التغير المناخي والدين.. إعادة إنتاج لمشهد فيروس كورونا (خاص)
خلفت حالة الرعب التي اجتاحت العالم مع بدايات عام 2020 بسبب فيروس كورونا، تأويلات ربطت بين فيروس يحصد أرواح الملايين، وقيام الساعة.
وجاءت مصر ضمن أكثر دول العالم بحثا على "جوجل"، عما إذا كان كورونا من علامات الساعة أم لا، وتم الاستشهاد حينها بحديث للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) للتأكيد على أن نهاية العالم قد اقتربت.
واضطرت دارة الإفتاء المصرية حينها إلى التدخل، مؤكدة على موقعها الإلكتروني أن "الدين لا ينظر متى تقوم الساعة، وعندما غيَّب الله عنا قيام الساعة أمرنا أن نديم العمل لا أن ننتظر الساعة".
ويبدو أن المشهد يتكرر، ولكن هذه المرة مع التغيرات المناخية التي أسفرت عن مشاهد غير مسبوقة هذا العام في أرض شبه الجزيرة العربية، تمثلت في هطول غزير لأمطار صيفية في مناطق توصف بأنها الأشد جفافا في العالم، مثل صحراء الربع الخالي في السعودية، وهو ما دفع البعض إلى استدعاء حديث للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) جاء فيه أنه "لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تعودَ أرضُ العرَبِ مُروجًا وأنهارًا"، ورأوا في هذه الأمطار الغزيرة مقدمة لتحقيق هذا الشرط.
وعلميا توصف أرض شبه الجزيرة العربية بأنها كانت "صحراء خضراء"، وهو ما أكده مشروع بحثي قاده قبل نحو 3 سنوات العالم سيباستيان لونينج، من معهد الهيدروغرافيا والجيولوجيا وعلوم المناخ بسويسرا، حيث أكد في كتاب "جيولوجيا العالم العربي" الصادر في 2019، والذي أصدره بمشاركة رفاقه بالمشروع، أن مناخ الهولوسين في الجزيرة العربية قبل 12 ألف عام كان شديد الحرارة، وصاحبت هذه الحرارة رطوبة متزايدة ونتج عن ذلك هطول موسع للأمطار، جعل من الصحراء التي أصبحت قاحلة اليوم منطقة غنية بالنباتات.
ما أكده لونينج ورفاقه في 2019، ذكره النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في حديثه "لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تعودَ أرضُ العرَبِ مُروجًا وأنهارًا"منذ أكثر من ألف عام، حيث يشير الحديث إلى أن أرض العرب كانت مروجا (حدائق) وأنهارا، ولكن هل ذلك يعني أن الأمطار التي هطلت بغزارة هذا العام على مناطق صحراوية كانت توصف بأنها الأكثر جفافا في العالم، هي مقدمة لقيام الساعة كما يقول الحديث النبوي.
علميا.. لا يعول العلماء كثيرا على حدوث تغير في موسم أو موسمين، لأن "القول بأن الجزيرة العربية على أعتاب دورة مناخية جديدة تعيد مشهد الماضي، يقتضي جمع البيانات لمدة 30 عاما أو أكثر حتى يمكن الخروج بهذه النتيجة".
ويقول د. مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب لـ"العين الإخبارية"، أن ما حدث حتى الآن لا يعدو أن يكون ظواهر مناخية جامحة، تحدث بسبب محاولة المناخ إصلاح نفسه، بسبب ضغوط الاحتباس الحراري الواقعه عليه نتيجة ممارسات البشر، فيظهر ذلك في صورة ظاهرة جوية جامحة (شديدة القوة) أو سابقة لأوانها، ولكنها ليست متواتره، أي لا تحدث في كل عام في نفس التوقيت، وبنفس الكيفية".
ويعود علام إلى ما حدث في العاصمة المصرية القاهرة قبل سنوات عندما هطلت في 9 ساعات أمطار كانت تسقط في 9 سنوات، ولم يتكرر هذا المشهد مجددا، لأن ما حدث كان "ظاهرة مناخية جامحة" لا يمكن البناء عليها، إلا إذا تكررت لسنوات عدة، وهو ما لم يحدث.
وأوضح علام أن الربط بين مثل هذه الظواهر المناخية والدين ليس بالجديد، وهو نتاج محاولات تسعى إلى أن تعزي التغيرات المناخية إلى أمور لها علاقة بالفلك، مثل حدوث تغير في حركة دوران كوكب الأرض حول الشمس، ودوران القمر حول الأرض.
وأضاف: "الثابت علميا أن كل 10 آلاف سنة يحدث انحراف في دورة الفلك يتسبب في حدوث تغيرات مناخية، ولكن الثابت علميا أيضا أن ما يحدث الآن من تغيرات ليس له أي علاقة بالفلك، بل هو من صنع الإنسان وما أدخله على البيئة من ملوثات، منذ نحو 500 عام، مع بدء الثورة الصناعية".
وخلص علام من ذلك بأنه "لا يجب الزج بالدين في مثل هذه القضايا، لا سيما أن يوم القيامة هو في علم الله، ولسنا مأمورين بالانشغال بموعده".
ويتفق رجال الدين مع ما ذهب إليه علام، وقال الشيخ صبري عبادة، وكيل وزارة الأوقاف المصرية لـ"العين الإخبارية": "الثابت جيولوجيا أن أرض العرب كانت مروجا، وجاء طوفان نوح وحولها إلى صحراء جرداء، وليس معنى قول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنها ستعود مروجا مرة أخرى أن نشغل أنفسنا بذلك".
وعاد الشيخ عبادة إلى ما حدث بعد اندلاع جائحة فيروس كورونا، عندما ظهرت أصوات تقول إن الفيروس هو نهاية البشرية تمهيد لقيام الساعة، وتساءل: "هل يعلم من قالوا ذلك أن فيروس الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 حصد أرواح 50 مليون شخص، وقضى على نحو ثلث البشرية، فهل كان ذلك أيضا مقدمة لقيام الساعة".
وقال عبادة: "علامات الساعة ظهرت ببعثة النبى (صلى الله عليه وسلم)، فقد كانت بعثته إحدى علامات الساعة الصغرى، ونحن لا يجب أن ننشغل بموعد الساعة، لأن لكل منا قيامته، فلماذا ننشغل بموعد القيامة الكبرى بينما قيامة كل منا تبدأ بوفاته؟".
من جانبه، يشير أحمد شبل، مدرس الحديث بجامعة الأزهر، إلى أن التركيز فقط على عودة أرض العرب مروجا وأنهارا هو محاولة للي النص لتحقيق الغرض المستهدف، موضحا أن الحديث تضمن علامات أخرى، ومنها "أن يكثر المال ويفيض" و"أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يستحق".
وهناك تفسير للإمام النووي يحاول الربط بين كل العلامات، وهو أن الأرض ستكون أكثر اخضرارا والمياه كثيرة، ولكن سيحدث ذلك في وقت تكون الحروب فيه قد قضت على أغلب البشرية، فيكون المال وفيرا ولا يجد الباقون على قيد الحياة وقتها أشخاصا يتصدقون عليهم.
ولا يرى شبل أن من الحكمة الانشغال بعلامات الساعة، بل يجب الانشغال بأعمالنا ورفعة أوطاننا، لأن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أمرنا بأنه (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).
ويضيف أن الموت أقرب للإنسان من شراك نعله، كما يقول الحديث النبوي، وعليه فيجب أن ننشغل بأمر قيامتنا، لأن الإنسان إذا مات تقوم قيامته، بدلا من الانشغال بالقيامة الكبرى، التي قد تأتي ونحن في عداد الموتى.
aXA6IDE4LjIxNi43MC4yMDUg جزيرة ام اند امز