التغير المناخي وأزمة الكهرباء.. وجهان لعملة واحدة
هل التغير المناخي متهم أم ضحية فيما يتعلق بأزمة الكهرباء؟
يعاني العالم اليوم من التغيرات المناخية المتمثلة في الاحترار العالمي؛ نتيجة ارتفاع معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة. ويصاحب هذا تواتر في الظواهر الطقسية المتطرفة المتمثلة في: الفيضانات والجفاف والأمطار الغزيرة والأعاصير وغيرهم. ويترتب على ذلك الكثير من الأزمات، لعل أبرزها، أزمة انقطاع الكهرباء، والتي تعاني منها الكثير من الدول اليوم، في ظل موجات الحر الشديدة؛ خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويبقى السؤال الأهم، هل التغير المناخي ضحية أم متهم في أزمة الكهرباء؟
متهم
يُشكل انقطاع التيار الكهربائي مشكلة وإزعاجًا للبشر؛ خاصة في ظل الحرارة المرتفعة، لكن الحقيقة أنّ هناك الكثير من العوامل التي تتسبب في هذا، لعل أبرزها:
- استخدام مكثف: مع ارتفاع درجات الحرارة، تصبح الحاجة ماسة لاستهلك كميات كبيرة من الطاقة، لتشغيل مبردات الهواء، فضلًا عن الاحتياجات الشخصية من الطاقة مثل الإضاءة والطهي وغيرهم، ما قد يتسبب في تسخين خطوط الطاقة وتوسيعها أو ترهلها، وهكذا.
- ضربات البرق: غالبًا ما يرتبط البرق في أذهاننا بالطقس البارد، لكنه أيضًا قد يتسبب في رفع درجات حرارة الهواء المحيط به، ليس ذلك فقط، لكن ضرباته قد تتسبب في اتلاف خطوط الكهرباء، وبالتالي انقطاع التيار الكهربائي.
- المحولات الكهربائية: يتزايد الطلب على الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة -كما ذكرنا- وهذا قد يؤثر على طريقة عمل المحولات الكهربائية، ما يؤدي إلى رفع درجات حرارتها وإلحاق الضرر بالمعدات الأخرى.
- الأحمال الزائدة: انتشرت عبارة "تخفيف الأحمال" مؤخرًا، يأتي ذلك سعيًا من حكومات البلدان المختلفة؛ خاصة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من ارتفاع شديد في درجات الحرارة خلال أشهر الصيف تحديدًا، لتخفيف العبء الزائد على الطاقة؛ فالحرارة المرتفعة تزيد فترة بقاء البشر في منازلهم في ظل المبردات؛ هروبًا وحمايةً من الحرارة المرتفعة في الخارج.
ضحية
من المعروف أنّ مصدر الكهرباء الأبرز هو الوقود الأحفوري، والذي يتسبب استخدامه بإفراط في إطلاق انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي بدورها تؤثر على مناخ كوكبنا؛ فوفقًا لـ(World Nuclear Association)، ما يزيد عن 40% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بقطاع الطاقة، تعود إلى احتراق الوقود الأحفوري، من أجل توليد الكهرباء. تلك الانبعاثات تضع تغير المناخ على كرسي الضحية لأزمة الكهرباء.
استخدام في زيادة
على الرغم من أنّ معظم دول العالم قد حصلت على الكهرباء وتستفيد منها في حياتها اليومية؛ إلا أنّ هناك مئات الملايين من البشر الذين لم تصلهم الكهرباء في حياتهم؛ فوفقًا لموقع (Statista)، في عام 2023؛ بلغ عدد الأشخاص الذين لا تصلهم كهرباء نحو 746 مليون شخص، أغلبهم في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا. مع ذلك، يستهلك البشر في جميع أنحاء العالم الكهرباء، والتي صارت مهددة بسبب التغيرات المناخية وفي نفس الوقت مؤثر فيها.
بلغ تعداد سكان العالم نحو 8 مليارات نسمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وهذا يعني زيادة في الاحتياجات واستهلاك أكبر للموارد. وبالنظر إلى قطاع الكهرباء، نجد أنه بالفعل تضاعف استهلك الكهرباء أكثر من 3 أضعاف الاستهلاك بحلول 2022، مقارنة بعام 1980. وهذا منطقي في ظل الزيادة السكانية، وصعود دولة مثل الصين إلى ساحة الاقتصاد العالمي، وزيادة استهلاكها للطاقة؛ حتى صارت ثاني أعلى اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية عام 2000. يأتي ذلك إضافة إلى جهودها لتوفير الرفاهية وتلبية احتياجات شعبها المؤلف من 1.4 مليار نسمة.
مع ذلك؛ فلدينا بعض الدول الأخرى، والتي لا تعاني من زيادة سكانية كبيرة، لكن لديها استهلاك عالٍ من الكهرباء. على سبيل المثال، دولة مثل أيسلندا، والتي يبلغ تعداد سكانها أقل من نصف مليون نسمة، تستهلك أكبر قدر من الكهرباء لكل شخص على مستوى العالم. وأيضًا النرويج وكندا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، من ضمن الدول التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء. بذلك نجد العديد من العوامل الأخرى بجانب الزيادة السكانية التي تسهم في زيادة استهلاك الكهرباء، من ضمنها: وجود الصناعات المستهلكة للطاقة، الأوضاع المعيشية ومعايير الأجهزة المستخدمة في الحياة اليومية وكفاءتها، وغيرهم من العوامل.
حلول!
هناك الكثير من الحلول البديلة، والتي تتمثل في مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، طاقة الرياح والوقود الأخضر، بالفعل خرجت معاهدتين في آخر مؤتمر للأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين (COP28)، والذي انعقد في مدينة إكسبو دبي بدولة الإمارات. المعاهدة الأولى تهدف إلى مضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات بحلول 2030، ما يساهم في تعزيز قطاع الطاقة المتجددة، بالفعل وقعت نحو 133 دولة على تلك المعاهدة. والمعاهدة الثانية التي تهدف إلى دعم استخدام الهيدروجين الأخضر، ووقعت عليها نحو 33 دولة. فضلًا عن إعلان ضرورة الانتقال عن استخدام الوقود الأحفوري والانتقال العادل. هذه الحلول تساهم -بصورة ما- في تقليل أزمة الكهرباء وكذلك تخفيف عبء انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عنها.
تلعب الكهرباء دورًا مهمًا في حياتنا اليومية، ليس فقط من أجل الإضاءة والتهوية؛ فهي ضرورية لتشغيل أجهزة المشافي التي يعتمد عليها المرضى، ووفرت على الإنسان عناء التنقل من مكان إلى آخر بدون وسائل النقل، وساهمت في إحداث نقلة نوعية في حياة البشر خلال فترة زمنية قياسية مقارنة بالحضارات السابقة، لذلك يسعى العالم اليوم لإيجاد حلول فعّالة لتخطي تلك الأزمة والتي هي مهددة بسبب التغيرات المناخية، بنفس الوقت إنها تفاقم أزمة المناخ.
aXA6IDE4LjExNy4yMzIuMjE1IA==
جزيرة ام اند امز