هل يستطيع الأفراد أن يسهموا في معالجة أزمة المناخ؟
الجواب البسيط والحقيقي هو: لا. ولا احتجاجاتهم يمكنها أن تنفع. هناك جانب أهم بكثير، هو الذي سوف يجعل الحل ممكنا.
الذين تظاهروا في غلاسكو احتجاجا على ما اعتبروه فقر التعهدات التي قدمها الزعماء الذين شاركوا في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 26"، كانوا غاضبين، ولكنهم لم يقفوا على حقيقة المأزق الذي يواجه زعماء العالم. فهؤلاء محاصرون بقيود لا يمكن التغلب عليها.
فلا تستطيع، على سبيل المثال، وقف التنمية الاقتصادية لمجرد الحاجة إلى حماية المناخ. هذا شيء يشبه التوقف عن تناول الطعام، لكي تتنفس هواء نظيفا.
الجواب الصحيح، هو أن نأكل وأن نتنفس في آن. والحلول الحقيقية لا يصح أن تستبدل خطرا بآخر.
العلم هو الحل. ويستطيع المرء أن يراهن على أن البشرية التي تغلبت على وباء كورونا في غضون عامين، سوف يكون بوسعها أن تتغلب على التدهور المناخي في عدد محدود من السنوات، أقرب بكثير من المواعيد المطروحة بين عامي 2050 و2060.
لا يبرر ذلك التقصير في تنفيذ التعهدات للحؤول دون ارتفاع حرارة الأرض، إلا أن الوضع الراهن لا يستدعي مشاعر اليأس.
هناك بيننا وبين أقرب هذين الموعدين ثلاثون عاما. وهذا زمن طويل للغاية. انظر إلى الثلاثين عاما الماضية، وستعرف كم قطع العلم من أشواط. أحد أبرز المنجزات الأخيرة، هو الحبوب التي تعالج "كوفيد 19". فهي تستهدف الإنزيم الذي يعتمد عليه الفيروس للتكاثر، لتضع فيه خللا يجعل الفيروس عاجزا عن التكاثر. الاستهداف قفزة، وصنع الخلل قفزة أخرى. هاتان الآليتان سرعان ما قد يمكنهما تحقيق نتائج باهرة في معالجة الأمراض التي تقوم على مبدأ التكاثر المفرط، ومنها السرطان.
ما أعنيه، هو أن العلم لا يزال بوسعه أن يوفر الحلول التي تسمح بامتصاص ثاني أكسيد الكربون، المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري.
الأشجار تفعل ذلك أمامنا كل يوم. وسواء أمكن للعلم أن يحاكي آليات الامتصاص لدى الأشجار أو يعثر على آليات جديدة، فإن العثور على حل، لا يبدو مستحيلا. وهو يحتاج إلى تفاعلات بين أركان العلم المختلفة، ولكنه، بكل تأكيد، لا يحتاج إلى انفعالات.
وهناك دافع قوي يجبر مختبرات العلم على الركض من أجل كسب السباق. هو أن "سوق امتصاص ثاني أكسيد الكربون" يبلغ عدة تريليونات دولار سنويا.
الوسائل المتاحة الآن لامتصاص كل طن من هذا الغاز تكلف نحو 600 دولار. ويقول بعض المختصين، إن هذه التكلفة يمكن أن تنخفض إلى 200 دولار للطن، إذا ما أمكن العثور على تقنيات أفضل مما هو متاح الآن.
العالم ينتج نحو 33 مليار طن سنويا من الغازات الدفيئة. وحتى لو انخفضت تكاليف الامتصاص إلى 100 دولار للطن الواحد، فنحن إنما نتحدث عن "سوق" تبلغ قيمته 3 تريليونات و300 مليار دولار سنويا. وهذا مبلغ هائل. والركض وراء كسب حصة منه، سوف يكون حافزا مهما لمختبرات العلم لحصادها.
تقرير حديث لوكالة "رويترز" تحدث عن إمكانية ضخمة توفرها صخور البريدوتيت التي يستطيع كل طن منها أن يمتص طنا من الكربون بكلفة محدودة نسبيا. وتمتلك سلطنة عُمان مساحات شاسعة من هذه الصخور يُعتقد أنها قادرة على امتصاص 55 تريليون طن من الغاز، أو ما يعادل كل ما أنتجه العهد الصناعي من ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1750 حتى الآن.
الأفراد يمكنهم أن يقدموا إسهامات أخلاقية مهمة، عندما يحرصون على تدوير المخلفات البلاستيكية والورقية ويستعينون بوسائل "صديقة للبيئة" لخدمة أنفسهم. إلا أن الجواب الذي يبحث عنه المسؤولون عن اقتصاد مجتمعاتهم موجود في مختبرات العلم. ساعتها، سوف يمكن للتنمية أن تتواصل لخدمة البشر، كما يمكنهم أن يتنفسوا هواء نقيا ويعيشوا على كوكب لا يختنق، في آن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة