معجم المناخ.. ما الفرق بين النينو والنينا؟
كثر الحديث عن ظاهرتي النينو والنينا؛ وهما من الظواهر الطبيعة، تحصلان عند سطح المحيط الهادئ تحديدًا.
في القرن السابع عشر، لاحظ الصيادون أنّ هناك وقتا ما تُصبح فيه مياه السطح في المحيط الهادئ دافئة عن المتوسط.
وبعد فترة ما، تنخفض درجات الحرارة وتصبح أكثر برودة،
عُرفت هذه الدورة بينهم، وكانت تُمثل الفترة الدافئة تمهيدًا للفترة التالية. في ظاهرة غريبة، كانت غالبًا ما تبدأ بالقرب من فترة رأس السنة من كل عام، ما جعلهم يطلقون على فترة دفء المياه «النينو» (El Niño)، وهي كلمة إسبانية تعني «الطفل الصغير».
وأطلقوا على فترة برودة المياه «النينا» (La Niña)، وهي تعني بالإسبانية «الفتاة الصغيرة». وهناك مرحلة ثالثة، يُطلق عليها «المحايدة»؛ لأنها لا تتسبب في رفع أو خفض حرارة المحيط مثل المرحلتين الأخريين.
ظاهرة تذبذب النينو الجنوبي (ENSO)
في الظروف الطبيعية، تهب الرياح التجارية من الشرق إلى الغرب على طول خط الاستواء؛ فتتحرك المياه الدافئة من أمريكا الجنوبية نحو آسيا، لتحل محلها المياه الباردة القادمة من أعماق المحيط، محملة بالمواد الغذائية الضرورية لحياة الكائنات البحرية عند السطح. لكن ظاهرة تذبذب النينو الجنوبي تغيّر هذا الوضع. وتحصل هذه الظاهرة مرة كل سنتين إلى سبع سنوات، في شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني.
وتُعبر ظاهرة تذبذب النينو الجنوبي، عن تغير في نمط المناخ في المحيط الهادئ، ولكنها تضم 3 مراحل:
النينو (El Niño): مرحلة الدفء
في هذه المرحلة، تضعف الرياح التجارية؛ فلا تستطيع تحريك المياه الدافئة، فترتفع درجة الحرارة بمتوسط 3 - 5 درجات مئوية في وسط وشرق سطح المحيط حول إندونيسيا، وتقل القدرة على رفع المياه الباردة المحملة بالغذاء من أعماق المحيط، ما يؤثر على غذاء الكائنات الحية عند السطح؛ خاصة العوالق النباتية، علمًا بأنّ العوالق النباتية غذاء مهم جدًا للكائنات الحية الأخرى كالأسماك، والأسماك غذاء للأنواع الأخرى والإنسان.
وتتسبب أيضًا في تحرك التيار النفاث للمحيط الهادئ نحو الجنوب، ما يجعل بعض المناطق في شمال الولايات المتحدة وكندا أكثر دفئًا من المعتاد، بينما تزداد الرطوبة أكثر من المعتاد في ساحل الخليج والجنوب الشرقي من الولايات المتحدة.
النينا (La Niña): مرحلة التبريد
وهذه المرحلة معاكسة تمامًا لمرحلة النينو، وفيها تنخفض درجات حرارة المياه السطحية، وتزداد قوة الرياح التجارية؛ فتدفع كمية كبيرة من المياه نحو آسيا، وتُرفع المياه الباردة بالغذاء إلى السطح، وتصبح سواحل المحيط الهادئ غنية أكثر بالمغذيات، ما يجذب بعض الأنواع التي تعيش في المياه الباردة، أبرزها الحبار والسلمون. وتتسبب هذه المياه في دفع حركة التيار النفاث نحو الشمال، ما يزيد نسبة الجفاف في جنوب الولايات المتحدة ويكون الشتاء أكثر دفئًا، بينما تصبح درجات الحرارة أبرد من المعتاد في الشمال.
المرحلة المحايدة
لا تُمثل مرحلة النينو أو النينا، ولكنها حالة محايدة بينهما، وفيها تقترب درجة حرارة سطح المحيط من المتوسط، وتكون أعلى أو أقل بنصف درجة مئوية تقريبًا.
لماذا تحدث ظاهرة النينو؟
تحدث ظاهرة النينو، نتيجة التفاعل بين الغلاف المحيطي السطحي والغلاف الجوي الموجود فوق سطح المحيط الهادئ مباشرة، والعمليات الفيزيائية التي تحدث في الكواليس معقدة، لكن يمكننا القول أنها تنشأ نتيجة عدم استقرار في التفاعل الجوي - البحري بين الغلافين: الجوي والمائي؛ فيتأرجح النظام بين المرحلة الدافئة والمحايدة والباردة.
كيف تؤثر ظاهرة النينو على حياة البشر؟
وفقًا لـ«منظمة الصحة العالمية» (WHO)؛ تأثر ما يزيد عن 60 مليون شخص بظاهرة النينو 2015/2016، وتأثرت مناطق في شرق أفريقيا والجنوب الأفريقي، وجزر المحيط الهادئ، وجنوب شرق آسيا وأمريكا الوسطى. كما هددت الأمن الغذائي في بعض المناطق، وتسببت الأمطار الغزيرة في تفشي بعض الأمراض الخطيرة مثل الكوليرا والتيفوئيد والملاريا.
وآثار اقتصادية أخرى
ليس من الغريب أن تؤثر ظاهرة مثل هذه على طبيعة اقتصاد البلاد، وهذا ما كشفت عنه دراسة، هي الأولى من نوعها، بقيادة «كريستوفر كالاهان»، مرشح للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة دارتموث في كندا، فقد أجرا مؤلفا الدراسة تقييم للنشاط الاقتصادي العالمي بعد 5 سنوات من حدوث ظاهرة تذبذب النينو الجنوبي مرتين، إحداهما بعد (1982-1983)، والتالية بعد وقوعها بين عامي (1997-1998). ووجدوا الخسائر كانت 4.1 تريليون دولار، و5.7 تريليون دولار على التوالي، وتحملتها الدول الأكثر فقرًا في الجنوب.
وتوقعوا أنّ مجموع الخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد العالمي على مدار القرن الحادي والعشرين بسبب ظاهرة تذبذب النينو الجنوبي، ستكون 84 تريليون دولار، إذ يفترض مؤلفا الدراسة أنّ التغيرات المناخية في القرن العشرين، ستزيد من عواقب ظاهرة النينو. كما تنبأوا بأنّ ظاهرة النينو للعام 2023، قد تُكلف الاقتصاد العالمي نحو 3 تريليون دولار بحلول عام 2029. ونُشرت الدراسة في دورية «ساينس» (Science) في مايو / أيار 2023.
التنبؤ بالنينو
ربما كان في الماضي يصعب التنبؤ بالظاهرة على الرغم من أنها تحدث منذ آلاف السنين، وكانوا يخمنون توقيتها تبعًا للظروف المحيطة الملموسة حولهم، لكن في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي الحاصل في عصرنا هذا؛ فقد اختلف الأمر تمامًا، وصار العلماء قادرين على التنبؤ بها عبر البيانات التي يحصلون عليها من أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية، والتي تراقب تغيرات المحيط باستمرار.
هل يمكننا إيقاف ظاهرة النينو؟
مَن مِنا يستطيع التحكم في الطبيعة؟ أدركنا من خلال مراقبة السجل الأحفوري للأرض أنّ الطبيعة هي القوى الرابحة في النهاية. وظاهرة النينو، هي ظاهرة طبيعية، لا يستطيع أحد إيقافها أو التحكم فيها، ربما كل ما يستطيع الإنسان فعله هو تقليل الأنشطة البشرية التي تؤثر على المناخ؛ فلا تتأثر هذه الظاهرة بالتغير المناخي أيضًا.
aXA6IDMuMTcuNzYuMTc0IA== جزيرة ام اند امز