دلالات وثيقة "الأخوة الإنسانية" في محاصرة الإرهاب
ولدت وثيقة "الأخوة الإنسانية" من أجل السلام العالمي والعيش المشترك في مواجهة أفكار التطرف والطائفية التي نشرتها جماعات الإرهاب.
نجحت وثيقة الأخوة الإنسانية قبل أن تولد، فقد وضعت الضمانات الكفيلة بمحاصرة الإرهاب وفكرته، وتضييق الخناق على كل مسبباته وأسباب وجوده في العالم، فأعطت روشتة ناجزة بعد تشخيص دقيق لما تعانيه الإنسانية من تدهور أدى لظهور طيور الظلام، وثيقة الأخوة الإنسانية أكبر شاهد على نفوق هذه الطيور التي باتت تحلّق في كل مكان من العالم.
ولدت وثيقة الأخوة الإنسانية من المفهوم العام والشامل لمعنى الأخوة القائم على الترابط والاحترام والإحسان ووحدة الأصل ومبدأ الكرامة الإنسانية والرحمة والتعايش والتعارف دون اعتبار للدين واللغة والجنس والعرق، فأصبحت بمثابة ميثاق ودستور حاكم للعلاقة بين كل المختلفين في العالم ثقافيا ودينيا.
كما ولدت الوثيقة التي وقعها أهم رمزين دينيين في العالم؛ البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم،نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء ،حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة من الإيمان العميق لأولاد زايد بضرورة تغيير هذا العالم إلى الأفضل.
أخذت الإمارات كعادتها المبادرة بإطلاق الوثيقة، حتى بدأت ملامح التغيير بإرادة أخوية في دفع هذا العالم إلى الخير، حتى بات مفهوم الأخوة الإنسانية ليس مجرد شعار يرفعه حكام الخير وأئمة التسامح وإنما عقيدة يدافعون بها عن الحرية والعيش المشترك.
ولدت وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك في مواجهة أفكار التطرف والطائفية التي نشرتها جماعات العنف والتطرف والإرهاب، فضلا عن الطائفية والمذهبية الدينية والسياسية التي نشرتها دول وعززتها سياسات فحاصرت من خلالها الحياة التي أحيتها الوثيقة بما جاء فيها من بنود أيقظت العالم من جديد بضرورة أن تكون هناك مواجهة لكل أعداء الحياة بمختلف مسمياتهم.
حرصت الإمارات العربية المتحدة على إنتاج أفكار من شأنها تفكيك الإرهاب وأفكاره بعدما أصبح معلوما دعم دول كبرى للتنظيمات الدينية المتطرفة في الشرق والغرب، ليس هذا فحسب، ولكن هذا الدعم شمل دولا أخرى في المحيط الإقليمي هدفها إحداث حالة من البلبلة، حرصت دولة الإمارات من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية على نشر قيم التعايش السلمي، فلعبت الوثيقة على فكرة التقارب بين أصحاب الديانات الأخرى ليس على أرض الإمارات فقط وإنما بين كل المختلفين دينيا وثقافيا في كل مكان من أرض الله، فهزمت أفكار الإرهاب والتطرف والكراهية.
ولدت وثيقة الأخوة الإنسانية من الإيمان بالله أولا وضرورة العيش المشترك ثانيا، فالله الخالق لا يرضى لعباده إلا أن يعيشوا بالسلام والمحبة، فبمجرد استحضار هذا المعنى نستطيع أن نهزم كل الأفكار المتطرفة التي تكفر الآخر وبالتالي تُعطي مبررًا للهجوم عليه بعد مخاصمته، وهنا بدت أهمية هذه الوثيقة ليس في مواجهة الإرهاب فقط وإنما في محاصرته.
نظرة الإمارات دائما تتجه ناحية المستقبل في صناعة مجتمع داخلي متسامح وأن تمتد هذه المعاني الرفيعة لكل دول المنطقة، ومنها يحدث الانتقال إلى العالم بكل سلاسة، وهنا تبدو عبقرية الطرح ودلالة الوثيقة ورمزية القيم التي نصت عليها، فهي لم تترك مهمشا أو ضعيفا إلا وعبرت عنه، حتى أنها ذكرت ضحايا الحروب والنزاعات ليس هذا فحسب وإنما باتت صوت الفقراء والمساكين والمطلقات والأرامل، فحق أن نطلق عليها بأنها وثيقة الأخوة الإنسانية.
نصت هذه الوثيقة على عصمة الدماء، أي دماء مهما كانت ومهما كان مبرر إراقتها عملا بعلاقة الأخوة الإنسانية التي تجمع البشر ببعضهم، فكونت وما زالت رباطا قوي الجأش في مواجهة أفكار التطرف التي تُشدد على القتل ونفي الأخر وتبث مفاهيم الكراهية في العقول والقلوب وبالتالي تتم ترجمتها لسلوك يُهدد البشرية ويهدم قيمها.
وثيقة الأخوة الإنسانية إعلان مشترك عن نوايا صالحة وصادقة بضرورة التحرر من أفكار التطرف التي باتت تلف عالمنا دون أن ندري، غزو الأفكار التي نجحت في مهاجمة حصوننا باتت في حاجة لمواجهة ولكن من نوع خاص وبطريقة فاعله ومؤثرة في الوقت نفسه، وهو ما حققته الوثيقة، حتى أصبحت دليلا للأجيال القادمة ولكل الحالمين بحياة أفضل في كل مكان.
إذا وجدت مجتمعا مستقرا ومتحابا بين أبنائه عليك أن تُدرك أنه يخلو من الإرهاب أو أي أفكار متطرفة، هكذا ركزت وثيقة الأخوة الإنسانية في مضمونها على صناعة مجتمعات يغيب عنها الإرهاب والتطرف بكل صوره، فنجحت الوثيقة في هزيمة حال اليأس السياسي أو حتى الأمني في مواجهة الإرهاب، فليست المواجهة الأمنية فقط هي التي تقضي على الإرهاب ولكن مع ذلك تبقى أهمية نشر قيم التسامح والتعايش والرحمة وقبول الآخر، نشر هذه القيم يقضي على أفكار التطرف والإرهاب.
ركزت الوثيقة على عمارة الأرض وهو ما يُخالف تماما كل أفكار التخريب والقتل والإقصاء ونفي الآخر، وهي أبجديات الأفكار والتنظيمات المتطرفة، وهنا تبدو أهمية وثيقة الأخوة الإنسانية من تفكيك الأفكار المؤسسة للإرهاب والتطرف، وهنا تبدو المواجهة أكثر قوة وعمقا بعيدا عن سطحية المواجهة غير المؤثرة في صلب البنية التحتية للإرهاب والتطرف.
الوثيقة حاربت الإرهاب والتطرف من خلال مواجهة فكرية لكل الأفكار التي تدعو للتعصب والفرقة مع التوجيهات الأيديولوجية البغيضة التي تمثلها جماعات العنف والتطرف في منطقة الشرق الأوسط، والتي انتشرت مثل داء السرطان في الجسد العربي فهددت بناءه وأصابته بالتآكل حتى أصبح من الواجب وجود مخرج لكل حالات التردي المستمرة لبنية المجتمعات العربية وغير العربية، وهو ما حققته الوثيقة بما جاء فيها من بنود واضحة هدفها الأساسي خلق مجتمعات متعايشة سلميا.
عززت الوثيقة من دورها في مواجهة الإرهاب من خلال النص الصريح على نشر قيم التسامح والتعايش والسلام، وإعادة اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك من خلال التدخل الواضح لوقف سيل الدماء البريئة بكل صورها؛ هذه القيم لم تعتبرها الوثيقة مجرد قيمة روحية فقط، وإنما قيم أساسية للحياة بكل صورها، لا يمكن تصور هذه الحياة بدونها طالما تمسكنا بمفهومها الشامل.
وثيقة الأخوة الإنسانية على قدر تسليطها الضوء على كل مفاهيم التعايش السلمي والقبول على قدر ما حذرت من انطلاق حرب عالمية ثالثة في حال الابتعاد عن قيم الإنسانية التي حثت عليها الأديان وجعلتها في تراكمات القيم التي لا يمكن الاستغناء عنها، مثلها مثل الماء والهواء في محسوسات الحياة التي لا غنى عنها.
وثيقة الأخوة الإنسانية دعوة للمصالحة مع النفس والآخر، فلا يمكن قبول المختلف معك إلا إذا تصالحت معه، ولا يمكن أن تتصالح معه إلا بالاعتراف به، وثيقة تواجه الجرائم الإنسانية بمزيد من تعزيز قيم الإنسانية والأخوة الغائبة، وهي أهم سُبل مواجهة الإرهاب والتطرف في العالم، فإذا كان المتطرفون يقرأون النصوص بشكل خاطئ ويوظفونها بنفس الطريقة الخاطئة، فعلينا أن نقف أمام هذه التفسيرات الخاطئة وأن نكشف زيف أفكارهم، ولكن من خلال نشر قيم المصالحة والتسامح.
من الظلم أن نقرأ وثيقة الأخوة الإنسانية من زاوية واحدة، وأن تقتصر هذه القراءة فقط على توقيت وزمن صدورها فقط، هذه الوثيقة تصلح للأجيال القادمة كما عالجت الوثيقة مشكلات مجتمعية لا يمكن مواجهتها إلا بهذه الصورة، وأهم صور هذه المواجهة محاصرة الإرهاب والتطرف، وهنا تبدو أهمية نشر هذه الوثيقة وتعميق تطبيقها في كل دول العالم.
ختاما: تبدو أهمية هذه الوثيقة ليس في مجرد الطرح وإنما في آلية تنفيذ الوثيقة وفي دور المجتمع الدولي في احتضانها وتفعيلها، ويكفي أن الإمارات أنتجت الفكرة وكتبت الوثيقة وأظهرتها للنور حتى يأتي دور المجتمعات العربية وغير العربية في تفعيل الوثيقة ونشرها بعد استنساخ قيمها، هذه الأدوار لا يقتصر عملها في تفعيل الوثيقة على المجتمعات فقط، وإنما لا بد من مشاركة المثقفين والسياسيين والحكماء والنخب بمستويات أفكارهم وتخصصاتهم في تفعيل هذه الوثائق، فالنجاح الحقيقي في أن تجد الوثيقة أرضا خصبة للتطبيق، وهو ما نلمحه في احتضان المجتمعات للوثيقة فور إطلاقها.
وكما تبدو أهمية الوثيقة في ضرورة أن تُصبح موضع تطبيق بعد أن أصبحت موضع تأمل ومناقشة في جميع المستويات سواء التعليمية أو الثقافية أو السياسية، لا بد أن تجني المجتمعات سريعا ثمرة ما أنتجته يد «الخير» في الإمارات استكمالا لدور الدولة في بناء عالم متصالح وقوي تسوده قيم المحبة والعدل والمساواة والأخوة ويغيب عنه التطرف بكل صوره وأشكاله.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjIwMiA=
جزيرة ام اند امز