عادت قضية التغير المناخي لتفرض وجودها من جديد على أجندة المجتمع الدولي مدفوعة بعاملين أساسيين.
الأول هو تنامي خطورة التداعيات الناجمة عن هذه الظاهرة التي باتت ماثلة للعيان، سواء فيما يتعلق بتغير أنماط الطقس الذي يهدد الإنتاج الغذائي أو ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، والثاني هو وجود إدارة أمريكية جديدة تضع قضية التغيرات المناخية ضمن قائمة أولوياتها، وهو الأمر الذي تجسد في مؤشرات عدة؛ أبرزها عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، واستضافتها "قمة القادة حول المناخ" التي عقدت بالتزامن مع مناسبة يوم الأرض الأسبوع الماضي، بمشاركة قادة وزعماء أكثر من أربعين دولة، من بينها دول كبرى تتحمل مسؤولية النسبة الأكبر من تلوث بيئة الكوكب الذي نعيش عليه كالولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا.
وشكلت هذه القمة الأخيرة تحديداً حدثاً مهماً يستوجب التوقف عنده قليلاً، ليس فقط لما أسفرت عنه من تعهدات والتزامات من قبل الدول المشاركة فيها باتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي وتبني مبادرات مهمة في هذا المجال مثل تمويل برامج الطاقة النظيفة والابتكارات والتحول إلى ما يعرف بالمشاريع الخضراء، ولكن أيضاً لاعتبارين آخرين؛ يتعلق الأول بما عكسته هذه القمة والكلمات التي ألقيت خلالها والنتائج التي أسفرت عنها من وجود رغبة دولية في تعزيز التعاون وتبني سياسات منسقة لحماية الكوكب من خطر التغيرات المناخية وتقليل استخدامات ثاني أكسيد الكربون، بما يحقق الأهداف التي أقرتها قمة باريس للمناخ.
وهذا الأمر يحظى بأهمية كبيرة في ضوء العديد من التقارير والدراسات الجادة التي تحذر من تداعيات خطيرة على كل المستويات في المستقبل إذا لم يتم تبني سياسات دولية منسقة لمواجهة هذه الظاهرة، ومن ذلك الدراسة التي أجرتها شركة "سويس ريانشورانس" وهي أكبر شركة لإعادة التأمين في العالم، والتي قدرت أن يتسبب التغير المناخي بتأثيراته المختلفة على الزراعة والأمراض والبنية التحتية والإنفاق الحكومي وغير ذلك، في خسارة الاقتصاد العالمي 23 تريليون دولار، أي 10% من قيمته بحلول عام 2050، هذا ناهيك عن الأضرار البشرية والإنسانية الضخمة التي قد تترتب على ذلك. وقد كانت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش أمام القمة معبرة عندما حثّ زعماء العالم على التحرك "الآن" لوضع الكوكب على مسار أخضر لأننا "على حافة الهاوية".
الاعتبار الثاني، يتعلق بالمشاركة الفاعلة لدولة الإمارات في هذه القمة، والتي أكدت من جديد أنها دولة مسؤولة عالمياً وعنصر رئيس في أي جهد لمواجهة التحديات العالمية، حيث طرحت الدولة بالشراكة مع الولايات المتحدة وبدعم مجموعة من الشركاء الدوليين الآخرين "مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ"، وهي مبادرة جديدة لدعم البحث والتطوير والابتكار في أنظمة الغذاء على مدى السنوات الخمس المقبلة للحد من تداعيات تغير المناخ والتكيف معه.
وتعكس هذه المبادرة التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال القمة، التزام الإمارات الدائم بالحفاظ على البيئة ومكافحة ظاهرة التغير المناخي، وهو التزام بدأ مع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد طيب الله ثراه "رجل البيئة الأول" و"بطل الأرض"، كما وصفته العديد من المنظمات الدولية، واستمر وتعزز لاحقاً عبر سلسلة من المبادرات والسياسات والإجراءات التي تبنتها القيادة الرشيدة، سواء في مجال حماية البيئة، أو في مجال دعم حلول الطاقة النظيفة والمتجددة ليس فقط داخل الإمارات وإنما في العالم كله، وتطبيق تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، وغيرها من الجهود التي يصعب حصرها في هذا المجال.
إن مواجهة ظاهرة التغير المناخي وحماية كوكب الأرض من المخاطر الكبيرة التي يمكن أن يسببها تحتاج إلى عمل دولي منسق وجهود تعاونية بين مختلف دولة العالم، وتقدم دولة الإمارات نموذجاً في كيفية التحرك البناء والمسؤول في التعامل مع هذه الظاهرة، سواء على مستوى السياسات الداخلية أو على مستوى التعاون الدولي، وهو نموذج كفيل إذا تم تعميمه عالمياً بأن يحقق الأهداف الطموحة التي تنشدها اتفاقية باريس للمناخ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة