الصاروخ الصيني "التائه".. عندما يرتدي العلم ثوب السياسة
بينما يغرق العلم في الثوابت، والتي تعتمد على معادلات تتكون من معطيات ونتائج، فإن السياسة هي منطق المتغيرات التي تتبدل من حين لآخر.
ولذلك فإن العلم والسياسة لا يجتمعان أبدا، ولكن المراقب لدراما "الصاروخ الصيني التائه" منذ المشهد الأول في 29 إبريل/ نيسان الماضي، سيدرك كيف ارتدى العلم ثوب السياسة.
ومنذ المشهد الأول مع الإعلان عن فقدان السيطرة على الصاروخ "لونج مارش 5-بي" الذي استخدم في توصيل أجزاء من محطة فضاء صينية تنوي بكين بناءها، بحلول العام المقبل، بدا أن الصراع السياسي بين أمريكا والصين يلقي بظلاله على الحدث، حيث أعطاه الإعلام الأمريكي والغربي اهتماما كبيرا في إطار رسالة رئيسية تم الالتزام بها وهي انتقاد الصين لفشلها في الالتزام بالمعايير الخاصة بالتعامل مع حطام الأجسام المرسلة إلى الفضاء.
وامتلأ فضاء الإعلام والإنترنت بتحليلات وتقارير بدت في ظاهرها علمية، لكنها في الحقيقة كانت تخدم الرسالة الرئيسية وهي انتقاد الصين، وكانت جميعها تعظم من خوف العالم من الصاروخ الصيني.
وحددت هذه التقارير أماكن قالت إن الصاروخ الصيني سيسقط فيها، وكان بعضها مناطق مأهولة بالسكان، الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر العالمي.
ويقول الدكتور جاد القاضي، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية لـ"العين الإخبارية"، إن تحديد مكان بعينه والقول إن الصاروخ سيسقط به، هو "مغالطة علمية" وقعت فيها الكثير من الجهات سواء عن قصد أو بدون قصد.
ويوضح أنه: "حتى قبل دقائق من سقوط الصاروخ كان يحافظ على نفس سرعته والمدار الذي اتخذه، فكيف يمكن إذن توقع مكان السقوط، طالما لم تتغير المعطيات".
وأمكن التوقع الدقيق لمكان سقوط الصاروخ قبل ست ساعات من سقوطه بعد تغير المعطيات، وهي تغير السرعة والمدار، كما يؤكد القاضي.
ويضيف: " قبل ست ساعات من السقوط قلت السرعة، مما أدى إلى هبوط الصاروخ عن المدار الذي كان يتخذه، واخترق الغلاف الجوي للأرض، ثم سقط".
وسقط الصاروخ بأمان فجر الأحد، في منطقة بالمحيط الهندي غربي جزر المالديف، حسب الإحداثيات التي كشفت عنها وسائل الإعلام الصينية الرسمية نقلا عن مكتب هندسة الفضاء.
وكان اللافت للانتباه أنه بينما كان فضاء الإنترنت والإعلام يعج بالأخبار حول أماكن متوقعة لسقوط الصاروخ، التزمت بكين الصمت لفترة طويلة، حتى خرج أول تعليق رسمي عنها في 7 مايو/ آيار، على لسان وانج وين بين، المتحدث باسم الخارجية الصينية، والذي قلل من خطورة الصاروخ، وقال إن احتمال تسببه بأضرار على الأرض ضئيل جدا.
وتزامن مع هذا التعليق الرسمي، رسائل طمأنة، حيث نشر المذيع الصيني الشهير لي قانج، الذي يقدم النشرة على تليفزيون الصين الناطق بالعربية CGTN، فيديو قال فيه إنه تم حساب رحلة حطام الصاروخ الصيني بعناية فائقة، وأنه عادة ما تكون نقطة هبوطه في المنطقة غير المأهولة في جنوب المحيط الهادي، وهي المنطقة المعروفة باسم "مقبرة المركبات الفضائية".
ولفت إلى أن حطام الصاروخ الصيني المنتظر سقوطه في الوقت الحالي ليس له الوزن الكبير الذي يعتقده البعض، مشيرا إلى أن هذا الوزن سيستمر في التناقص بعد إطلاق الوقود المتبقي والغازات عالية الضغط فيه.
ووصف المذيع المقيم في الصين حطام الصاروخ الصيني بأنه "رقيق الجلد" مصنوع من سبائك الألومنيوم الرقيقة، ما يعني أنه سيحترق بسهولة بمجرد دخوله الغلاف الجوي.
وقالت السفارة الصينية بالسعودية على حسابها بتويتر، إن ما ينشر حول الصاروخ الصيني كله شائعات، وقالت إنه بغض النظر عن الدولة التي تصنع الصاروخ، فإن أي صاروخ بعد أن يكمل مهمة تسليم المحمولة الفضائية، يفقد قوته، ولا يوجد مفهوم كلمة "التحكم" في حطام الصاروخ، لكن مسار رحلة الحطام محسوب بعناية.
وكما انتقد الدكتور القاضي الحديث عن أماكن متوقعه لسقوط الصاروخ، انتقد أيضا الحديث الصيني عن أن مسار رحلة الحطام محسوب بعناية.
وقال: "أي حطام فضائي لا يمكن توقع مسار رحلته، والدليل أنه سقط في المحيط الهندي، بينما أشار المذيع الصيني في تعليقه إلى المحيط الهادي".
وما بين المبالغة الغربية والرد الصيني، يبدو أن القضية في الأساس سياسية على خلفية التنافس الفضائي بين القوتين، ولكن ما أغضب العلماء، ومنهم الدكتور القاضي، هو أن يتم إقحام العلم في القضية وإلباسه ثوب السياسة، ليتم نشر معلومات مغلوطة على أنها علمية.