استغاثة من باكستان بسبب التغيرات المناخية: لماذا أنا؟
تُعد باكستان واحدة من أكثر الدول معاناة؛ بسبب التغيرات المناخية، وأقرب شاهد، فيضان أغسطس/آب 2022.
على مسافة 573 كيلومترا شمال شرق العاصمة الباكستانية إسلام آباد، يقع وادي بوبور، وفي أحد منازل الوادي الواقع في منطقة غيزر بإقليم جلجيت بالتستان، في تمام الساعة 10:30 صباح يوم 26 أغسطس / آب 2022، كانت فتاة تُدعى «قنديل»، جالسة تقرأ القرآن الكريم. لم تتوقع الفتاة البالغة من العمر 13 عامًا أن تنقلب حياتها رأسًا على عقب في ذلك اليوم. وتقول قنديل: "كنت في غرفتي أقرأ القرآن الكريم، وفجأة سمعت ضوضاء عالية.. ركضت نحو الشرفة لأرى ما يحصل، كان هناك شيء يتحرك نحوي لم أره قط حتى في أحلامي.. شاهدت عيناي هذا المشهد، لكني لم أستطع فهم نوع الكارثة، لقد كان فيضانًا!".
تاريخ مناخي مؤلم
ربما كان الأمر مفزعًا لـ«قنديل»، خاصة وأنها صغيرة في السن، إذ تقول: "كانت هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها فيضان في قريتنا"، لكن التاريخ المناخي لباكستان، يؤكد على أنه لم يكن الطوفان الأول؛ إذ يقول الدكتور «عارف جوهر»، رئيس قسم الزراعة والغابات في مركز دراسات تأثير التغير العالمي في إسلام آباد بباكستان في حديثه مع العين الإخبارية: "باكستان لديها تاريخ طويل من المعاناة من الفيضانات؛ بسبب موقعها الجغرافي ومناخ الرياح الموسمية".
ويُشير جوهر إلى حالات الفيضانات التي وقعت من قبل في باكستان، وتسببت في كوارث عديدة، منها: فيضانات في الخمسينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وفيضان عام 2010، وكان واحدًا من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ باكستان، وأثر على خُمس البلاد، وفقد الآلاف حياتهم. وقد واجهت باكستان سلسلة من الفيضانات في السنوات التالية، إلى أن جاء الفيضان الذي دمر وادي بوبور الذي تُقيم فيه قنديل. ويُضيف جوهر لـ"العين الإخبارية": "سُجل هذا الفيضان، كواحد من أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة في تاريخ العالم". ويضع موقع (Statista)، باكستان في المرتبة الثامنة ضمن البلدان الأكثر تأثرًا لمخاطر الفيضانات في العام 2022.
ابتلع الطوفان أخي!
تُكمل قنديل حديثها قائلة: "خرجت صرخة من فمي، وكان عقلي فارغًا تمامًا، لكن جسدي دفعني؛ فوقعت في الحقل الموجود خلف المنزل، وركضت.. حصل كل هذا بسرعة كبيرة، لم أدرك الوقت.. نظرت إلى الوراء، ورأيت أخي الصغير المسكين، كان يركض نحوي، لكنه كان بعيدًا عني.. توقفت من أجل أخي، ورأيت كل ما يخشى المرء حتى أن يتخيله يحدث أمام عيني.. لقد ابتلع الطوفان أخي الذي كان يركض ورائي؛ ليُنقذ حياته، وغطته تربة رطبة، واختفى كأنه لم يكن.. اختفى منزلي واختفت معه عائلتي. تبقى في المشهد الطين والضوضاء.. هذه الضوضاء التي كادت تدفعني للجنون، ضوضاء انزلاق الأحجار وضجيج تلك التربة الرطبة المتحركة، وصراخ الناس.. فقدت عائلتي كلها، باستثناء أبي الذي كان في قرية أخرى في تلك الأيام".
قال الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» يوم الجمعة 7 أكتوبر / تشرين الأول أنّ شعب باكستان ضحايا على الرغم من أنّ بلادهم مسؤولة عن أقل من 1% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولكنها: "تدفع ثمنًا باهظًا نتيجة التغير المناخي الذي تسبب فيه الإنسان". ووصفها بعد زيارته لها أنّ ما رآه كان "مستوى يفوق الخيال من المذبحة المناخية". وقال أنّ الكثيرين فقدوا منازلهم وماشيتهم ومحاصيلهم ومستقبلهم.. قال: "لقد جرفت الأرواح".
تُكمل قنديل حكايتها، قائلة: "لقد حدث أفظع شيء في حياتي ذلك اليوم، في لحظة ما شعرت أنّ عالمي كله قد انتهى. لقد فقدت 8 من أفراد عائلتي، ولا يزال هناك بعضهم مفقودين. أشعر أنّ جسدي مدفون هناك أيضًا في ذلك الوحل".
ويقول جوهر في حديثه مع العين الإخبارية عن فيضانات 2022، أنها تسببت في إزعاج 33 مليون شخص، وقتلت أكثر من 1700، وجرح 12800 آخرين.
لماذا أنا؟
أما «سيد كرام»، شاب بعمر السابعة عشر، وناشط بيئيي، يعمل مع منظمة «فرايداي فور فيوتشر» (Fridays for Future)؛ رأى الفيضان عندما كان في قريته في شيترال، يقول لـ"العين الإخبارية": "أثناء الفيضان كان الجميع يركضون نحو الأراضي المرتفعة (التلال)؛ لإنقاذ حياتهم. ولكن عندما بدأ الفيضان في تدمير الطرق والأشجار وقطع الأرض، سألت نفسي! لماذا نحن؟ لماذا شعبي ووادي؟". كان الفتى مصدومًا من رؤية موطنه ينهار، ولا يستطيع أحد فعل أي شيء. ولكنه طرح سؤالًا مهمًا.
لماذا باكستان؟
حسنًا، هذا يجعلنا ننظر إلى موقع باكستان على الخريطة؛ لنجد أنها تقع في قارة آسيا، التي تحمل العديد من القمم والسلاسل الجبالية المشهورة، منها: هضبة التبت وجبال هندوكوش والهيمالايا وبامير وتيان شان وقراقرم. بالإضافة إلى أنهار جليدية تشغل مساحة تصل إلى 100 ألف كيلو متر مربع. لذلك، أُطلق على هذه المنطقة اسم «القطب الثالث».
وتستضيف شمال باكستان 3 قمم، وهي الهيمالايا وهندوكوش وجبال قراقرم، وهي تغذي ما يزيد عن 5200 نهر جليدي في شمال باكستان، وبالطبع هذه الأنهار معرضة لارتفاع درجات الحرارة، الناتجة عن الاحترار العالمي، وقد تفيض مياه الأنهار، وتسبب فيضانًا.
وقد أشار الدكتور «عارف جوهر» في حديثه مع العين الإخبارية إلى أنّ أنظمة الأنهار هذه تلعب دورًا محوريًا في كوارث باكستان، التي تتلقى مياهها من الأنهار الجليدية في الهيمالايا والأمطار الموسمية. بالإضافة إلى الرياح الموسمية التي عادة ما تهب من يونيو إلى سبتمبر، وعلى إثرها تهطل الأمطار الغزيرة؛ فتجمع هذه الفترة بين الأمطار الموسمية وذوبان الجليد، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات المياه في الأنهار؛ فتزداد احتمالية حدوث فيضانات.
ويوضح جوهر أنّ التضاريس أيضًا لها دور مهم؛ إذ تشغل شمال باكستان سلاسل ضخمة من الجبال، ويتدرج انحدار البلاد إلى الجنوب المنبسط الشاسع، وهذا يسهل حركة المياه من الشمال المرتفع إلى الجنوب المنخفض عند هطول المطر أو ذوبان الأنهار الجليدية. إضافة إلى ذلك، نهر السند الذي يمتد عبر مساحة كبيرة من باكستان، ويتلقى المياه من روافد كثيرة، ما يزيد احتمالية فيضانه مع هطول الأمطار أو ذوبان الجليد.
ويتابع جوهر، قائلًا أنّ مناخ باكستان متقلب كثيرًا؛ فقد تحل فترات جفاف، تليها أمطار غزيرة، وهذا يجعل البلاد عرضة للظواهر الجوية المتطرفة. وبالطبع لا يمكننا إهمال عامل مهم، وهو ضعف البنية التحتية لباكستان.
ويُضيف جوهر لـ "العين الإخبارية": "تساهم هذه العوامل الجغرافية، جنبًا إلى جنب مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل: التحضر السريع والنمو السكاني والموارد المحدودة لإدارة الفيضانات، في تعرض باكستان لكوارث الفيضانات".
لم نجرؤ على إنقاذ مواشينا
تقول راضية، طالبة جامعية، عمرها 23 عامًا، لـ"العين الإخبارية": "في أغسطس 2022، هطلت أمطار غزيرة على قريتي إشكومان غيزر، في جلجيت بالتستان. كنا مشغولون برعاية الماشية، ننقلهم إلى مكان آخر؛ حتى يناموا بعيدًا عن الأمطار التي استمرت لأيام"، وتتابع: "كانت قريتنا تقع عند ضفة النهر، وبدأ لون المياه يتحول إلى لون آخر موحل، كان يتغير يومًا بعد يوم، ولاحظنا طوفان صغير عند سفح الجبل. بعد عدة أيام، ضرب فيضان قوي أراضينا".
تستكمل: "كانت هناك أصوات صراخ كثيرة، حاولت إنقاذ أفراد عائلتي؛ لأن الفيضان كان على وشك الدخول لمنزلنا.. شعرت لوهلة وكأنه ثوران بركاني غاضب. كان جميع أهل القرية يهرعون نحو سفح الجبل، لحسن الحظ، نجا جميع القرويين".
وتصف راضية المشهد، قائلة: "رأينا المشهد الرهيب بأعيننا، لم تكن أراضينا واضحة في المشهد، تشكلت قنوات كبيرة، وكانت ماشيتنا وحيواناتنا في الماء، لم يجرؤ أحد على إنقاذها".
يقول جوهر لـ"العين الإخبارية": "تسببت الفيضانات في أضرار جسيمة للماشية، المصدر الأساسي للدخل لمعظم سكان باكستان". وفقدت باكستان ما يزيد عن 735 ألف رأس ماشية إثر الفيضان. وأشار جوهر إلى أنّ نفوق الماشية قد تسبب في مشكلات أخرى متعلقة بالتغذية.
اخرجوا من بيوتكم، الفيضان قادم
تقول مسكان، وهي مُدرسة بالغة من العمر 31 عامًا في بوبور، لـ"العين الإخبارية": "كُنت في المنزل أُعد طعام الإفطار لأولادي، وصُدمت عندما سمعت أحدهم ينادي الناس: اخرجوا من بيوتكم، الفيضان قادم. لم أفهم ما يحصل، لكنني اصطحبت أطفالي وبدأت بالركض نحو الجبال".
لم يسلم افتخار أحمد أيضًا، الشاب البالغ من العمر 35 عامًا، الذي كان في عمله وقتها بالقرب من الجبال، وعندما لاحظ الفيضان قادمًا من بعيد، بدأ ينادي ويحذر الناس في بوبور. انتابته مشاعر القلق خاصة عندما علم أنّ منزله قد تضرر، ويقول لـ"العين الإخبارية": "لكنني نسيت كل الأضرار عندما رأيت عائلتي على قيد الحياة".
بلا مأوى وغذاء ضعيف
وفقًا لتقرير صادر عن «البنك الدولي»؛ تضرر 33 مليون مواطن باكستاني بعد فيضان 2022. وتضرر في باكستان ما يُقدر بـ 2.2 مليون منزلًا في فيضان أغسطس 2022، ويقول «مُظفر فقير»، الناشط البيئي، وعضو في منظمة «فرايداي فور فيوتشر»، لـ"العين الإخبارية": "لم أكن في قريتنا وقتها، لكن رأيت الناس يعانون في ذلك الوقت، عندما اضطروا للعيش في المدارس والمساجد".
ويتابع مُظفر: "وفرت الحكومة والمنظمات غير الحكومية الطعام للناس وقتها، لكن الوضع سيء، وهناك أناس فقراء جدًا، لا يتوفر لهم الطعام الآن، ولا يحصلون على أي مساعدة". ويستطرد قائلًا: "بدأ الناس ينتقلون إلى أقاربهم، وأنشأت الحكومة مأوى مؤقت"، ويوضح أنّ هذا المأوى في الأراضي القاحلة بالقرب من الجبال مؤقتًا؛ حتى تبني الحكومة لهم منازل.
وتقول راضية لـ"العين الإخبارية": "قضينا بعض الأيام في منازل أقربائنا، وبعد مرور بعض الوقت، ساعدتنا جمعية الأغا خان، وانتقلنا إلى منازل إيواء، وساعدنا بعض المتبرعين ماليًا، وحصلنا على بعض الطعام المعلب، وتُرسل لنا القرى المجاورة الملابس والأسرة".
تقول مسكان لـ"العين الإخبارية": "لقد كان شعورًا سيئًا للغاية أن نعيش في ملجأ قبل يوم واحد من إقامتنا في منزلنا". وتتابع: "بشكل مفاجئ نحن في ملجأ، حيث لا يوجد مكان للذهاب إليه في هذا الوضع الصعب". وأوضحت مسكان أنها كانت تعاني من العديد من المشاكل بسبب نقص الطعام والماء والمأوى والمال، وأكدت على أنهم بقوا في مدارس حكومية وخاصة مع المتضررين الآخرين. أما إفتخار؛ فقد راح يسكن في شقة إيجار بعدما تضرر منزله بشكل مؤقت إلى أن ينتقل لمنزله الجديد.
تُخبر «عافية سلام»، صحافية بيئية مستقلة من باكستان لـ"العين الإخبارية": "عندما لا يكون هناك أي شيء فوق رأسك؛ فإنّ الملاءة البلاستيكية تعمل كمأوى"، وتُضيف: "لكن تفشت العديد من الأمراض والمشكلات الصحية، وما زلنا نشهد مناقشات حول نوع الملجأ الذي يجب بنائه".
وبعد جمع بيانات 398 مزارعًا من منطقتين معرضتين للخطر في إقليم البنجاب في باكستان، وجد الدكتور «دلشا أحمد»، قائد الدراسة أنّ المزارعين الصغار على دراية أعلى من المزارعين الكبار فيما يتعلق بمخاطر الأمطار الغزرة والفيضانات، ويعرفون جيدًا أنها تؤثر بالسلب على إنتاجهم الزراعي، ما يجعلهم أكثر تجنبًا لمخاطر الفيضانات مقارنة بكبار المزارعين، ونُشرت الدراسة في دورية «إنفيرونمنتال ساينس آند بليوشن ريسرش» (Environmental Science and Pollution Research) في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وتقول مسكان: "محاصيلنا تضررت، والتضخم كبير"، وبحسب الدكتور عارف؛ فقد دمرت الفيضانات الهائلة في باكستان ملايين الأفدنة التي تضم المنتجات الزراعية الرئيسية مثل الأرز والطماطم والبصل والقمح والخضروات الأخرى، وقد أدى النقص في المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح، إلى استيراد المواد الغذائية وزيادة التكاليف وتقليل القوة الشرائية للسكان، لا سيما في المناطق المتضررة من الفيضانات. كما تُعاني بعض المناطق من انعدام الأمن الغذائي في بلوشستان وإقليم السند؛ نتيجة الفيضانات.
من ناحية أخرى، يُصنف مؤشر الجوع العالمي للعام 2022، باكستان على أنها في المرتبة الـ 99 من 121 دولة، تعاني من انعدام الأمن الغذائي؛ إذ تسببت الفيضانات المفاجئة في 2022 في إغراف 2.5 مليون شخص إضافي في باكستان؛ نتيجة الجوع الشديد.وصلت حالة الجوع إلى 8.6 مليون باكستاني.
ويُخبر عارف "العين الإخبارية" أنّ حل أزمة الغذاء، يتطلب جهدًا شاملًا ومتواصلًا من مختلف أصحاب المصلحة. وعلى المدى القصير، يتعين على الدولة اللجوء إلى الواردات الغذائية؛ خاصةً القمح والخضروات؛ لمواجهة أزمة الغذاء بسبب الفيضانات. على المدى المتوسط إلى المدى الطويل، تنفذ الحكومة برامج تطوير وتوزيع بذور أصناف مقاومة للحرارة ومقاومة للمناخ وإدخال تنويع المحاصيل لتجنب أزمة الغذاء في المستقبل في ظل الكوارث المناخية.
وهناك خطط أخرى تدرسها الحكومة، ولكن يؤكد جوهر على "أنّ البلد تخرج من أزمة الغذاء التي سببها الفيضان. مع ذلك؛ فإن القضاء التام على قضايا انعدام الأمن الغذائي سيستغرق بعض الوقت بشرط الامتثال للإجراءات المذكورة أعلاه وإدخال سياسات داعمة للزراعة إلى جانب الدعم المالي المستدام".
ما ذنب الأطفال؟
تقول مسكان: "غالبيتنا من الشعوب الفقيرة، ونواجه مشكلات في توفير الرسوم الدراسية للأطفال، كما تضررت المدراس بالفيضانات، وفقد الأطفال دراستهم لمدة شهر، يواجهون الخوف والأمراض"، ويؤكد إفتخار على مشكلة المدارس التي يواجهها الأطفال، خاصة أولئك الذين آبائهم فقراء.
ويُشير التقرير السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الصادر في أكتوبر/تشرين الأول للعام 2022، إلى أنّ الفيضانات أودت بحياة أكثر من 1700 شخص ثلثهم من الأطفال. يقول جوهر لـ"العين الإخبارية" عن الأطفال: "بالطبع، هناك الكثير من الآثار النفسية الناتجة عن خطر الفيضانات وفقدان أرواح أقاربهم والنزوح والهجرة". كما حصل مع قنديل. إضافة إلى تأثر آلاف المدارس والجامعات بسبب الفيضان.
ويُضيف جوهر لـ"العين الإخبارية": "إن المخاطر المتزايدة الناشئة عن الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك، وانهيار الصرف الصحي الآمن ومحدودية الوصول إلى التغذية لها آثار طويلة الأمد على النمو الشامل (بما في ذلك ارتفاع معدلات التقزم)".
القطاع الصحي ينهار!
في 30 أغسطس / آب 2022، قالت منظمة الصحة العالمية (WHO) أنّ هناك 888 منشأة صحية قد انهارت بسبب الفيضانات، وإذا لم يتراجع منسوب المياه؛ فقد تتأثر الصحة والتغذية وتنتشر الأمراض؛ إذ تعمل المناطق الراكدة كوسط مناسب لتكاثر بعض الحشرات الحاملة للأمراض، مثل البعوض الحامل لمرض الملاريا. وأشار البيان إلى أنّ الأمراض تتفشى في مخيمات باكستان بسرعة أكبر، خاصة الإسهال المائي الحاد والملاريا وشلل الأطفال وحمى الضنك. قبل الفيضان، وأبلغت باكستان عن وجود 4531 حالة إصابة بالحصبة و15 حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال البري في عام 2022. وتسببت الأمطار والفيضانات في تعطيل حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في البلاد المتضررة.
والأمر لم يقف عند الأمراض فقط؛ إذ تُخبرنا عافية سلام أنّ هناك بعض الكائنات مثل الثعابين والحشرات السامة، هربت من مسكنها في أثناء الفيضان، وانتشرت في المخيمات.
وفي هذا الصدد، يُعلق جوهر لـ"العين الإخبارية": "الأمراض التي تنقلها المياه، والأمراض التي تنقلها النواقل، والتهابات الجهاز التنفسي والجلد، والآثار المعدية المعوية هي أهم الأمراض التي انتشرت بعد الفيضان، وكان من الصعب حقًا إدارة ثلث السكان المتضررين من الكارثة، والذين كان / لا يزال العديد منهم يقيمون في المخيمات". لكن حاولت الحكومة إتخاذ التدابير اللازمة.
نحتاج إلى دعم عاطفي
تقول راضية لـ"العين الإخبارية": "نحتاج إلى دعم عاطفي ونفسي، لكن لم يكن هناك أحد!". وتُعلق عافية سلام على كلمات راضية قائلة: "لسوء الحظ، عندما نتحدث عن الصحة، ينظر الناس إلى الصحة البدنية، ويتجاهلون الدعم النفسي والعاطفي الذي يحتاجون إليه".
وتتابع عافية: "لكن تبقى هناك الخوف.. الخوف من الماء، وصوت الماء.. الخوف من الخروج من المنازل.. الخوف من التواجد بين الغرباء في المخيمات. كل هذا له تأثير كبير على نفسية النازحين. إنهم في حاجة إلى مزيد من الاهتمام. من ناحية أخرى، ليس لدينا الكثير من المتخصصين في الصحة النفسية في باكستان، لذلك، نعم، هذه المشاكل ينبغي الانتباه إليها".
أين صندوق الخسائر والأضرار؟
يقول جوهر لـ"العين الإخبارية": "يهدف صندوق الخسائر والأضرار، الذي أُنشئ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، إلى دعم البلدان النامية المعرضة بشكل خاص للآثار السلبية لتغير المناخ. وبالفعل، أُعلن عن الصندوق في شرم الشيخ، لكن هناك الإجراءات المتعلقة بمن سيقدم الأموال ولمن وما هي المعايير". وأوضح أنه لم يتم الانتهاء من هذه الإجراءات، وبالتالي لم تتمكن باكستان من الحصول على تمويل من هذا الصندوق.
ويتابع: "وفي يناير من هذا العام، نظمت باكستان حدثًا في جنيف، حيث تعهد المانحون بتقديم حوالي 9 مليارات دولار أمريكي لمساعدة باكستان في إعادة البناء بعد الفيضانات المدمرة. وحصلت باكستان على مبلغ قليل جدًا، مقارنة بحجم الدمار، لذلك فإن المبلغ المقدم والتعهدات المقدمة للتعافي من آثار الفيضان، قليلة للغاية مقابل الخسائر والأضرار".
وتؤكد عافية سلام على كلام جوهر، وتقول لـ"العين الإخبارية": "من المؤكد أنّ الخسائر والأضرار سيكونان من الحلول الفعالة، لكن يجب أن نتذكر الاتفاقية التي توصلت إليها الدول في COP27. سوف يستغرق الأمر بضع سنوات أخرى للحصول على الآلية المالية أو الهيكل المطلوب. وبالنسبة للتمويل؛ فلا توجد آلية للتمويل حتى الآن. إنها مجرد اتفاقية، لكن نعم، يجب أن يكون هناك صندوق خسائر وأضرار".
الوقاية أسلم، ولكن..
يقول جوهر لـ"العين الإخبارية": "تلعب أنظمة التنبؤ بالفيضانات والإنذار المبكر دورًا حاسمًا في التخفيف من المخاطر المرتبطة بالفيضانات. في حين أنه من غير الممكن التنبؤ بالفيضانات بدقة 100%؛ فإن التطورات في التكنولوجيا وأنظمة المراقبة قد حسنت بشكل كبير القدرة على التنبؤ وتقديم الإنذارات المبكرة لأحداث الفيضانات المحتملة. مع مرور الوقت، زادت دائرة الأرصاد الجوية الباكستانية (PMD) من قدراتها من خلال الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر وزيادة عدد الرادارات ومحطات الطقس، لكن لا يزال هناك عدد من المناطق الخالية من محطات الطقس؛ لأن الرياح الموسمية ظاهرة إقليمية".
ويتابع: "في العام الماضي، على الرغم من وجود توقعات بأمطار أعلى من المعتاد، إلا أن باكستان حصلت على أكثر من 3 أضعاف متوسط هطول الأمطار خلال الرياح الموسمية التي لم تكن البلاد مستعدة لها. علاوة على ذلك، يوجد في البلاد نظام للتنبؤ بالفيضانات، لكن بسبب الأمطار غير المسبوقة، لم تعمل التوقعات والترتيبات المستندة إلى التوقعات. بينما تحسنت أنظمة التنبؤ بالفيضانات، من المهم ملاحظة أن أحداث الفيضان لا يزال من الصعب التنبؤ بها بدقة بسبب الطبيعة المعقدة والديناميكية لأنظمة الطقس. لذلك، من المهم الجمع بين التنبؤات الدقيقة وخطط الاستجابة الفعالة للطوارئ وتطوير البنية التحتية واستعداد المجتمع للتخفيف بشكل فعال من المخاطر المرتبطة بالفيضانات".
النداء الأخير
يقول افتخار لـ"العين الإخبارية": "معظم النساء في قريتنا لا يستطعن إعالة أنفسهن، ولا يعرفن كيف يكسبن، وفرصهن أقل!". على الرغم من ذلك، فإنّ راضية متفائلة، وتقول: "أشعر أنّ الإنسانية على قيد الحياة.. في يوم من الأيام، سنجتاز كل هذه الصعوبات، لقد طلبنا من المنظمات في جميع أنحاء العالم مساعدتنا.. نحن بحاجة إلى دعم اقتصادي ومالي وعاطفي". وتتمنى مسكان أن تعيش في منزل جديد، هي وعائلتها الصغيرة في سلام وأمان. أما سيد كرام، يصبو إلى أن يصبح عالم بيئة؛ ليساعد في إيجاد حلول فعّالة؛ لإنقاذ وطنه.
من حين إلى آخر، تذهب قنديل إلى وادي بوبور، حيث كان منزلها، تستعيد ذكرياتها، وتنادي على أفراد عائلتها المفقودين، لعل أحدهم يسمعها ويخبرها أنه على قيد الحياة، لكن في كل مرة لا يُلبي أي أحد من أفراد عائلتها المفقودين نداءها، تقول قنديل: "هناك عبء في قلبي".