فن الخط الصيني.. قدسية وتراث ممتد عبر العصور
الخطاطون يعتبرون أعمالهم بمثابة إعادة تشكيل للعالم الكوني. ولكل خطاط أسلوبه الخاص في رسم وتجسيد كل مقطع من مقاطع الكتابة الصينية
الخط الصيني "书法"(شو فا) فن قديم للكتابة اليدوية للغة الصينية. وهو من الفنون الراسخة في الحضارة الصينية ويعد أحد فروع الفن التشكيلي الصيني، ويعتبر إتقانه أمرا بالغ الصعوبة خاصة وأن اتقان اللغة الصينية ليس بالأمر اليسير، كما أنه فن شديد الخصوصية؛ لأنه من الصعوبة على فنان أجنبي إجاده الخط الصيني وكتابة مقاطع الكلمات الصينية "هان تسي".
كلمة الخط الصيني على سبيل المثال تتكون من مقطعين 书法" "، فمقطع "书"يعني الكتابة بالفرشاة على الورق. ولكن المقطع 法 يحمل أهمية أكبر؛ لأنه يدل على القواعد والقوانين.
قدسية الكتابة:
بدايات فن الخط الصيني ظهرت مع مقاطع الكتابة الصينية المكتوبة القديمة وهي "جياقوون"، أي الكتابة المنقوشة على عظام الحيوانات وتروس السلاحف، في الفترة ما بين القرن الرابع عشر والحادي عشر قبل الميلاد، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بـ"تشانبو" أي قراءة الطالع.
في العصور القديمة، كان الصينيون يستخدمون في التنجيم تروس السلاحف وعظام أكتاف البقر، وذلك عن طريق وضعها على النار. وكان الشامان "ووشي" يقوم بتفسير الشقوق الظاهرة على العظام للتنبؤ بالأحداث المستقبلية. في ذلك الوقت، كانت الكتابة تعتبر شيئا مقدسا، وتستخدم فقط للتواصل مع الآلهة أو التحدث لهم، على غرار الهيروغليفية في مصر القديمة.
الكتابة ليست للعامة
في الصين القديمة، ولفترة من الزمن، كان "士"(شي)، أي المسؤولون والباحثون، هم فقط يستطيعون الكتابة، وكان عامة الناس أميّين. وبالتالي، كانت الكتابة تعتبر سلطة ضمنية. ولا تزال كلمة "士" (شي) تستخدم حتى اليوم، على سبيل المثال في مجال التعليم العالي، كما في عبارة学士"شيويه شي" أي درجة البكالوريوس، و硕士 "شوه شي" الماجستير و博士 "بوه شي" الدكتوراه.
وتسمى الأسر المثقفة أو المنحدرة من أسلاف المتعلمين بـ "书香门第"(شو شيانغ من دي)، "书香"(شو شيانغ) ترجع إلى عادة وضع نوع من الأعشاب العطرة بين أوراق الكتب لتلافي الآفات، وجعل صفحات الكتب عاطرة. ويطلق على المثقفين في الصين أيضا عبارة "文人雅士" (ون رن يا شي)، وتعني الأدباء أصحاب الذوق الرفيع. وبما أن مهامها الرئيسية هي القراءة والتعليم، يطلق أيضا على هذه الفئة عبارة "读书人" (دو شو رن)، أي الذين يقرؤون كثيرا، والباحثون هم "学者" (شيويه تشه).
أدوات الكتابة
"文房四宝"(ون فانغ سي باو) ، أي "كنوز المكتب الأربعة"، وتشير إلى أدوات الكتابة أو المكتب الأربع هي: 笔(بي) فرشاة الكتابة، 墨" موه" سبيكة الحبر، 纸(تشي) الورق، و砚(يان) لوح الحبر. 笔 مقطع تصويري يشير إلى المواد التي تستخدم في صنع الفرشاة، فمقطع 竹 (تشو)، الخيزران، في الجزء العلوي، ومقطع 毛 (ماو)، أي وبر أو فراء الحيوان، يمثل رأس الفرشاة. والمقطعان 纸 و砚 أيضا يشيران إلى المواد التي يصنعان منها، فالجزء الأيسر من المقطع 纸 يعني الحرير، و石(شي) من مقطع 砚أي الحجر.
وهناك آلاف الأمثال لوصف أعمال الخط، مثل "龙飞凤舞"(لونغ في فنغ وو)، أي التنين الطائر والعنقاء الراقصة، و"圆润流畅" (يوان رون ليو تشانغ)، أي السلس والمنطلق، و"清和淡雅"(تشينغ خه دان يا)، أي اللطيف والرشيق.
الكتابة في التراث الصيني
وكان الأسلاف الصينيون يقدرون الكتابة والقراءة كثيرا. وورد ذلك في العديد من الأقوال المأثورة في الصين. مثل: "إذا قرأت عشرة آلاف كتاب، يمكنك أن تكتب مقالات بامتياز كما لو أنك تنال مساعدة من الآلهة"؛ وعبارة "بعد قراءة كتاب 1000 مرة تتجلى المعاني ذاتيا".
استخدام الفرشاة للكتابة يختلف تماما عن استخدام القلم، والكتابة بها تتطلب تواصلا أعمق بين العقل والجسد، وتتطلب إظهار ما في أعماق قلب الخطاط على ورقة الكتابة. الخطاطون يعتبرون أعمالهم بمثابة إعادة تشكيل للعالم الكوني. ولكل خطاط أسلوبه وطريقته الخاصة في رسم وتجسيد كل مقطع من مقاطع الكتابة الصينية. ومن خلال الممارسة الطويلة لهذا الفن الصيني، قد يطورون أساليبهم المميزة في الكتابة؛ والتي قد تثير أحيانا مشاعر مختلفة تجاه أعمالهم.