وثيقة "الأخوة الإنسانية".. مطالب وحقائق وتحذيرات وتعهدات
الوثيقة التي وقعت داخل أرض دولة الإمارات العربية المتحدة أقرت عددا من الحقائق وشملت أيضا تحذيرات وقطعت تعهدات
مطالب وحقائق وتحذيرات وتعهدات تضمنتها وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي وقعها قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، الإثنين الماضي.
حيث جاءت الوثيقة موجهة تارة ومحذرة تارة أخرة، ومُدينة بعض الممارسات أحياناً، وداعية لتنفيذ مطالب في أحيان أخرى، بما يسهم في النهاية في خلق فضاء واسع من التسامح والسلام.
التقرير التالي يستعرض أبرز الحقائق والتحذيرات والمطالب التي تضمنتها وثيقة "الأخوة الإنسانية".
حقائق ونتائج
تقر الوثيقة التي وقعت داخل أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، وشهدت تفاعلاً دولياً وإقليمياً، عدداً من الحقائق، أبرزها: أن أهم أسباب أزمة العالم اليوم تعود إلى تغييب الضمير الإنساني وإقصاء الأخلاق الدينية، وكذلك استدعاء النزعة الفردية والفلسفات المادية التي تؤله الإنسان، وتضع القيم المادية الدنيوية موضع المبادئ العليا والمتسامية.
كما سلطت الوثيقة الضوء أيضاً على القفزات التاريخية الكبرى والمحمودة في مجال العلم والتقنية والطب والصناعة والرفاهية، خاصة في الدول المتقدمة، تراجعت معها الأخلاق الضابطة للتصرفات الدولية، وتراجعت القيم الروحية والشعور بالمسؤولية.. وهنا تم تقديم الحقيقة ثم تأتي نتيجة ذلك كما أبرزتها الوثيقة.
الأديان والحياة والحرب ضد الإرهاب
كان لافتاً في الوثيقة تركيزها في أكثر من بند على الحديث عن الأديان ومغبة تفسيرها الخاطئ، حيث قدمت الوثيقة الحقيقة، وهي أن الحياة هبة إلهية ثم أتبعتها بالمطلب، إنه "على الجميع المحافظة عليها منذ بدايتها وحتى نهايتها الطبيعية.
وتشديدا على أهمية الحياة تضمن البند نفسه إدانة لكل الممارسات التي تهدد الحياة "كالإبادة الجماعية، والعمليات الإرهابية، والتهجير القسري، والمتاجرة بالأعضاء البشرية، والإجهاض، وما يطلق عليه الموت "اللا"رحيم، والسياسات التي تشجعها".
وفي بند آخر من الوثيقة تربط بين الأديان والحفاظ على الحياة، في تسلسل منطقي بديع يقدم حقيقة ثم نتيجة فتحذير فطلب.
فحسب الوثيقة "إن الأديان لم تكن أبدا بريداً للحروب أو باعثة لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب، أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء".
وتقدم سبباً لهذه المآسي، مشيرة إلى أنه "حصيلة الانحراف عن التعاليم الدينية، ونتيجة استغلال الأديان في السياسة، وكذا تأويلات طائفة من رجالات الدين -في بعض مراحل التاريخ- ممن وظف بعضهم الشعور الديني لدفع الناس للإتيان بما لا علاقة له بصحيح الدين، من أجل تحقيق أهداف سياسية واقتصادية دنيوية ضيقة".
ثم يأتي الطلب "نطالب الجميع بوقف استخدام الأديان في تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب الأعمى، والكف عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والتشريد والإرهاب والبطش".
ويلاحظ تركيز الوثيقة على إبراز التعاليم الصحيحة للأديان في أكثر من بند، وربطها بالحفاظ على الحياة والسلام والتسامح.
وتؤكد في بند آخر "أن هذه الوثيقة، إذ تعتمد كل ما سبقها من وثائق عالمية نبهت إلى أهمية دور الأديان في بناء السلام العالمي، فإنها تؤكد الآتي: القناعة الراسخة بأن التعاليم الصحيحة للأديان تدعو إلى التمسك بقيم السلام، وإعلاء قيم التعارف المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، وتكريس الحكمة والعدل والإحسان، وإيقاظ نزعة التدين لدى النشء والشباب، لحماية الأجيال الجديدة من سيطرة الفكر المادي، ومن خطر سياسات التربح الأعمى واللامبالاة القائمة على قانون القوة لا على قوة القانون".
وفي محور اهتمامها بالإيمان والأديان أيضاً تؤكد الوثيقة "أهمية إيقاظ الحس الديني والحاجة لبعثه مجدداً في نفوس الأجيال الجديدة، عن طريق التربية الصحيحة والتنشئة السليمة والتحلي بالأخلاق والتمسك بالتعاليم الدينية القويمة لمواجهة النزعات الفردية والأنانية والصدامية، والتطرف والتعصب الأعمى بكل أشكاله وصوره".
وتبرئ الوثيقة الأديان من الإرهاب، مشددة على "أن الإرهاب البغيض الذي يهدد أمن الناس، سواء في الشرق أو الغرب، وفي الشمال أو الجنوب، ويلاحقهم بالفزع والرعب وترقب الأسوأ، ليس نتاجاً للدين.. حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته".
وتؤكد أنه "لتراكمات الفهوم الخاطئة لنصوص الأديان وسياسات الجوع والفقر والظلم والبطش والتعالي"، واستناداً لتلك الحقيقة يأتي المطلب "يجب وقف دعم الحركات الإرهابية بالمال أو السلاح أو التخطيط أو التبرير، أو توفير الغطاء الإعلامي لها، واعتبار ذلك من الجرائم الدولية التي تهدد الأمن والسلم العالميين، ويجب إدانة ذلك التطرف بكل أشكاله وصوره".
مبادئ مهمة وتحذيرات
قدمت الوثيقة عدداً من الحقائق والمبادئ المهمة، تدعم أهدافها في تحقيق التسامح ونشر السلام والخير في العالم أجمع، وتؤكد عليها من أبرزها:
- أن الحرية حق لكل إنسان: اعتقادا وفكرا وتعبيرا وممارسة، وأن التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة حكمة لمشيئة إلهية.
- أن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، يحق لكل إنسان أن يحيا في كنفها.
- أن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس -ثم تبرز النتيجة قائلة- من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية، والتي تحاصر جزءاً كبيراً من البشر.
- أن الحوار بين المؤمنين يعني التلاقي في المساحة الهائلة للقيم الروحية والإنسانية والاجتماعية المشتركة، واستثمار ذلك في نشر الأخلاق والفضائل العليا التي تدعو إليها الأديان، وتجنب الجدل العقيم.
- أن العلاقة بين الشرق والغرب هي ضرورة قصوى لكليهما، لا يمكن الاستعاضة عنها أو تجاهلها، ليغتني كلاهما من الحضارة الأخرى عبر التبادل وحوار الثقافات.
وتقدم الوثيقة أيضاً عدداً من التحذيرات في ضوء ما أقرته من حقائق، منها التطرف الديني والقومي، وغياب العدالة وسوء توزيع الثورة، كذلك تحذر الوثيقة من مهاجمة المؤسسة الأسرية والتقليل منها والتشكيك في أهمية دورها، مشددة على أن " الأسرة نواة لا غنى عنها للمجتمع وللبشرية، لإنجاب الأبناء وتربيتهم وتعليمهم وتحصينهم بالأخلاق والرعاية الأسرية".
ثقافة التسامح
تقدم الوثيقة عدداً من المطالب في ضوء ما سبق، وإن أقرته من حقائق ونتائج، ومن أبرز هذه المطالب:
تطالب الوثيقة المؤمنين بالله وبلقائه وحسابه وقادة العالم، وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي، بالعمل جديا على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فوراً لإيقاف سيل الدماء البريئة، ووقف ما يشهده العالم حالياً من حروب وصراعات وتراجع مناخي وانحدار ثقافي وأخلاقي.
وطالبت الوثيقة المفكرين والفلاسفة ورجال الدين والفنانين والإعلاميين والمبدعين في كل مكان بأن يعيدوا اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، وليؤكدوا أهميتها كطوق نجاة للجميع، وليسعوا في نشر هذه القيم بين الناس في كل مكان.
وأكدت الوثيقة حماية دور العبادة، من معابد وكنائس ومساجد، لأنه واجب تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية.
وشددت على أنه "كل محاولة للتعرض لدور العبادة، واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروج صريح عن تعاليم الأديان، وانتهاك واضح للقوانين الدولية".
وأكدت الوثيقة ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا، والتخلي عن الاستخدام الإقصائي لمصطلح "الأقليات"، وحماية حقوق المرأة والاعتراف بحقها في التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية، وتوفير حقوق الأطفال الأساسية في التنشئة الأسرية، والتغذية والتعليم والرعاية، وكذلك حماية حقوق المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة والمستضعفين.
وتضمنت المطالب أيضاً، أن تكون بنود الوثيقة موضع بحث وتأمل في جميع المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية والتربوية، لتساعد على خلق أجيال جديدة تحمل الخير والسلام، وتدافع عن حق المقهورين والمظلومين والبؤساء في كل مكان.
وبعد أن خاطبت الوثيقة العقل والقلب بلغة المنطق، اختتمت بإبراز الهدف الأسمى من تطبيقها، في محاولة لتحفيز الجميع على تبنيها والعمل بها وصولاً للنتيجة المتوخاة ألا وهي "الوصول إلى سلام عالمي ينعم به الجميع في هذه الحياة".
aXA6IDMuMTQ1Ljg5Ljg5IA== جزيرة ام اند امز