قصص مأساوية لـ"النزوح المناخي".. عندما يهرب الإنسان من موطنه الأصلي
قد يُضطر الإنسان لهجرة وطنه بسبب التغير المناخي، فيما يُعرف بـ"النزوح المناخي"؛ فما هو؟
تحكي سومان، فتاة باكستانية، تبلغ من العمر 22 عامًا، لـ"العين الإخبارية"، أنّ عائلتها اضطُرت لترك موطنها في إحدى قرى أشكومان في باكستان، بعد فيضان أغسطس / آب 2022، والذي وصفه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بأنه «مذبحة مناخية». وتشكو سومان من الأمراض الكثيرة المنتشرة في المخيمات؛ فلا يوجد أي حل للأسرة سوى العيش في تلك المخيمات؛ خاصة بعد فقدانهم لمنازلهم في الفيضان. تقول سومان أنّ عائلتها الآن في حالة نزوح مناخي.
النزوح المناخي
قد يضطر المرء إلى هجر وطنه والذهاب إلى مناطق جديدة، لم يألفها؛ ليحيا حياة جديدة، وغالبًا ما يحصل هذا في مناطق النزاعات. لكن هناك حالة أخرى، تُجبر الإنسان على ترك وطنه، ليس بسبب الحروب والنزاعات، بل المناخ، فيما يُعرف بـ"النزوح المناخي". وهو أحد أشكال هروب الإنسان من تبعات التغير المناخي، التي تجعل الحياة تكاد تكون شبه مستحيلة في موطنه الأصلي.
قد يكون النزوح المناخي في نطاق الدولة التي يعيش فيها أو خارجها تمامًا؛ نتيجة الأحداث والكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية، وقد نزوحه عن موطنه بشكل مؤقت أو دائم. ووفقًا لتقرير صادر عن "البنك الدولي" في عام 2018، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات التي تسيطر على المناخ؛ فمن المتوقع أن ينزح 140 مليون إنسان من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا. ويُسمى ذلك الإنسان الذي ترك وطنه بسبب آثار المناخ بـ«لاجئ مناخي».
لاجئ مناخي
ينتمي اللاجئ المناخي إلى مجموعة أكبر من المهاجرين، والمعروفين بـ«اللاجئين البيئيين»، وهم الأشخاص الذين تركوا أوطانهم؛ بسبب مشاكل في بيئتهم، والأدهى أنّه لا توجد قوانين دولية تحفظ حقوق اللاجئ البيئي. وقد يُجبرون على العودة مرة أخرى إلى أوطانهم، وقد يُضطرون للعيش في مخيمات اللاجئين.
مشكلات أكبر
من الطبيعي أن تتأثر حياة الإنسان الذي يهجر وطنه، نفس الأمر بالنسبة للإنسان الذي يستقبل وطنه عددًا من النازحين، ويتجلى ذلك فيما يلي:
موارد المستضيف
هناك أجزاء كثيرة من العالم تكون فيها الموارد الطبيعية محدودة، مثل: مياه الشرب أو المحاصيل الزراعية أو الماشية، وغيرهم من مقومات الحياة. وبالتالي يصبح التنافس على تلك الموارد أكثر شدة عندما يزداد عدد السكان من اللاجئين والنازحين، وقد يتسبب هذا في مشكلات عديدة.
أمراض لا حصر لها
يتعرض النازحين في المخيمات لأمراض وأوبئة كثيرة؛ بسبب عدم توافر الخدمات الصحية بشكل فعّال؛ فضلًا عن تعرضهم لسوء التغذية والأمراض المزمنة والصدمات النفسية والناتجة عن النزوح وإعادة التوطين في أماكن جديدة. وقد يتعرض بعضهم لاضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب. وتعاني النساء والأطفال بصورة خاصة؛ إذ تحكي سومان للعين الإخبارية عن معاناتها كفتاة في الحصول على خدمات صحية جيدة.
لا للتعليم
يؤثر عدم الاستقرار الناتج عن النزوح على حياة الأطفال؛ ففي باكستان على سبيل المثال، عندما هجم فيضان 2022، اضطُرت الدولة لتحويل المدارس إلى معسكرات ومخيمات؛ لمساعدة المتضررين لفترة مؤقتة، ما تسبب في تأجيل الدراسة لمدة شهر تقريبًا. ومع ضعف الموارد المالية والخسائر المادية، تُضطر الأسرة في بعض الأحيان لوقف تعليم أبنائها، أو تُخيّر بتعليم الولد أو البنت، وغالبًا ما يقع الاختيار على تعليم الولد.
وطن غير مألوف
فقط تخيل نفسك في مكان غير الذي نشأت فيه، وهذه رحلة ذهاب دائمة، لا يوجد خيار للعودة مرة أخرى. هذا ما يشعر به اللاجئ المناخي، إنه يخرج من أرضه، ويُضطر للتأقلم مع بيئة جديدة، قد لا تشبه طباعه ومبادئه، فقط من أجل العيش. عليه أن ينسى رفاقه وجيرانه وحياته القديمة، وهذا ما حصل لعائلة سومان، التي اضطُرت للعيش في مخيمات المتضررين من الفيضان، وليست لديهم أي نية للعودة مرة أخرى لأرضهم؛ فلم تعد مصدر أمان لهم، خاصة بعدما فقدوا منزلهم وماشيتهم ومحاصيلهم. كل ما تبقى بعض الحطام والذكريات التي سحقها الطوفان.
لا للأمان
هل ستشعر بالأمان عندما تعيش في مخيمات هشة، بعضها من خشب والأخرى من قماش؟ بالطبع لا، ربما نحتمل هذا الوضع في حالة السفاري، لكن عندما نتحدث عن أسلوب حياة؛ فالأمر يختلف تمامًا. بالضبط، هذا ما تعيشه عائلة سومان، وغيرهم من المتضررين مناخيًا. لا للأمان، لا للاستقرار.
غذاء ضعيف
نتحدث عن شخص فقط ماله وأرضه ومنزله، بالطبع لن يحصل على القدر الكافي من الغذاء. وفي هذه الحالة تحديدًا، يقع الضرر الأكبر على النساء والأطفال؛ خاصة في مجتمعات محافظة مثل المجتمع الباكستاني؛ إذ تعتمد المرأة على الرجل في جلب الغذاء، ولا تخرج لتجلبه في أغلب الأوقات؛ لاعتبارات مجتمعية، وإذا كانت المرأة بدون رجل، يتأزم الوضع أكثر.
هذا بعض من مظاهر المشكلات المترتبة على النزوح المناخي، والذي يحصل نتيجة الآثار المدمرة للتغير المناخي، والتي تصل إلى حد يجعل الإنسان يهرع من وطنه، غير آبه بما يتركه خلفه من ميراث الآباء والأجداد، إنه يهرب فقط من أجل الحياة، لكن الحقيقة أنّ الحياة قاسية، ولا يستطيع أغلب النازحين مناخيًا التأقلم مع الوضع الجديد. تستعد أسرة سومان للسفر إلى مكان آخر آمن؛ بدلًا من التعرض لحدث عظيم مثل ذلك الفيضان مرة أخرى؛ فلم يعد الوطن آمنًا.
aXA6IDE4LjIyMi4xODIuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز