الكينوا.. الذهب الأخضر في مواجهة عواصف التغيرات المناخية
في ظل التغيرات المناخية، يحتاج البشر إلى غذاء مناسب، يسد احتياجاتهم، ويضمن توفير العناصر الغذائية المهمة، وهنا يأتي دور الكينوا.
تُشير الأدلة التاريخية إلى أنّ نباتات الكينوا قد نشأت في جبال الأنديز، وبدأت الشعوب الأصلية في أمريكا الجنوبية في تدجينها بين 3 إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد، وكانت شعوب الأنكا من أبرز الشعوب المعتمدة عليه في الغذاء، وظل غذاءً بارزًا للشعوب التالية من الكيتشوا والأيمارا. إلى أن جاء كولومبوس لاكتشاف الأمريكتين، وبدأت الشعوب الأوروبية في الذهاب إلى هناك لاستكشاف تلك الأراضي، وقتها كتب الأسبان ملاحظاتهم بشأن الغذاء الذي يزرعه الهنود الأصليون، من ضمنه الكينوا.
والكينوا نباتات عشبية، يصل ارتفاعها إلى 3 أمتار، تحمل أوراقًا أقرب إلى الشكل المثلثي، وأزهارها صغيرة، وتتميز بجذورها المتفرعة الصغيرة التي يصل عمقها إلى 1.5 متر. واستخدمتها شعوب الإنكا في المناسبات الدينية، والاحتفالات الخاصة بآلهتهم، ما يجعلها نباتًا مقدسًا لدى تلك الشعوب.
الكينوا كغذاء
هناك العديد من الخصائص والمميزات التي تجعل الكينوا غذاءً لا مثيل له، وربما منقذًا للبشرية، من ضمن هذه المميزات:
غني بالبروتين
تتمتع بذور الكينوا بمستويات عالية من البروتين والألياف، ويُعد الكينوا هو الغذاء الوحيد الذي يحتوي على كل الأحماض الأمينية الأساسية، علمًا بأنّ الأحماض الأمينية، هي عبارة عن وحدة بناء البروتين، وعددها المعروف هو 20 حمضًا أمينيًا، تندمج بصورة مختلفة؛ فتتشكل أنواعًا كثيرة ومختلفة من البروتينات، وتأتي في الألوان الأحمر والأسود والأبيض، وأوراقها مغذية، تؤكل كخضروات، تمامًا كالسبانخ والملوخية.
خالٍ من الغلوتين
يتعايش بعض الأشخاص مع حساسية الغلوتين، أو الاضطرابات الهضمية، التي تأتي عليهم بأعراض غير محمودة في حال تناولهم لأطعمة تحتوي على الغلوتين، ويأتي الكينوا كغذاء خالٍ من الغلوتين، مع مميزات أخرى متعلقة بالقيمة الغذائية العالية ومضادات الأكسدة وفيتامينات ومعادن مفيدة، ما يحقق التوازن إلى النظام الغذائي.
معادن وفيتامينات
يحتوي الكينوا على نسبة عالية من معادن مهمة، مثل: البوتاسيوم والزنك والحديد والماغنيسيوم، بالإضافة إلى كونه مصدرًا جيدًا والثيامين والنحاس وفيتامين B6، والفوسفور والمنغنيز والماغنيسيوم والفولات ومضادات الأكسدة والأحماض الدهنية، كل هذا يجعله مؤهلًا ليكون غذاءً مفيدًا.
في مواجهة المناخ
وبعد الكشف عن طبيعتها، لاحظ البشر مقاومتها العالية للصقيع والجفاف والملوحة، ما يؤهلها للزراعة في التربة الفقيرة والأراضي الوعرة. من ناحية أخرى، يتحمل نبات الكينوا درجات مرتفعة من الرطوبة، تتراوح ما بين 40 إلى 88%، ودرجات حرارة تتراوح ما بين -4 إلى 38 درجة مئوية. ويقاوم نقص رطوبة التربة، ويمكنه إنتاج كميات مقبولة من الغلة، عندما يكون معدل هطول المطر ما بين 100 إلى 200 ملم.
وهذا يضع عليها آمالًا كبيرة فيما يتعلق بتعزيز الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية الحاصلة في الوقت الراهن؛ خاصة بعدما تسبب الاحترار العالمي في انتشار الجفاف في بقاع شتى من الأرض، ما أثر على جودة الزراعة، وهدد الأمن الغذائي. وصار الكينوا يشكل آمالًا كبيرة للسكان الذين يفتقرون إلى البروتين في غذائهم.
في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، بدأت زراعة نباتات الكينوا في بلاد مختلفة عن موطنها الأصلي، وتوّسع انتشارها إلى أن صارت موجودة في أكثر من 120 دولة اليوم، وزادت شعبيتها في العالم بين عامي 2006 - 2007؛ عندما أُدرجت في العديد من قوائم الطعام، ونالت استحسان الناس.
وفي سنة 2013، الجمعية العامة للأمم المتحدة «السنة الدولية للكينوا»، في محاولة لتقدير جهود الشعوب السابقة التي سكنت جبال الأنديز في تعزيز الممارسات الزراعية لنبات الكينوا، والحفاظ عليه، وتوفيره كغذاء للأجيال القادمة. من وقتها، اتسع انتشار الكينوا أكثر وأكثر.
خصائص صحية
يحتوي الكينوا على مركبات الفلافونويدات، وهي نوع من مضادات الأكسدة، تواجه الأمراض المختلفة مثل: هشاشة العظام، وأمراض القلب، والأوعية الدموية والسرطان، كما أنها مركبات مضادة للالتهابات والفيروسات والاكتئاب.
من جانب آخر، يساعد الماغنيسوم في الحفاظ على صحة الجسم من التشنجات والأرق، ويحد من مرض السكري من النوع 2. ويعزز الحديد العديد من العمليات في جسم الإنسان، مثل: التمثيل الغذائي للعضلات ووظائف الدماغ العالية وتعزيز أداء خلايا الدم الحمراء.
فقدان الوزن
حسنًا، هذا يجعلنا نفحص مكونات الكينوا، وكيف تساعد الجسم في فقدان الوزن. لأنه يحتوي على نسبة كبيرة من الألياف غير القابلة للذوبان، دائمًا ما يُعطي الكينوا شعورًا بالامتلاء، ما يساعد في فقدان الوزن بسرعة كبيرة. بالإضافة إلى ذلك؛ فهو غني بالبروتينات. وبالتالي تقل كمية السعرات الحرارية التي تدخل الجسم عبر الكينوا، مع فرصة كبيرة للشبع.
فعّال اقتصاديًا
اتضح أنّ الكينوا بديل مفيد اقتصاديًا لمحصول القمح، وله عائد استثماري إيجابي في الدخل القومي المصري. علاوة على ذلك، يمكن استخدام منتجاته الثانوية من الأوراق في بعض الصناعات والاحتياجات الأخرى، مثل الأعلاف الأسمدة، وذلك بحسب دراسة منشورة في دورية «إنترناشونال جورنال أوف أجريكالشر آند إنفيرونمنتال ريسرش» (International Journal of Agriculture and Environmental Research) في مارس/آذار 2020.
ربما كل هذه المميزات تجعل الكينوا نبات المستقبل؛ فقد أثبت جدارته في سد احتياجات البشر على مدار آلاف السنين، وله أبعاد اقتصادية وطبية وغذائية كثيرة، ما يجعله واحدًا من أهم النباتات التي يحتاجها البشر.
aXA6IDMuMTUuMTQ1LjUwIA==
جزيرة ام اند امز