الصين عند الرحالة العرب.. حضور باق عبر الزمن
حضرت الصين بقوة في أدب الترحال العربي، حيث ذُكرت في مختلف المعاجم العربية التي وثقت عادات الشعوب والأمم في شتى البلاد المختلفة.
لعب الترحال منذ عدة قرون وحتى الآن دوراً كبيراً في اكتشاف الآخر والتعرف عليه، وهدم الحواجز بين الثقافات المتباينة، ليقربنا أكثر من التجارب الإنسانية ويعلمنا من خبرات الشعوب الأخرى.
ولتحقيق ذلك شد رحالة العرب رحالهم وقصدوا وجهات تبعد مسافة سير شهور وسنوات بهدف التعرف على أماكن وشعوب وثقافات وتراث مختلفة عما ألفوه، كما عملوا على تدوين مشاهداتهم وجمعها في كتب حفظت ما جمعوه من معلومات عن شتى بقاع الأرض، مثل الصين.
حضرت الصين بقوة في أدب الترحال العربي، حيث وصف الرحالة العرب تفاصيل الحياة في الصين من أصغرها لأكبرها منبهرين باختلاف هذه الأمة عن ما شهدوه سابقاً، فاعتبروها إقليماً متفرداً بحد ذاته، منهم أبو ياقوت الحموي في (معجم البلدان) والبغدادي في (تاريخ بغداد) ليكون الإقليم السابع بعد إقليم الهند والحجاز وبابل ومصر والروم والترك، أما الإمام النووي فقد نوه لذلك في مؤلفه (تهذيب الأسماء واللغات) حيث قال: ”الصين إقليم عظيم معروف بالمشرق، يشتمل على مدن كثيرة“.
كما وصفوا معالم الصين الجغرافية بدقة بداية من الطريق إليها حتى معالمها الداخلية. حيث يذكر ليعقوبي في القرن التاسع عشر، الذي كتب يقول إن: «الصين بلد شاسع، يمكن الوصول إليه من خلال عبور سبعة بحار. وكل بحر من هذه البحار له لونه ورياحه وأسماكه ونسيمه الذي لا يمكن العثور عليه في أي موضع آخر». ويضيف يركز أبو الفرج على الصين قائلاً، إن فيها 300 مدينة، وأن أي شخص يود السفر إليها، يتعين عليه تسجيل اسمه وموعد الرحلة وسنه وما يحمله معه ومرافقيه.ويحفظ هذا السجل، حتى يتم استكمال الرحلة بأمان. وسبب هذا هو الخوف من أن ضرراً قد يلحق بالمسافر، الأمر الذي يجلب العار على الحاكم. وأشار فران أيضاً، إلى رحالة القرن الثالث عشر، مثل زكريا ابن محمود القزويني، الذي ترك صوراً للمخلوقات الرائعة التي تنتشر في بحر الصين".
كما اعتبروا أهل الصين من الأمم السبعة الكبرى واختصوهم بالذكر وأشاروا لهم ككيان متفرد، حيث يتكرر في كتب الجاحظ والمسعودي وغيرهما مصطلحات مثل ”أهل الصين ”سكان الصين“ وأسهبوا في وصفهم ووصف خصالهم وطباعهم وما يميزهم، فقال الجاحظ في كتابه (البيان والتبيان) واصفاً سكان الصين قائلا: "وميزة سكان الصين الصَناعة، فهم أصحاب السبكِ، والصياغةِ، والإفْراغِ، والإذَابةِ، والأصباغِ العجِيبة، وأصحاب الخَرطِ، والنَّحتِ، والتصاوير، والنسج. واليونانيون يعرفون العِللَ، ولا يباشرون العمل، وميزتهم الحكم والآداب. والعرب لم يكونوا تجاراً ولا صِناعاً، ولا أطباء، ولا حساباً، ولا أصحاب فلاحة، فيكونون مهنة. ولا أصحاب زرع لخوفهم من صغارِ الجزية.. ولا طلبوا المعاش من ألسنة المكاييل، ورؤوسِ الموازين، ولا عرفوا الدوانيقَ، والقراريط. فحين حملوا حدهم، ووجهوا قواهم إلى قولِ الشعرِ، وبلاغةِ المنطقِ، وتشقيقِ اللغة، وتصاريف الكلام وقيافة البشر، بعد قِيافةِ الأثَر، وحفظ النَّسبِ والاهتداء بالنجوم، والاستدلالِ بالآثار، وتعرفِ الأنْواءِ، والبصرِ بالخيلِ، والسلاح، وآلةِ الحرب، والحْفظِ لكل مسموع، والاعتبار بكل محسوسٍ، وإحكام شأن المناقب، والمثالب - بلغوا في ذلك الغاية".