30 مقاطعة في البر الرئيسي الصيني".
وفي السنوات التالية، اكتشف جيش التحرير الشعبي الصيني كيفية التصدي لمهام الطائرات "يو-2، حيث علمت الصين من خلال أنظمة الرادار أين تذهب تلك الرحلات، وأهدافها، وبدأت بناء مواقع للصواريخ لكن كانوا ينقلونها.
لكن تواصل طائرات "يو-2" الأمريكية المشاركة فيما قد يوصف بأنشطة "القط والفار"، وتواصل إثارة القلق بين الحين والآخر في الصين.
وفي 2020، اتهمت بكين الولايات المتحدة بإرسال طائرة "يو-2" إلى منطقة حظر طيران من أجل "انتهاك" تدريبات إطلاق النار الحي التي كانت تجريها الصين.
aXA6IDE4LjExNy4xMDUuMjE1IA== جزيرة ام اند امز