القادة لا يكترثون بعدد الريتويتات ولا تهمهم إطلاقا، ذلك هَم «فاشينستات الغفلة»، أما القادة فيريدون أن تصل الرسالة كما أرادوا.
وصلتني قبل فترة رسالة مؤثرة على الهاتف، تقول باختصار: «نشتري الكثير من الشكليات باهظة الثمن، لكننا عندما نتصدّق نبحث عن أصغر ورقة نقدية في محافظنا، ثم عندما نرفع أيدينا بالدعاء، نطلب من الله تعالى أن يرزقنا الفردوس الأعلى، ما أعظم ما نطلب، وما أحقر ما نعطي من أجله»!
النتائج العظيمة لا تتحقق للحالمين، والمنجزات الكبيرة لا تشد أركانها الكلمات المنمقة والإنشائيات التي لا تنتهي، والفعل الصغير سيؤدي لا محالة إلى نتيجة هزيلة، فعلى قدر الجُهد يكون النتاج، وبحجم البذل يكون العائد، ومَن يطمح للكثير لا بد أن يعطي من جهده ووقته وتضحياته الكثير، هذه معادلة لا يمكن العبث بها، حتى على أكبر «فهلوي» في العالم!
يقول المؤلف ورجل الأعمال الأمريكي تيم فارغو «ما ستكون عليه في الغد يعتمد على ما تقوم به اليوم»، فالجزاء من جنس العمل، فاليوم وقت بذرٍ وزرع والغد هو يوم حصاد، فإن زرعت حنظلاً لا تنتظر منه ياسمين، والأهم قبل ذلك ألا تنتظر حصاداً من أرضٍ لم تزرعها أصلاً!
عندما يضع قادة البلد، حفظهم الله تعالى «تغريدات» على منصة تويتر، موجهة للمسؤولين ومن كُلّفوا بإدارة مؤسسات الدولة فإنهم يوصلون رسالة مفادها بأن هناك خللاً ما لا بد أن يُعالج، أو تحسيناً ما لا بد أن يُدْخَل، أو فرصة سانحة لا بد أن تُقتَنَص، أو ظرفاً صعباً قادماً لا بد من الاستعداد الجيد له، لتحييد آثاره أو تجنبه
من المتعارف عليه أن الرضا بالوضع الراهن هو عدو الإنجاز الأول، فما لم تكن لديك رغبة جامحة وقناعة داخلية متأججة بضرورة تغيير الواقع الذي تراه لا يلبي طموحاتك، وإلا.. فإن جميع خُطب الدنيا التي تقولها لن تستطيع نفعك، فإن أردت شيئاً مختلفاً فلا بد أن تفعل شيئاً مختلفاً، والقمم العالية طرقاتها تختلف عن مسالك السفح، حيث يكتظ الأغلبية من البشر، أما الطريق العظيم والمسار المختلف فإنه دوماً لا يكون مكتظاً بالمارة، هو مسار يحتاج إلى تضحيات كبيرة، وجهود متواصلة، وصبر لا ينكسر، لكن نهايته الجميلة تكون دوماً مختلفة عن سواها!
يقول المثل الأمريكي القديم All hat, no cattle أي: «الكل يرتدي القبعات، ولكن لا توجد ماشية»، فالتظاهر بالشيء لا يجعله موجوداً، ومجرد الادعاء لا يخلق شيئاً من عدم، فالكلمات تُظهر ما يود هؤلاء المدّعون أن يبدوا عليه، لكن الأفعال وحدها ما تحدد حقيقتهم!
في السياق ذاته، فإنه عندما يضع قادة البلد، حفظهم الله تعالى «تغريدات» على منصة تويتر، موجهة للمسؤولين ومن كُلّفوا بإدارة مؤسسات الدولة فإنهم يوصلون رسالة مفادها بأن هناك خللاً ما لا بد أن يُعالج، أو تحسيناً ما لا بد أن يُدخَل، أو فرصةً سانحة لا بد أن تُقتَنَص، أو ظرفاً صعباً قادماً لا بد من الاستعداد الجيد له، لتحييد آثاره أو تجنبه، أو على الأقل تقليل أضراره قدر الإمكان.
إن وصلنا لهذه القناعة الواضحة، فإننا سنعرف أن الأبطال الذين يسارعون للريتويت أو يبدأون في وضع شروحات إضافية لما يضعه القادة قد أخطأوا المراد، فالقادة لا يكترثون بعدد الريتويتات ولا تهمهم إطلاقاً، ذلك هَم «فاشينستات الغفلة»، أما القادة فيريدون أن تصل الرسالة كما أرادوا، بالمعنى الذي قصدوه، وبكلماتهم هم، وبالطريقة التي وضعوها، وإلى الفئة المستهدفة التي تُفهَم ضمناً من كلامهم، والمطلوب ليس مسارعة لضغط زر الريتويت، ولا ملء الصفحة بعبارات التأييد، بل المطلوب أن تكون المسارعة للتنفيذ، ومراجعة الأوضاع في مؤسساتهم، والبدء فوراً بالعمل على وضع تلك التوجيهات موضع التنفيذ.
من الضروري، بالتبعية، أن يعي من يعمل بالمؤسسات، سواء في قمة الهرم أو في قاعدته، أن المنجزات العظيمة لا تأتي دفعة واحدة، فطلبات المصباح السحري لعلاء الدين لا يمكن أن تتحقق، بل الأمور العظيمة تحدث بالتدريج، خطوة خطوة، لكنه تدرج مستمر لا يتوقف، التوقف يعني أنك رفعت راية الاستسلام، وسيفوتك السباق، وسيهزمك من لم يرضوا بالتوقف أبداً، ثقة في قدراتهم، ووفاء لطموحاتهم، وحُبا في أوطانهم لكي تتبوأ ما تستحقه مِن مكانة عالية.
رسائل القادة تريد أن يبقى هذا «الرتم» المستمر، وألا يتوقف السعي لبلوغ الطموحات، لا يكفي أن تكون على الطريق الصحيح، بل لا بد أن تكون متحركاً لا واقفاً، وأن تتحرك في الاتجاه السليم، بل أن تكون سرعتك في التحرك أعلى من البقية، هذه الرسائل هي وسيلة لإبقاء «ديمومة» واستمرارية العمل في ذهنية الجميع، وأولهم المسؤولون، وهي رسائل من المهم أن ينقلها المسؤولون لمن يعملون معهم، ممارسة وليس كلاماً، ليكون هذا الأمر ركناً مهماً في ثقافة المؤسسات.
لا شيء عظيم يحدث دون جهد عظيم، فحتى في قاموس اللغة يأتي التعب قبل الفوز، والعمل قبل النجاح، أما الكلام وحده فلا يبني شيئاً مهما ملأ آذان الناس وطبّل له البعض، اعمل كثيراً وبصمت، ودع عملك يتحدث عنك بالنيابة، وسواء كنت مسؤولاً أم موظفاً فإنه من المهم أن تعرف أن المطلوب منك أن تعمل بأقصى ما تستطيع، وأن تبذر الخير في سعيك، حتى يُسعدك الحصاد عندما يأتي أوانه، المراد منك أن تضغط الواقع ليكون أجمل، لا أن تكتفي بضغط زر الريتويت!
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة