تحركات أمريكية تلهب مضيق تايوان.. "لا تختبر صبر التنين"
قالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي فى مقال مطول دافعت فيه عن زيارتها لتايوان الشهر الماضي، إن تلك الزيارة هدفت إلى تأكيد الدعم الأمريكي تجاه الجزيرة، لكن الواقع كان له دلالات أخرى.
الولايات المتحدة بدلا من أن تعكس الزيارة قوتها الداعمة عكست ضعفها وقلة حيلتها، حسب محللين، فلا أمكنها وقف التنين الصيني عن الثأر للزيارة، ولا أمكنها أن تمحي آثار مناوراته التي أعادت ترتيب الوضع في المكان وأحدثت تغييرات جيواستراتيجية في منطقة المضيق.
وكل ما صدر من السلطة التنفيذية في واشنطن كانت بيانات شجب وإدانة وإعلانا عن محادثات لتعزيز العلاقات التجارية مع الجزيرة.
وأخيرا تحركات سفينتين حربيتين تابعتين للبحرية الأمريكية عبرتا، يوم الإثنين، المياه الدولية في مضيق تايوان، وكان أعلن عن عبورهما المزمع قبل نحو أسبوع.
إجراءات لحفظ ماء الوجه
ما يبدو للمتابعين هو أن كل تلك الإجراءات الأمريكية هي لحفظ ماء الوجه أمام تايوان التي لطالما تعهدت أمريكا بالوقوف معها أمام بكين، لكن هذه المرة لا يبدو وقوف أمريكا بالمعدل الذي ترغب فيه تايبيه.
وقالت وزارة الدفاع التايوانية، السبت، إنها رصدت 21 طائرة وخمس سفن صينية تعمل حول تايوان.
كانت هذه التحركات الصينية هي غيض من فيض، إذ أجرت الصين عدة جولات من المناورات والتدريبات العسكرية خلال الشهر الماضي، في أعقاب زيارة بيلوسي، ألغت بها فعليا الحدود التي كانت محفوظة ضمنا للجزيرة.
وفي وقت سابق، قالت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" الصينية، إنه: "يبدو أن زيارة بيلوسي قد سهلت المهمة على بكين لتخطو خطوة إضافية باتجاه ضم جزيرة تايوان إلى الوطن الأم"، كما تتعهد مرارا.
ومع وصول وفود أمريكية من السلطة التشريعية إلى تايوان بشكل متتالي، يزيد الوضع إرباكا لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي ينظر له فعليا على أنه المحرض على استمرار هذه الزيارات، وهو ما يزيد الوضع العام في علاقات الجانبين سوءا.
وفي حين تعول تايبيه على واشنطن بشكل كامل في دفاعها أمام الجزيرة الأم، إلا أن الولايات المتحدة قد لا يبدو أن دعمها للجزيرة مطلق.
فبايدن الذي صرح في مايو/أيار الماضي بأن بلاده ستدافع "عسكريا" عن تايوان في حال أقبلت الصين على ضمها بالقوة، قد صحح البيت الأبيض تصريحاته في اليوم التالي، وقال إن سياسة البلاد لم تتغير وهي "عدم التدخل" الاستراتيجي والاكتفاء فقط بتسليح تايوان لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها.
هل تندلع حرب؟
ولماذا قد تدخل الولايات المتحدة في حرب "لتحرير تايوان" وتخسر نصف ترسانتها الجوية على أقل تقدير، بحسب محاكاة أجراها مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية ومقره واشنطن، لمواجهة عسكرية بين الجيشين الأمريكي والصيني حول تايوان.
كما أن إدارة بايدن لديها أسباب كثيرة للتهدئة مع الصين، فتايوان هي ملف واحد من عدة ملفات تحتويها العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
هناك أيضا كوريا الشمالية والنفوذ الصيني في تهدئة بيونج يانج أو إثارة غضبها، كما أن هناك قضية هونج كونج، فضلا عن التنافس الاقتصادي العالمي، ومنطقة بحر الصين الجنوبي الغنية وما يتعلق بها من تنافس إقليمي.
من ناحية أخرى، فإن المصالح التجارية والتكنولودية والاقتصادية تتطلب التعاون بين البلدين، فتسهيل التجارة مع الصين قد يفيد السوق الأمريكي فى خفض التضخم، بحسب تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، التي أوصت بإلغاء التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على البضائع الصينية.
كما أن تنافس البلدين في الحصول على أشباه الموصلات اللازمة في الصناعات التكنولوجية، والتي تنتجها جزيرة تايوان بكثافة، تقتضي منهم التعاون وليس الحرب والدمار. ومن المعروف أيضا أن الصين تحوز على ثاني أكبر نسبة من السندات الأمريكية، وفي حال المواجهة العسكرية حول تايوان قد تبيع بكين هذه السندات فتلحق ضربة مؤلمة قد لا يمكن إصلاحها أبدا بسعر ومكانة الدولار في السوق العالمي.
وأخيرا، قد لا يكون المزاج العام في الولايات المتحدة جاهزا للدخول في مواجهة حادة مع الصين، فيما ينخرط بالفعل في معركة مفتوحة مع روسيا في أوكرانيا، وسط أفق غير مستقر على الإطلاق وتحذيرات من انفلات مسار الصراع.
فالصين ليست روسيا، وتايوان ليست أوكرانيا.. ومن ثم فإن التهدئة مع الصين، وعدم إثارتها أو استفزازها هو الآن من مقتضيات الأمن القومى الأمريكي، فخيارات واشنطن محدودة بشأن الصين وتايوان، وأمام كل التصعيد الصيني الحالي لا تملك الولايات المتحدة إلا التصرف بهدوء وتعقل.. وفقط لحفظ ماء الوجه.
aXA6IDE4LjExOC4zNy44NSA= جزيرة ام اند امز