التغير المناخي يضرب أشجار الغابة السوداء
تعاني الغابات في جميع أنحاء العالم من آثار التغير المناخي، ولم تسلم الغابة السوداء أيضًا.
على مسافة 785 كيلو مترا، جنوب غرب العاصمة الألمانية برلين، تقع الغابة السوداء على مساحة 6009 كيلومترات مربعة، تتميز الغابة السوداء بكثافة أشجارها التي تحجب ضوء الشمس من الوصول إلى أرضها؛ فيُخيّل للواقف فيها أنه في مكان مظلم، ومن هنا جاء اسمها، الغابة السوداء. لكن طبيعتها المزدحمة بالغطاء النباتي، هي التي جعلتها مادة جذابة للدراسة، والبحث في مدى تأثرها بالتغيرات المناخية، ما دفع باحثين شغوفين من جامعة فرايبورغ إلى البحث في بيانات تلك الغابة الغامضة، ومراقبة معدلات وفيات أشجارها لـ 68 عامًا، وأظهرت النتائج ارتفاع معدلات الوفيات وانخفاض النمو؛ نتيجة التغيرات المناخية.
شجرة التنوب تخبرنا
تتبع الباحثان التغيرات الحاصلة في معدلات وفيات أشجار التنوب النرويجية في الغابة السوداء، وهي شجرة حساسة للحرارة والجفاف، ووجدوا أنّ هناك تراجعًا ملحوظًا في أعدادها؛ بسبب توازن الماء المناخي، الذي يتحكم في معدلات نمو ووفيات الأشجار، بين شهري مايو/أيار إلى سبتمبر/أيلول؛ أي بعد فصول الصيف الجافة والحارة، خلال آخر 4 سنوات. ونُشرت الدراسة في دورية «جلوبال تشانج بيولوجي» (Global Change Biology) في أغسطس / آب 2023.
توازن الماء المناخي (CWB)
وهو الفرق بين عُمق مياه المطر وعُمق التبخر في مكان معين، خلال فترة زمنية محددة، وعندما قارن الباحثان بيانات توازن الماء المناخي التي توّصلوا إليها بين عامي 1953 إلى 2020 (68 عامًا)، ببيانات أخرى لمنطقة الغابة السوداء بين عامي 1881 إلى 2020 (140 عامًا تقريبًا)، وجدوا أنّ معدلات وفيات الأشجار قد ازداد خلال العقود الماضية -بصورة خاصة- وبلغ ذروته في عام 2019، أكثر من 7 أضعاف متوسط معدل الوفيات بين عامي 1953 إلى 2017، وكان المحرك الرئيسي لارتفاع معدلات وفيات الأشجار وانخفاض نمو الأشجار، هو الخلل الحاصل في توازن الماء المناخي في الغابة السوداء، والذي انخفض من 220 ملليمتر في عام 1881 إلى 134 ملليمتر في عام 2020. وكان معدل الانخفاض الأكبر خلال آخر 70 عامًا.
علمًا بأنّ الباحثين قد استبعدوا من دراستهم وفيات الأشجار الناتجة عن العواصف والحرائق والجليد والثلوج، وركزوا على عاملي الحرارة والجفاف المرتبطين بارتفاع درجات الحرارة. وخلص الباحثون إلى أنّ الفترات الباردة الرطبة، صارت أضعف، بينما الفترات الجافة الدافئة، صارت أكثر حدة.
تلعب الأشجار دورًا هامًا في حفظ التوازن البيئي، لكنها حساسة للتغيرات الحاصلة في الحرارة، ولا تحتمل أنواع كثيرة منها الجفاف، من جانب آخر؛ فإنها لا تسلم من الحرائق، لكن يبدو أنّ التغيرات المناخية ستغير الكثير خلال السنوات المقبلة، كما هو متوقع إذا استمر كوكبنا في الاحترار.
aXA6IDMuMTM4LjEzNC4yMjEg جزيرة ام اند امز