آكلة لحوم البشر.. بكتيريا قاتلة تنتشر مع تغير المناخ
أصبحت العدوى الناجمة عن نوع من البكتيريا القاتلة آكلة لحوم البشر أكثر شيوعا وانتشارا مع ارتفاع درجات حرارة المحيطات بسبب تغير المناخ.
ومن دون التدخل لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري من المرجح أن تستمر مثل هذه الحالات في التزايد والانتشار، وفقا لتحذير صدر مؤخرا عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأمريكا.
والبكتيريا الآكلة للحم تسمى "الضمة الجارحة Vibrio vulnificus"، وهي من جنس "الضمة Vibrio"، الذي يضم أيضا البكتيريا المسببة للكوليرا، وهي كائن حي دقيق يزدهر في المياه الدافئة والضحلة والمالحة قليلا، وعندما يذهب البشر للسباحة أو الغوص يمكن للبكتيريا أن تجد طريقها إلى الجروح وحتى لدغات الحشرات، ويمكن للناس أيضا أن يبتلعونها بطريق الخطأ أثناء تناول المأكولات البحرية النيئة أو غير المطبوخة جيدا، مثل المحار.
وجاء التحذير الأمريكي الأخير بعد أن لوحظ الدور الذي يلعبه تغير المناخ في توسيع توزيع البكتيريا وزيادة عدد الأشخاص الذين قد يكونون معرضين للخطر بسببها، فبعد أن كان يتم الإبلاغ عنها بشكل شائع في ولايات ساحل الخليج، أصبح لدى فلوريدا، على سبيل المثال، سبع حالات وفاة مؤكدة مرتبطة بها.
لماذا تسمى بـ"آكلة اللحم"؟
وتسمى هذه البكتيريا بـ"الآكلة للحم" لأنها يمكن أن تدخل الجسم من خلال أصغر الآفات الجلدية، مثل الثقب، والوشم، والجروح الصغيرة والخدوش، ويمكن أن تتحول العدوى بسرعة كبيرة إلى نخرية، وتصل معدلات الوفيات الناجمة عن عدوى الجروح إلى 18%، وتحدث الوفيات بعد 48 ساعة من التعرض، وفقا لدراسة نشرتها دورية "نيتشر".
وقالت مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إن هناك حاليا حوالي 150 إلى 200 حالة عدوى بـ"الضمة الجارحة" كل عام، أغلبها التهابات جلدية، وفي حوالي 10% من الحالات يمكن لهذا النوع أن يصيب البشر إذا تناولوا المحار النيئ أو غير المطبوخ جيدا.
دور تغير المناخ
ولفهم مدى انتشار البكتيريا، قام الباحثون بتحليل إحصاءات المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بشأن حالات العدوى التي تم الإبلاغ عنها على طول الساحل الشرقي بين عامي 1988 و2018.
وكانت الإصابات في الماضي بهذه البكتيريا تحدث عادةً على طول خليج المكسيك والساحل الجنوبي للمحيط الأطلسي ولكنها لم تكن شائعة في المياه شمال جورجيا، ومع ذلك على مدى السنوات الثلاثين الماضية كانت هذه العدوى تتوسع أبعد فأبعد شمالا، حيث وصلت إلى خطوط عرض عالية مثل فيلادلفيا، بينما لا تزال تحدث في الولايات الجنوبية مثل تكساس.
وأفاد العلماء بأن عدد الحالات ارتفع أيضا من عشر حالات سنويا في أواخر الثمانينيات، إلى حوالي 80 حالة سنويا بحلول عام 2018.
ويقول إيان ليك، المؤلف المشارك بالدراسة المنشورة في مارس/آذار الماضي بدورية "ساينتفيك ريبورتيز"، وهو عالم بيئة بجامعة إيست أنجليا الإنجليزية، في تقرير نشره 5 سبتمبر/أيلول موقع "medpagetoday "، إن النتائج مجتمعة توضح "تأثير تغير المناخ بالفعل على صحة الإنسان والساحل".
وخلال هذه الدراسة قام الباحثون أيضا بوضع نموذج لمصير البكتيريا في ظل سيناريوهات مناخية مختلفة، ويتوقعون أنه في ظل انبعاثات الغازات الدفيئة المتوسطة إلى المرتفعة في المستقبل ستكون عدوى "الضمة الجارحة" موجودة في كل ولاية على طول الساحل الشرقي بين عامي 2081 و2100، ومع ذلك إذا كانت الانبعاثات أقل فقد تكون البكتيريا أقل انتشارا ولا تصل إلى أقصى الشمال مثل بوسطن.
على الرغم من أن أعداد الإصابة الإجمالية لا تزال منخفضة، إلا أن العلماء يشعرون بالقلق لأن معدل الوفيات بسبب البكتيريا مرتفع، حيث يموت حوالي 20 في المائة من الأشخاص الذين يصابون بالعدوى، وعلاوة على ذلك يحتاج بعض الأشخاص الذين يصابون بالعدوى إلى بتر أطرافهم.
ويقول ويليام شافنر، اختصاصي الأمراض المعدية في جامعة فاندربيلت، في التقرير الذي نشره موقع "medpagetoday": "يمكن أن تتطور العدوى بسرعة لا تصدق، لقد عملت مع امرأة أصيب زوجها بالعدوى وتحولت من شكلها مثل لدغة العنكبوت إلى التهاب اللفافة الناخر في غضون أربع ساعات".
لا بديل عن العلاج الفوري
ومن جانبها، تشدد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في أمريكا على أهمية العلاج الفوري، وتقول إن "العلاج الفوري أمر بالغ الأهمية لتقليل الوفيات الناجمة عن عدوى البكتيريا الشديدة".
وأوضحت في بيانها الصادر مؤخرا إن العلاج المبكر بالمضادات الحيوية والتدخل الجراحي المبكر يحسن البقاء على قيد الحياة، مشددة على ضرورة عدم الانتظار لحين التشاور مع إخصائي الأمراض المعدية أو التأكيد المختبري لعدوى البكتيريا لبدء العلاج.
وأضافت أنه "يمكن للأطباء علاج العدوى بمزيج من الدوكسيسيكلين 100 ملغ عن طريق الفم أو الوريد مرتين يوميا لمدة 7 إلى 14 يوما، جنبا إلى جنب مع السيفالوسبورين من الجيل الثالث مثل (سيفتازيديم 1-2 جم ) في الوريد أو في العضل كل 8 ساعات".
وتشمل أنظمة العلاج البديلة الجيل الثالث من السيفالوسبورين مع الفلوروكينولون (مثل 500 ملغ من سيبروفلوكساسين عن طريق الفم مرتين يوميا)، أو الفلوروكينولون وحده.
ويمكن علاج الأطفال بنظام مركب من الجيل الثالث من السيفالوسبورين بالإضافة إلى الدوكسيسيكلين أو السيبروفلوكساسين، أو بنظام بديل من تريميثوبريم-سلفاميثوكسازول بالإضافة إلى أمينوغليكوزيد.
كما حثت مراكز السيطرة على الأمراض الجمهور على "الابتعاد عن المياه المالحة والمياه قليلة الملوحة إذا كان لديك جرح مفتوح أو قطع، وإذا تعرضت لجرح أثناء وجودك في الماء، فاخرج على الفور واغسله جيدا بالصابون والمياه الجارية النظيفة، واطلب الرعاية الطبية على الفور إذا أصيبت بالعدوى".