لا صوت يعلو فوق "سيربيروس".. أوروبا وسط الجحيم (مقابلة)

تمر أوروبا حاليا بموجة حارة، وهناك فرصة لتجاوز الرقم القياسي الأوروبي لدرجات الحرارة البالغ 48.8 درجة مئوية، والمسجل في صقلية عام 2021.
وستؤدي الحرارة المرتفعة إلى تغيير خطط سفر أولئك المتجهين إلى وجهات العطلات الشهيرة في جميع أنحاء أوروبا.
وأدت موجة الحر الحالية - التي أطلق عليها اسم "سيربيروس" من قبل جمعية الأرصاد الجوية الإيطالية على اسم الوحش ذي الرؤوس الثلاثة الذي يظهر في "جحيم" دانتي - إلى مزيد من المخاوف على صحة الناس، لا سيما أنها تتزامن مع واحدة من أكثر فترات السياحة الصيفية ازدحامًا في أوروبا.
أوروبا ليست المكان الوحيد الذي يواجه درجات حرارة قصوى. من المقرر أن تتفاقم موجة حارة خطيرة استمرت لأسابيع في أجزاء من غرب الولايات المتحدة في نهاية هذا الأسبوع، مع وجود أكثر من 90 مليون شخص تحت تنبيهات الحرارة.
طال الطقس المتطرف مناطق بعيدة، مثل أستراليا، حيث تشهد سيدني طقسًا دافئًا بشكل غير معتاد في أشهر الشتاء، وفقًا لمكتب الأرصاد الجوية في البلاد.
كما يمكن أن تكون موجات الحرارة، التي يتم تعريفها على أنها فترات طويلة من الطقس الحار بشكل استثنائي في مكان معين، في غاية الخطورة، ففي عام 2003، اجتاحت موجة حارة أوروبا، وأودت بحياة أكثر من 70 ألف شخص، ثم في عام 2022، ضربت موجة حارة أخرى أوروبا، مما أدى إلى وفاة ما يقرب من 62 ألف شخص.
يقول علماء المناخ في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) إن درجات الحرارة يمكن أن تصل إلى 48 درجة مئوية (118.4 درجة فهرنهايت) في جزيرتي صقلية وسردينيا، حيث "من المحتمل أن تكون درجات الحرارة الأكثر سخونة على الإطلاق في أوروبا".
فما هو سبب موجة الحر الحالية، وهل هناك علاقة بينها وبين تغير المناخ، وما هي الأخطار المحتملة لها، وكيف يمكن الوقاية منها.. هذه الأسئلة وغيرها تجيب عليها، إيما هيل، أستاذ مشارك في قسم إدارة الطاقة والبيئة بجامعة كوفنتري البريطانية.
بداية: ما هو السبب المباشر لموجة الحر الحالية؟
سبب موجة الحر الحالية هو إعصار مضاد يدعى "سيربيروس"، على اسم الكلب الوحش ذي الرؤوس الثلاثة الذي يحرس بوابات العالم السفلي في الأساطير اليونانية.
وما المقصود بـ "الإعصار المضاد"؟
الإعصار المضاد أو نظام الضغط العالي، هو ظاهرة أرصاد جوية عادية يؤدي فيها الهواء الغارق من الغلاف الجوي العلوي إلى فترة من الطقس الجاف والمستقر مع تكوين سحب محدود ورياح قليلة.
وتميل أنظمة الضغط العالي إلى أن تكون بطيئة الحركة، وهذا هو سبب استمرارها لأيام أو حتى أسابيع في كل مرة، وعندما تتشكل أنظمة الضغط العالي على الأرض الساخنة، في مناطق مثل الصحراء، فإن استقرار النظام يولد درجات حرارة أعلى، لأن الهواء الدافئ بالفعل يتم تسخينه بشكل أكبر.
وما هي فترة استمرار الإعصار المضاد؟
سيضعف الإعصار المضاد أو ينهار في النهاية، وستنتهي موجة الحر، وتتوقع جمعية الأرصاد الجوية الإيطالية، أن تستمر موجة الحرارة بسبب "سيربيروس" لمدة أسبوعين تقريبا.
وهل يوجد أي علاقة لتغير المناخ بموجة الحر؟
تأثيرها غير مباشر، فمع استمرار ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ، نشهد تغيرات في أنماط دوران الغلاف الجوي يمكن أن تؤدي إلى زيادة حدوث درجات الحرارة القصوى والجفاف في أوروبا.
وتؤكد الأبحاث التي أجرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هذا الاتجاه، حيث تُظهر بياناتها زيادة في تواتر وحجم الظواهر الجوية المتطرفة منذ الخمسينيات، وكشف تحليل منفصل لموجات الحرارة الأوروبية عن زيادة حدة مثل هذه الأحداث على مدى العقدين الماضيين.
ففي الصيف الماضي، على سبيل المثال، شهدت جنوب أوروبا درجات حرارة أعلى من المعتاد في ذلك الوقت من العام، وشهدت إسبانيا وفرنسا وإيطاليا درجات حرارة قصوى يومية تتجاوز 40 درجة مئوية، وعزت خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ بالاتحاد الأوروبي هذه الظروف الحارة بشكل غير عادي إلى تغير المناخ واقترحت أن مثل هذه الأحداث من المرجح أن تصبح أكثر تكرارا وشدة وتستمر لفترة أطول في المستقبل، مما يشير إلى وجود اتجاه مقلق قد يستمر هذا العام.
وكيف تؤثر هذه الأحداث المتطرفة على الصحة؟
تؤثر موجات الحر ودرجات الحرارة القصوى على صحة الإنسان بعدة طرق، حيث يمكن أن تسبب هذه الحالات ضربة الشمس، مما يؤدي إلى أعراض مثل الصداع والدوخة، ويمكن أن يؤثر الجفاف الناتج عن الحرارة أيضًا على أداء الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية.
وكانت هناك بالفعل تقارير عن حوادث صحية مرتبطة بالحرارة في أوروبا خلال موجة الحر المستمرة، وتوفي عامل طريق إيطالي، وتم الإبلاغ عن العديد من حالات الإصابة بضربة شمس في جميع أنحاء إسبانيا وإيطاليا.
ونصحت وزارة الصحة الإيطالية السكان والزوار في المناطق المتضررة باتخاذ الاحتياطات مثل البقاء بعيدا عن أشعة الشمس خلال الجزء الأكثر سخونة من اليوم، والبقاء رطبا وتجنب استهلاك الكحول.
ما هي الآثار المتوقعة بخلاف الجانب الصحي؟
آثار موجات الحر تتجاوز الصحة الفردية، فلها عواقب اجتماعية واقتصادية أوسع، ويمكن أن تتسبب الحرارة الشديدة في إتلاف أسطح الطرق وحتى التسبب في انغلاق مسارات السكك الحديدية.
يمكن أن تؤدي موجات الحر أيضا إلى انخفاض توافر المياه، مما يؤثر على إنتاج الكهرباء وري المحاصيل وإمدادات مياه الشرب.
وفي عام 2022، أدت الحرارة الحارقة إلى عدم قدرة المحطات النووية الفرنسية على العمل بكامل طاقتها حيث أثر ارتفاع درجات حرارة النهر وانخفاض مستويات المياه على قدرتها على التبريد، تشير الأبحاث إلى أن الحرارة الشديدة كان لها بالفعل تأثير سلبي على النمو الاقتصادي في أوروبا، حيث خفضته بنسبة تصل إلى 0.5٪ خلال العقد الماضي.
وما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها بشكل عاجل وفوري للتعامل مع هذه المشكلة؟
مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، ستصبح موجات الحر أكثر حدة، ومن الأهمية بمكان أن تتخذ الحكومات في جميع أنحاء العالم إجراءات سريعة وحاسمة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الفور.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه حتى لو أوقفنا تماما انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية اليوم، فإن المناخ سيستمر في الاحترار، وهذا بسبب الحرارة التي تمتصها المحيطات بالفعل وتحتفظ بها، وبالتالي يجب أن ندرك، أنه بينما يمكننا إبطاء معدل الاحتباس الحراري ، ستستمر آثار تغير المناخ بالظهور في المستقبل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTUg جزيرة ام اند امز