كيف يتسبب التغير المناخي في فوضى مجتمعات الحشرات؟
قد يتسبب التغير المناخي في إحداث فوضى في مجتمعات البشرية، ومن المرجح أن يمتد أثر ذلك إلى النظام البيئي.
على الرغم من أنها تبدو كائنات مزعجة، إلا أنّ الحشرات تلعب دورًا حيويًا ومهمًا في حفظ التوازن البيئي؛ إذ تقوم بتدوير العناصر الغذائية وتوزيع البذور ونقل حبوب اللقاح، ما يساعد في تلقيح النباتات، وهناك حشرات التربة التي تحفظ بنيتها، وتُعزز خصوبتها وتتحكم في أعداد الكائنات الحية الأخرى. لكن ماذا إذا تعرضت مجتمعات الحشرات لفوضى تُخل بالتوازن البيئي؟ حسنًا هذا ما وجدته دراسة حديثة، أجرتها مجموعة بحثية بقيادة الدكتور «توماس باول»، أستاذ العلوم البيولوجية في جامعة بينغامتون في ولاية نيويورك. والجندي المُحرك لهذه الفوضى، هو التغير المناخي.
عرقلة الحركة التطورية
قبل خمسينيات القرن التاسع عشر، كانت تعيش حشرة يرقة التفاح (Apple Maggot) في أمريكا الشمالية بسلام، وكانت وقتها تتغذى على ثمار أشجار الزعرور، إلى أنّ قرر المستعمر الإنجليزي، في الخمسينيات من نفس القرن، إدخال الفاكهة التي يحبونها إلى الولايات المتحدة، وكانت أشجار التفاح. وهنا انقسمت تلك الحشرات إلى فريقين، أحدهما استمر في نظامه الغذائي المعتمد على أشجار الزعرور، والآخر اتجه لتغيير غذائه إلى أشجار التفاح. وتُعد نقطة الانقسام هذه لحظة فارقة في التاريخ التطوري لكلا الفريقين؛ فهذا الانقسام يعني أنّ مجموعة أشجار التفاح، ستتطور في مسار مختلف عن أبناء عمومتها الذين سيُكملون تطورهم في نفس المسار. وتتكون أنواع جديدة من الحشرات بمرور الوقت من أصل واحد.
لكن جاءت الدراسة الجديدة بمفاجئة أنّ التغيرات المناخية الحاصلة والمتوقعة في المستقبل، قد تأتي بالسلب على حياة هذه الحشرات، ويُعرقل مسيرتها التطورية؛ ما قد يُسبب فوضى في مجتمعات حشرة يرقة التفاح، وبالتالي الإخلال بالنظام البيئي، وعلى نفس المقياس، من الممكن أن تمتد الفوضى إلى مجتمعات الحشرات كلها، ومنها إلى النظام البيئي بأكمله، ونشر الباحثون ما توّصلوا إليه في دورية «إيكولوجي ليترز» (Ecology Letters) في 20 يونيو / حزيران من العام 2023.
ماذا بعد؟
من أجل فهم ما جرى، استخدم الباحثون:
- عينة من الدبابير الطفيلية، وهي تتغذى على تلك الحشرات التي تعتمد على التفاح والأخرى التي تعتمد على الزعرور.
- وعينة أخرى من حشرات ذباب التفاح.
- وعينة ثالثة من حشرات ذباب الزعرور.
وراحوا يربون العينات تحت ظرفين:
- الأول، كان في متوسط درجات الحرارة في السنوات العشر الأخيرة.
- الثاني، كان في ظروف أكثر دفئًا، تُحاكي درجات الحرارة المتوقعة خلال الـ 50 إلى 100 عام قادمة.
لاحظ الباحثون أنّ كلا النوعين من الحشرات، تنمو في وقت أبكر من المعتاد تحت درجات الحرارة الأكثر دفئًا. لكن زاد معدل النمو في ذباب التفاح غير القادر على التكيف قبل الشتاء، ربما بسبب ضعف تنوعها الجيني الذي يهدد بقائها. أما ذباب الزعرور، يتمتعون بتنوع جيني أكبر، ما يجعلهم أكثر مرونة ومقاومة للحرارة. وبخصوص الدبابير الطفيلية؛ فلم تتأثر بالمناخ الدافئ بصورة ملحوظة، وهذا مؤشر خطر؛ إذ قد يؤدي إلى عدم تكافؤ دورات حياتها مع دورات حياة فرائسها المُهددة بالتغيير لمواكبة التغيرات المناخية المتوقعة، ما يخلق فوضى في مجتمعات الحشرات، وقد تمتد هذه الفوضى إلى النظام البيئي بأكمله.
aXA6IDE4LjE4OC41OS4xMjQg جزيرة ام اند امز