وُلد الطفل الأول واسمه جون، لأب أوروبي يدعى باتريك وأم أمريكية اسمها جينيفر.
عاش جون في كنف والديه في منزل كبير كانت تدفئته في الماضي مصدرها الفحم ثم النفط، وبعد ذلك الغاز الطبيعي.
امتلك باتريك سيارة فارهة وقودها من البنزين عالي السعرات، ينتقل بها يومياً إلى مصنع ضخم للبتروكيماويات في أطراف المدينة الواقعة في غربي أوروبا.
أما جينيفر فكانت تعمل في جمعية أهلية متخصصة في دعم فقراء البلدان النامية من تبرعات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المعروفة بنادي الدول الغنية.
والطفل الثاني اسمه كوامي جونيور أنجبته جنيفير بعد انفصالها عن زوجها الأوروبي وعملها في أفريقيا مع جمعيات الإغاثة الإنسانية، حيث تعرفت على أبيه كوامي أثناء مهمة لإعانة أهالي قرى أفريقية عانت من الجفاف والتصحر.
وعاش كوامي الصغير مع والديه متنقلاً من بلد إلى بلد في القارة السمراء.
تلقى تعليماً متقطعاً وعوضته أمه ببعض التعليم الأساسي منزلياً لعدم انتظام ظروف الحياة والعمل.
كان الحصول على الكهرباء بانتظام نادراً في المساكن التي أوت إليها عائلة كوامي. ولم تمتلك العائلة الصغيرة سيارة خاصة قط، وكان استهلاكهما محدوداً بما يوفره دخل الأسرة من أساسيات بعد اقتطاع مبالغ تحول لعائلة كوامي التي تعتمد على ما يرسله إليها ابنها الأكبر.
شهدت الأم شقاءً لم تعهده في حياتها مع والديها في أمريكا أو زوجها الأوروبي السابق، فكانت حياتها مع كوامي مضطربة في حل وترحال مشتتة بين معسكرات الإغاثة لضحايا الجفاف والفيضانات والمهجرين واللاجئين عبر الحدود.
وفجأة فقد كوامي جونيور أباه في مهمة من مهام الإغاثة بعد فيضان مدمر لقرى ساحلية، ونجا وأمه فقررت العودة به إلى تكساس حيث مسكن أهلها القديم.
أما الطفل الثالث فاسمه مالوسي وهو يتيم لأبوين أودى بحياتهما إعصار بإحدى جزر المحيط الهادئ. وأودع الطفل ملجأً للأطفال المشردين بعد الإعصار وأطلقوا عليه اسم مالوسي، الذي يعني في لغة الجزيرة القوة والعزيمة.
وفي أثناء زيارة سياحية لباتريك للجزيرة، بعد إعصارها بسنتين، لفت نظره وهو يغادر الفندق نشرات عليها صور لأطفال يتامى تدعو السياح لرعايتهم بتبرع ٧ دولارات في الشهر وكانت صورة الطفل مالوسي تتوسطهم بمعلومات تشير إلى أنه في عمر ابنه جون؛ فقرر التبرع له بمبلغ ٨٤ دولاراً سنوياً لمدة ٥ سنوات. فالمبلغ كله يقل عن سهرة العشاء التي قضاها بالأمس مع أصدقائه.
عاد باتريك لبلده الأوروبي بعد قضاء إجازة الصيف في منتجع الجزيرة، ليلتقي ابنه جون الذي أمضى مع جديه إجازة صيف في شواطئ الكوت دازور الخلابة. حدثه ابنه أنه يفتقد أمه فتواصلا مع أمه جينيفر بعد غياب.
لم يجد باتريك ما يقوله فطفق يتحدث عن رحلته للجزيرة الباسيفيكية وكيف أنه رعى الطفل مالوسي الذي لا يعرف عنه إلا المعلومات التي ذيلت صورته في النشرة المطبوعة.
وذكرت له جينيفر ما كان من أمرها في أفريقيا وزواجها وابنها كوامي جونيور المتعثر في دراسته في تكساس لظروف حياته السابقة.
ثم تحدثت مع ابنهما جون واطمأنت على أنه يلقى الرعاية المتوقعة من أبيه وجديه لأبيه فضلاً عما توفره المعيشة الأوروبية من ميسرات لم تتوفر لابنها الآخر في أفريقيا.
ثم تذكرت مالوسي وحياة المعاناة في ملجأه بالجزيرة التي تعاني من شتى أنواع الفقر وسوء التغذية وهشاشة بنيتها الأساسية في مقاومة حدة تقلب الطقس فضلاً عن مواسم الأعاصير والفيضانات التي تزيد من حدتها زيادة سخونة كوكب الأرض وتغيرات المناخ.
ثم حدثها زوجها السابق في شأن عودتهما لحياتهما كزوجين مجدداً، حتى يعيش ابنهما حياة أكثر استقراراً بعدما امتد طلاقهما لسنوات. ولكنه اشترط عليها أن تترك ابنها من زواجها الأفريقي لأسرتها في أمريكا لرعايته على أن تذهب لزيارته.
بادرته بأن شأن الأطفال الثلاثة يذكرها بمثال استمعت إليه من أحد المتحدثين وهو يحاول تبسيط العمل المناخي.
فابنهما جون هو الطفل المحبذ نسبياً بالرعاية والاهتمام، وشأنه في هذا شأن ملف التخفيف وفقاً لاتفاق باريس الذي توليه الدول المتقدمة الأهمية الأولى بمحاولة تخفيض انبعاثات الكربون والاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر.
ثم استطردت قائلة، أما ابني من زواجي الآخر، كوامي جونيور فهو بمثابة ربيبك الذي لن يلقى رعاية مماثلة لابننا جون. وهو في ذلك كملف التكيف الذي ورد في اتفاق باريس ولم يحظَ باهتمام عادل بالموارد، فتأثرت سلباً قطاعات حيوية مهمة كالمياه والزراعة والوقاية من التصحر وحماية الغابات والشواطئ والمناطق الساحلية وأماكن السكن المتضررة.
ثم استكملت قائلة أما الطفل الثالث فهو اليتيم مالوسي فشأنه في الحياة كشأن ملف الخسائر والأضرار الذي ورد ذكره في اتفاق باريس أيضاً، ولكنه أُهمل ولم يلقَ أي عناية، حتى تم الاتفاق أخيراً في قمة شرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على تأسيس صندوق للخسائر والأضرار.
وتجري الآن مناقشات لتفعيله من حيث قواعد العمل وأساليبها ومصادر التمويل، وأنها ترجو أن يكون شأن تمويله أفضل حالاً من الفتات الذي تركه باتريك من خلال بطاقة ائتمانه.
رد عليها باتريك ما زلت كما تركتك تحيلين أموراً خاصة لشؤون عامة، وإن فهمت الدلالات المقصودة؛ ولكنك لم تجيبيني في شأن استمرار حياتناً. قالت له إن استمرار حياتنا لن يكون إلا بالعدل بين جون وكوامي جونيور بأن يحظيا بنفس الاهتمام والمساندة؛ ولن أقول لك أن يأتي مالوسي ليعيش معنا فهو ليس ابننا، ولكن قسوة ظروف حياته تسببنا فيها بأنماط معيشتنا وبما فعله آباؤنا من قبل، وعلينا أن نوليه العناية الواجبة، ولا أقول نعوضه عما فقد فما ضاع منه لا يعوضه مال.
قال لها باتريك سأفكر في الأمر مرة أخرى إذن، فقد فاجأتني شروطك. قالت جينيفر معرفتي بك تنبئني بأنك كعادتك ستفعل القليل بعد وقت طويل؛ ولكن شروطي لا بديل لها فلا حياة بغيرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة