كانت الرحلة تتجه من مطار القاهرة إلى مطار دبي، جلس بجواري مصادفة أحد الأجانب، تبادلنا التعارف، عرف أنني صحفي مصري، وعرفت أنه ألماني متخصص في شؤون البيئة.
بدأ حديثه معي عن المتغيرات المناخية، وأهمية الحدث الذي يترقبه العالم في إكسبو دبي «COP28»، استعرضنا مسيرة هذه المؤتمرات منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ عن البيئة «أحزاب الخضر»، سواء في أوروبا أو غيرها، بمثابة نوع من الرفاهية السياسية.
صمت قليلا، ثم قال معك حق، لكن الآن مع إدراك كل الشعوب بأن قضايا المناخ وضرورة الحفاظ على الكوكب لم تعد تتعلق فقط بمستقبل الشعوب، بل وجودها، فإن العالم بدأ يصغي جيدا لهذه الأحزاب، التي تدعو وتتبنى مفاهيم الحفاظ على البيئة، وهي الأحزاب التي تسمى «الأحزاب الخضراء»، ويكفي أننا لو تأملنا معاً العامين الماضيين سنجد أن هذه الأحزاب الخضراء استطاعت الحصول على نسبة كبيرة من المقاعد في الانتخابات التي شهدتها أوروبا، بل إن دورها اتسع من دائرة التركيز على القضايا المناخية والبيئة، ليصل إلى درجة أصبحت جزءاً من الحكومات، ونجحت حملات أحزاب الخضر في رفع وعي المواطن الأوروبي تجاه التحديات الكبرى التي تواجه القارة الأوروبية، سيما التحديات حول قضايا البيئة، والتغير المناخي، والاحتباس الحراري.
لا شك أن هناك دوراً فاعلاً للأحزاب الخضراء، وله جذوره منذ فعالياتها في معارضة المجتمعات الصناعية، ولنتذكر معاً ابتداء من منتصف القرن الماضي، وتحديدا بعد أن انفصل «اليسار الجديد» والحركات الطلابية في عام ١٩٦٨، وفي بداية سبعينيات القرن الماضي حرصت هذه الأحزاب الخضراء على دخول عالم السياسة والانتخابات، ولعلنا نتوقف أمام أول تجارب هذه الأحزاب في نيوزلندا، وأستراليا، والمملكة المتحدة، فضلا عن حزب الشعب البريطاني الذي تأسس وفق رؤية تحذر من الانهيار البيئي الوشيك، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت هذه الأحزاب في التفاعل مع القضايا المناخية والبيئة.
أنهى كلامه عن تجربة الأحزاب الخضراء، ثم سألني ماذا نريد من مؤتمر «COP28» الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة؟ قلت له: لا شك أن هناك استعدادات كبرى منذ فترة طويلة، واحترافية عالية، واهتماماً يتناسب مع حجم وأهمية القضية، فنحن أمام كوكب مريض، بات على حافة الكارثة، فالتهديدات المناخية لا تقل خطراً عن تهديدات الحروب.
ويكفي هنا أن أتذكر معك دراسة حديثة نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي كانت تتوقع أن الناس في عام (٢٠٥٠) قد يبدو لهم أن الجو مشمس وصحي، لكن الهواء الملوث ومستويات الأوزون السطحي ستقود إلى أزمات مناخية غير مسبوقة، ربما ستكون فواتيرها باهظة على البشرية، ولذا يحدوني الأمل الكبير في أن تكون مخرجات ونتائج «COP28» خطوة إلى الأمام في حتمية ترويض المناخ، سيما أن متغيراته ستؤثر قطعا -خلال السنوات المقبلة- على كل مناحي الحياة، بدءاً من التأثير السلبي على المياه، والغذاء، والهجرة غير الشرعية، والجفاف، والسيول والأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، وتلوث الهواء، وما يترتب عليها من ازدياد في نسب الفقر والجوع.
لذا فإننا نترقب من المشاركة العالمية في «COP28» ضرورة رفع وعي شعوب العالم في التعامل مع المناخ، وإدراك مخاطره الجامحة في المستقبل، والنظر بقوة إلى التحول في مجال الطاقة وخفض الانبعاثات الحرارية قبل عام ٢٠٣٠، وحث الجهات المانحة على مزيد من التمويل، وفتح آفاق جديدة، وأبواب لمشاريع الاستدامة والطاقة المتجددة في مختلف أنحاء العالم، فضلا عن أهمية تمكين الشباب من العمل في اقتصاد المناخ الجديد، والانتقال من حيز الاقتراحات والمفاوضات العالمية إلى حيز التنفيذ الواقعي، وهذا ما يستهدفه القائمون على «COP28».
*الكاتب: رئيس تحرير الأهرام العربي
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة