التغير المناخي له أيادٍ بيضاء.. زيتون البوسنة شاهدا
تشهد زراعة الزيتون ازدهارا في البوسنة بفضل التغير المناخي.. كيف حدث ذلك؟
كانت أراضي يوري سوساك الزراعية تُغطى خلال الخريف فيما مضى بحبات برد بيضاء وحتى بطبقة ثلوج.. لكن الحرارة كانت تبلغ 28 درجة مئوية عندما جمع هذا المزارع في جنوب البوسنة والهرسك أخيراً عائلته وأصدقاءه لقطف الزيتون.
فيما يلحق التغير المناخي أضرارا كبيرة في بلدان أخرى، بينها إسبانيا، أكبر منتج عالمي لزيت الزيتون والذي تعرضت حقول هذه النبتة فيه إلى انتكاسة قوية هذا العام، تشهد هذه الزراعة طفرة في منطقة الهرسك جنوب هذا البلد الصغير في منطقة البلقان، بفضل ارتفاع درجات الحرارة.
ويقول يوري سوساك البالغ 68 عاما والذي يملك حوالى مئتي شجرة زيتون في سيرنو قرب ليوبشكي، لوكالة فرانس برس إن "المناخ تغيّر هنا. فصل الشتاء لم يعد يشهد ظروفاً قصوى، وكذلك الأمر مع الربيع. لم نعد نشهد أي جليد تقريباً".
ويعود آخر تساقط للثلوج في المنطقة إلى شباط/فبراير 2012، ما يعني أن "لا خطر بأن تتجمد أشجار الزيتون خلال الشتاء وتتعرض لأي أضرار".
ويعتزم سوساك أن يضاعف عدد الأشجار التي يملكها بعد سنة شهدت مردوداً زراعياً قوياً، إذ حصد خمسة أطنان من الزيتون وصنع ما يقرب من 16 لتراً من الزيت لكل مئة كيلوجرام من هذه الثمرة.
وقد كان سوساك من طلائع مزارعي المنطقة الذين تجرؤوا على زرع بعض أشجار الزيتون عام 1989.
- "سخرية"
ويوضح المزارع الذي يدير مع زوجته أرضاً ممتدة على ثلاثة هكتارات على بعد حوالى ثلاثين كيلومترا من الساحل الكرواتي على البحر الأدرياتيكي، أنه طلب "المشورة من جيران قدماء قالوا لي إن هذه الزراعة لم تكن موجودة يوماً هنا وقد سخروا مني بعض الشيء، لكنّي أثبتت العكس".
وبحسب تحليل أصدره أخيرا المعهد الزراعي المتوسطي البوسني، فإن "الاتجاهات تظهر أن الاحترار العالمي يدفع بحقول أشجار الزيتون نحو الشمال".
وتؤكد الإحصائيات المرتبطة بالأحوال الجوية الملاحظات المسجلة ميدانياً.
ويوضح رئيس قسم الأرصاد الجوية الزراعية في معهد الأرصاد الجوية بالعاصمة سراييفو نجاد فوليفيكا أن "طول الفترة مع معدل حرارة يومية يفوق 15 درجة مئوية يرتدي أهمية كبيرة للزيتون".
ويشير إلى أن عدد هذه الأيام بات يصل إلى 192 سنوياً في المنطقة المعنية، أي بزيادة 18 يوماً من المعدل المسجل بين عامي 1961 و1990.
لكن يوري سوساك يقول إن هذا الأمر يشكل "امتيازاً ذا وجهين"، لأن الأمطار "أصبحت نادرة جدا" ما لا يناسب أشجار الزيتون التي تحتاج إلى المياه.
وينجح المزارع مع ذلك في تدبر وضعه لأن هذه المنطقة تقع فوق آبار جوفية غنية بالمياه، في بلد يضم بحسب البنك الدولي مخزونات مياه من بين الأكبر في أوروبا قياساً على عدد السكان.
وعلى غرار كثيرين آخرين من العاملين في مجال زراعة الزيتون في المنطقة، حفر سوساك بئرا بعمق 300 متر، ما سمح له بسقي أشجار الزيتون التي يملكها من خلال نظام ري بالتنقيط.
- ميداليات
ويلفت مدير المعهد الزراعي المتوسطي البوسني ماركو إيفانكوفيتش إلى أن زراعة الزيتون شهدت نمواً اعتباراً من 2005، وباتت أشجار هذه الثمرة تغطي 350 هكتاراً مع ما يقرب من 115 ألف شجرة، بينها 95 ألفاً تعطي ثمراً.
وفي كل سنة، يُزرع ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف شجرة زيتون، أي بزيادة سنوية تراوح بين 35 و50 هكتاراً، بحسب إيفانكوفيتش.
وقد وضع المعهد هدفاً للسنوات المقبلة يقضي ببلوغ عتبة ألف هكتار من المساحات المزروعة بالزيتون في المنطقة.
وبلغ الإنتاج سنة 2022 ما يقرب من 300 ألف لتر، أي ما يزيد بقليل عن ثلث الاستهلاك الضعيف أصلاً في البلد الذي يعد ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة، وفق المصدر عينه.
وتمثل البوسنة نسبة ضئيلة للغاية مقارنة مع الإنتاج السنوي لزيت الزيتون في العالم والبالغ 3,1 ملايين طن، لكنّ مزارعي البلاد، بينهم يوري سوساك، يحصدون ميداليات خلال المسابقات في بلدان العالم، بينها كرواتيا، الرائدة إقليمياً في مجال زراعة الزيتون.
حتى أن إنجازات البعض تتخطى نطاق المنطقة، كما حصل مع المزارع المحلي ميركو سكيغرو الذي يفوز منذ خمس سنوات بالميدالية الذهبية في المسابقة الدولية لزيت الزيتون في نيويورك، وهي من الأشهر في العالم.
aXA6IDE4LjIyMS4xNjcuMTEg جزيرة ام اند امز