مستقبل المناخ بات مخيفا.. لماذا تحترق أوروبا؟ (خاص)
منذ ما يزيد عن شهر، اشتعلت أولى شرارات حرائق الغابات في أوروبا، فبمرور الوقت ازدادت شراستها واتسعت رقعتها بمعدلات أثارت قلق الكثيرين.
وابتداء من يونيو/حزيران الماضي لوحظ تكرار وقائع حرائق الغابات جنوب القارة العجوز، حيث باتت مشاهد التهام ألسنة اللهب للأشجار وجهود رجال الإطفاء لإخمادها جوا معتادا، وهو ما شهدته عدد من الدول منها اليونان وفرنسا وإسبانيا والبرتغال.
وازدادت حدة الحرائق في بعض المناطق بالدول سالفة الذكر، تزامنا مع بلوغ درجات الحرارة فيها معدلات غير مسبوقة، حيث وصلت في بعض الأحيان إلى 45 درجة مئوية وأكثر.
حرائق الغابات ظاهرة طبيعية
تفاقم الوضع داخل أوروبا بمرور الأيام، سبّب حالة خوف من تبعات الحرائق التي لا تتوقف في الفترة الراهنة، وأثارت رعبًا تجاه ما سيكون عليه شكل القارة العجوز والعالم مستقبلًا في ظل التطورات السريعة التي تشهدها، وولّد داخل كثيرين رغبة في معرفة السر وراء تدهور الوضع.
للوقوف على أسباب الحرائق وفرص السيطرة عليها وما سيكون عليه الوضع المناخي في العالم مستقبلًا، قال الدكتور ماهر عزيز، استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ وعضو مجلس الطاقة العالمي، إن الغابات تشتعل حينما ترتفع درجات الحرارة فوق 45 درجة مئوية.
وأضاف "عزيز"، لـ"العين الإخبارية"، أن بعض المناطق تحتوي على أعشاب متخمرة يصدر عنها غازات قابلة للاشتعال، منوها بأن هذه العملية تعتبر من "الظواهر الطبيعية في أماكن كثيرة من الغابات، نتيجة تحلل بعض النباتات".
وأكد "عزيز" أن إقامة الريفيين والقرويين بهذه المناطق يحد من اشتعال الحرائق، والذين بدورهم يتخلصون من الأعشاب القابلة للتحلل، في عملية تشبه "الصيانة الدورية" حسب تعبيره، ما ينتج عنه "منع تراكم الأعشاب ثم تحللها، وبالتالي منع صدور غازات قابلة للاشتعال".
تطرف
رغم تأكيده على أن الحرائق أمر طبيعي، لكن "عزيز" أشار إلى أن هذه الوقائع باتت "متطرفة وشديدة التكرارية"، وهو ما يعود إلى التغيرات المناخية، التي أدت إلى تراكم غازات الاحتباس الحراري في جو الأرض، باتت عاملا جديدا يغير المعادلة.
وأوضح "عزيز" أنه بموجب التغيرات المناخية باتت الموجات الحارة تضرب أوروبا، في أمر ظهر جليا خلال السنوات الأخيرة الماضية، حيث باتت ترتفع في أوقات لم يعتد عليها البشر.
إغلاق كورونا لم يؤثر
بتفشي فيروس كورونا المستجد بنهاية عام 2019 خرجت بعض التقارير لتؤكد انخفاض نسبة تلوث الهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إلا أن هذا الأمر ذهبت إيجابياته في مهب الريح.
فذكر "عزيز" أن فترة تطبيق إجراءات الإغلاق خلال تفشي الموجة الاولى لكورونا نجم عنها انخفاض متوسط غازات الاحتباس الحراري في الجو، إلا أن استعادة الأنشطة البشرية، كعمل المصانع واستخدام وسائل المواصلات وغيرها، عادت معدلات الزيادة كما كانت.
المستقبل مخيف
حذر "عزيز" من أن مستقبل المناخ على الأرض قد يكون كارثيا بحلول عام 2030، خاصة إذا استمرت معدلات زيادة الانبعاثات التراكمية في الجو دون توقف.
وشرح "عزيز": "في سنة 2010 وصلت كمية الانبعاثات التراكمية إلى 30 مليار طن ثاني أكسيد الكربون معادل في جو الأرض، لو استمرينا هكذا حتى عام 2030، سنصل إلى 54 مليار طن".
وأردف استشاري تغير المناخ "حتى نقف عند درجة ونصف درجة مئوية كارتفاع في درجة الحرارة لا بد ألا تزيد الانبعاثات عن 32 مليار طن، وحتى نقف عند درجتين لا يصح أن نزيد عن 38 مليار طن".
وأكمل: "نحن لدينا فجوة في الانبعاثات تتراوح ما بين 16 مليارا إلى 22 مليار طن زيادة عن المعدلات والمطلوب، ما يشكل مشكلة كبرى للعالم، لو وصلنا إلى عام 2030 بمعدل انبعاثات 54 مليار طن ثاني أكسيد كربون معادل، هذا يعني ارتفاع درجة حرارة جو الأرض من 2.6 إلى 4.8 درجة مئوية، ستكون كارثة كبيرة جدا وهذا هو المستقبل المخيف".
هل تجاوزنا نقطة اللاعودة؟
نوه "عزيز" إلى أن العوامل السابقة تهدد العالم أجمع وليس أوروبا فقط، فما شهدته القارة العجوز من خسائر تعاني منه أيضا أجزاء أخرى من العالم.
رغم هذا، يرى "عزيز" أننا لم نتجاوز "نقطة اللاعودة" حتى الآن، ما يعني إمكانية السيطرة على الأوضاع قبل تفاقمها بمرور السنوات: "هناك أمل.. نحتاج لجهود ضخمة حتى لا نصل إلى نقطة اللاعودة".
آخر المستجدات
جديرٌ بالذكر أن المساحات التي اجتاحتها النيران في الأسابيع الأخيرة في أوروبا تزيد عن المساحة الإجمالية للأراضي المُحترقة خلال عام 2021 بأكمله، حسب بيان أصدره نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبية التابع لبرنامج مراقبة الأرض للاتحاد الأوروبي "كوبرنيكوس".
فيما تستمر جهود السلطات في جنوب أوروبا للسيطرة على حرائق الغابات الضخمة في دول من بينها إسبانيا واليونان وفرنسا، وسط ارتفاع درجات الحرارة.
وخلال الأسبوع الماضي رشت طائرات الهليكوبتر في إسبانيا الماء في محاولة لإخماد ألسنة اللهب، إذ جعلت الحرارة الشديدة والتضاريس الجبلية من المهمة أكثر صعوبة على رجال الإطفاء.
وأصدرت حينها هيئة الأرصاد الجوية الوطنية هناك تحذيرات من ارتفاع درجات الحرارة، مع وصولها إلى 42 درجة مئوية في أراجون ونافارا ولا ريوخا في الشمال.
أما في فرنسا فقالت السلطات الإقليمية، الأسبوع الماضي، إن حرائق الغابات أتت حتى الآن على مساحة تزيد على 27 ألف فدان في منطقة جيروند جنوب غرب البلاد، مضيفة أنه تم إجلاء أكثر من 14 ألف شخص.
وأفادت السلطات في بيان بأن أكثر من 1200 من رجال الإطفاء يحاولون إخماد الحرائق.
وفي البرتغال، سعى رجال الإطفاء إلى السيطرة على خمس حرائق في غابات وفي مناطق ريفية في وسط وشمال البلاد، وكان أكبرها بالقرب من مدينة تشافيس الشمالية.
وأعلنت وزارة الصحة البرتغالية، الأسبوع الماضي، وفاة 659 شخصا بسبب موجة الحر، معظمهم من كبار السن.
وقالت إن الذروة الأسبوعية بلغت 440 حالة وفاة، عندما تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة في عدة مناطق و47 درجة في محطة للأرصاد الجوية في منطقة فيزيو بوسط البلاد.
وقالت فرقة الإطفاء في اليونان، خلال نفس الأسبوع، إن 71 حريقا اندلع في غضون 24 ساعة، حتى حاول أكثر من 150 من رجال الإطفاء السيطرة على حريق مشتعل في غابات ومزارع في ريثيمنو بجزيرة كريت.
aXA6IDMuMTUuMjM5LjUwIA==
جزيرة ام اند امز