التغير المناخي والهجرة البيئية.. خطر مركّب يهدد أوروبا
الحروب والاقتتال الداخلي والاضطهاد، أسباب تاريخية للهجرة وطلب اللجوء، أُضيف إليها مؤخرًا الهجرة البيئية، وهي خطر مركّب يهدد أوروبا.
تشهد أوروبا الآن سلسلة حرائق غابات غير مسبوقة، تستعرّ تحديدًا في: إسبانيا والبرتغال وفرنسا واليونان، وبجانب مخاطر التغير المناخي، تشير توقعات إلى خطر آخر يهدد القارة العجوز وهو الهجرة البيئية.
17 مليون مهاجر بيئي
أكد مركز مراقبة النزوح الداخلي، ومقره في جنيف، تأثير التغير المناخي على النزوح والهجرة، ففي العام 2018 اضطر 17.2 مليون شخص إلى ترك ديارهم في 148 دولة وإقليم بسبب كوارث بيئية أثرت سلبًا على حياتهم.
وتشير منظمة الهجرة الدولية إلى أن نحو 265 مليون شخص اضطروا لمغادرة منازلهم في الفترة ما بين 2008 و2018 بسبب الكوارث المناخية، فيما يحذر خبراء من أن هذه الأرقام قابلة للازدياد، وسط تزايد مخاطر التغيرات المناخية.
وتؤثر التغيرات البطيئة في البيئة، مثل تحمض المحيطات والتصحر وتآكل السواحل، بشكل مباشر على سبل عيش الناس وقدرتهم على البقاء في أماكنهم الأصلية، ما يدفع دفعًا نحو النزوح الداخلي أو الهجرة الخارجية.
وتقول رئيسة قسم الهجرة والبيئة وتغير المناخ بمنظمة الأمم المتحدة، دينا أيونيسكو، إن هناك احتمالًا قويًا بأن يهاجر عدد أكبر من الناس بحثًا عن فرص أفضل، لأن الأحوال المعيشية تزداد سوءا في أماكنهم الأصلية.
توقعات متشائمة
تبدو تنبؤات الأمم المتحدة للقرن الـ21 بشأن التغيرات المناخية والهجرة متشائمة إلى حد بعيد، وحذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة من أن التغييرات الناجمة عن أزمة المناخ ستؤثر على أنماط الهجرة.
أما البنك الدولي، فقد طرح توقعات للهجرة الداخلية للمناخ تصل إلى 143 مليون شخص بحلول العام 2050 في 3 مناطق في العالم، إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء بشأن المناخ، ومن هذه المناطق القارة الأوروبية.
السيناريو الأسوأ
أظهرت دراسة نشرتها دورية "ساينس" العلمية الشهيرة عام 2018 أن "الصدمات المناخية" التي تحدث سواء بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها ستؤدي إلى مضاعفة طلبات اللجوء والهجرة لدول الاتحاد الأوروبي.
وكشفت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة كولومبيا الأمريكية، عن أنه من المرجح أن تتراوح الزيادة في طلبات اللجوء لأوروبا بين نسبة 28%، وهو ما يوازي 98 ألف طلب لجوء إضافي، ونسبة 188%، وهو ما يعادل 660 ألف طلب لجوء.
وفي حال وصول طلبات اللجوء سنويًّا إلى هذا الرقم، سيكون هذا أسوأ سيناريو يواجه أوروبا، وفقًا للدراسة، أما إذا تحقق السيناريو الأسوأ فسيكون عشرات الملايين من اللاجئين والمهاجرين قد زحفوا نحو أوروبا بحلول عام 2100.
استغرقت الدراسة 14 عامًا، ومسحت 103 دول؛ لرصد تأثير تغير درجات الحرارة فيها، خاصة في المناطق الزراعية، وأظهرت أن هذا التغير المناخي أدى إلى نزوح المزيد من مواطني تلك الدول إلى الخارج.
سلوك عدواني
وجد باحثو الدراسة علاقة وثيقة بين "الصدمات المناخية" وزيادة طلبات اللجوء، وتوصلوا إلى أن طلبات اللجوء للاتحاد الأوروبي تتزايد بشكل مطَّرد في الدول الـ103 التي شملتها دراستهم.
ووجد الباحثون أن انخفاض درجات الحرارة أو ارتفاعها عن 20 درجة مئوية، يؤدي إلى زيادة الرغبة لدى مواطني تلك الدول في الهجرة، لكنهم أكدوا أن ارتفاع درجات الحرارة له تأثير أكبر في زيادة طلبات اللجوء.
وفسر الباحثون هذا الاتجاه بأنه حينما ترتفع درجات الحرارة يزيد السلوك العدواني للإنسان، وتنخفض القدرة على الإنتاج، ما يؤدي في النهاية إلى انخفاض الناتج القومي للدولة، ويدفع أبناء تلك الدولة للبحث عن فرص أفضل في دول أخرى أكثر ثراءً.
"اللجوء البيئي"
أقر الميثاق العالمي للاجئين، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية 2018، بأن العوامل المناخية والكوارث الطبيعية تؤدي إلى تزايد حركات اللجوء، ومع ذلك لا يوجد حتى الآن تعريف متفق عليه عالميا أو ملزم قانونيا لمصطلح "لاجئو المناخ".
وفي تصريحات سابقة على موقع الأمم المتحدة تعود لأغسطس/آب 2019، قالت رئيسة قسم الهجرة والبيئة والتغير المناخي في المنظمة الدولية للهجرة، دينا إيونسكو، إنه يجب الحديث عن "هجرة مناخية" وليس عن "لجوء مناخي".
حلول لمشكلة معقدة
ترى "إيونسكو" أن عملية مواجهة تحديات الهجرة البيئية بطريقة تعود بالنفع على البلدان والمجتمعات، بما في ذلك المهاجرون واللاجئون، هي عملية معقدة تضم العديد من الجهات الفاعلة المختلفة.
وتتراوح حلول هذه العملية بين التغيير في ممارسات الهجرة، مثل أنظمة التأشيرات ووضع تدابير حماية تقوم على حقوق الإنسان. والأهم من ذلك، بحسب "إيونسكو"، تفعيل نهج منسق بين الحكومات الوطنية يجمع خبراء من مختلف مناحي الحياة.
وقالت "أيونيسكو": "لا يوجد حل واحد للاستجابة لتحدي الهجرة البيئية، ولكن هناك العديد من الحلول التي تعالج جوانب مختلفة من هذه المعادلة المعقدة. لا يمكن تحقيق أي شيء ذي مغزى دون مشاركة قوية من جانب الجهات الفاعلة في المجتمع المدني".
وختمت: "أعتقد أننا بحاجة إلى وقف الخطابات التي تركز فقط على اعتبار المهاجرين ضحايا المأساة. الصورة الأكبر بالتأكيد قاتمة في بعض الأحيان، لكن علينا أن نتذكر أن المهاجرين يبرهنون كل يوم عن قدرتهم على البقاء والازدهار في المواقف الصعبة".
aXA6IDE4LjIyMi41Ni43MSA= جزيرة ام اند امز