الحل الفعلي للصدامات الداخلية في دولنا يأتي بوضع استراتيجيات قوية تهدف إلى تقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات الدينية والطائفية والعرقية
لا توجد حلول سحرية أمام العالم الآن، الطريق واضح المعالم، وما علينا إلا أن نتفق مهما كانت خلافاتنا، وما شهدته البشرية خلال العقود الأخيرة خلصت للمصادقة على نظرية صامويل هنتنجتون وتصديقها.
نعيش اليوم أعلى درجات الخطر بسبب الأيديولوجيات التخريبية التي انتشرت في المنطقة، بشكل مدروس اعتمدت التدرج الذي بدأ منذ عشرات السنين، حيث عمل تنظيم الإخوان المسلمين من جهة عبر بناء مؤسسات إعلامية وأخرى غير ربحية، لإحياء بذور الفكر المتطرف وتغذية رفض الآخر
لكن التصعيد وضغط الأيديولوجيات المتطرفة على الشعوب، واختراقها صفوف بعض الحكومات لإدارتها، وتوسيع مساحات الإرهاب يومياً أضحى أمراً مرعباً.
من الصحيح أن نظرية صدام الحضارات أثارت صدمة كبرى بين النخب السياسية والأكاديمية في كل المجتمعات تقريباَ، ولكن ما نشهده اليوم هو أسوأ بكثير من نظرية الحضارات.
نحن نعيش فعلياً ما يمكن تسميته بـ"صدام الشعوب"، وهذا الصدام بين الشعوب المختلفة هو ما قصده هنتنجتون وما وصل إليه، ومن ثم لم يكن هذا مستغرباً، على الرغم من أن العالم اليوم ومع التطور المذهل لوسائل التواصل الاجتماعي وسرعتها وفعاليتها وتوفرها، إلى جانب انخفاض التكاليف للتواصل المرئي، خلقت تكتلات جديدة، تعتمد على الخرائط الجيوسياسية التي بدورها هي نتاجات لنزاعات بين الدول والحكومات منذ خروج العالم بمؤسساته ومنظوماته الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد كانت الأوضاع "مقبولة" ومن الممكن التعامل معها في هذه المستويات، إلا أن أخطر المراحل التي وصلنا إليها هي ما نعيشه اليوم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
نعيش اليوم أعلى درجات الخطر، بسبب الأيديولوجيات التخريبية التي انتشرت في المنطقة، بشكل مدروس اعتمدت التدرج الذي بدأ منذ عشرات السنين، حيث عمل تنظيم الإخوان المسلمين من جهة عبر بناء مؤسسات إعلامية وأخرى غير ربحية، لإحياء بذور الفكر المتطرف وتغذية رفض الآخر، وهنا المقصود بالآخر ليس الأجنبي أو من يعيش في مساحات جغرافية أو أماكن بعيدة، أو من شكله أو لونه مختلف.
ثم قرر أصحاب الفكر الإرهابي اتخاذ خطوات مفاجئة، بعد مرحلة التدرج والتي أسهمت في صدمة المجتمع الذي كان يعيش حالة من بداية الإحباط والمخاوف من المستقبل.
والأزمة الحقيقية اليوم هي مؤشرات الكره ورفض الآخر، وكل من يخالفنا الرأي داخل بلداننا ومجتمعاتنا ومدننا وحتى داخل البيت الواحد، إنها حالة من العداء المستحيل التي لا يمكن أن نحل أي من مشاكلنا إلا بتجاوزها.
وبالتوازي مع الأيديولوجيات الإخوانية سعت الأنظمة الإيرانية -منذ نهاية السبعينيات حتى اليوم- إلى خلق الاختلافات الداخلية، من خلال إحياء الخلافات الطائفية ودعم الكراهية بين مختلف الطوائف التي كانت تعيش بحب وسلام، دون وجود فروقات حقيقية.
ليس هناك أي حل فعلي للصدامات الداخلية في دولنا سوى جهود الحكومات التي يجب أن تضع استراتيجيات قوية على المدى القصير والبعيد، تهدف إلى تقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات الدينية والطائفية والعرقية، وتجاوز الأفكار الإرهابية الثأرية ضد الآخر.
من المؤكد أن هذا الجهد لن يكون سهلاً بل يحتاج إلى جهود جبارة، من أجل ترسيخ الوعي بضرورة تجاوز الماضي وخلافاته، والتفكير خارج الصندوق العقائدي والأيديولوجي، لتحقيق مستقبل عالم يتسع للجميع للتعايش في سلام ومحبة وتعاون لتستمر الحياة في سلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة