ما قصة أسواق الكربون؟
ما هي أسواق الكربون، هل هي أداة فعّالة حقًا في تحقيق الطموح المناخي؟
على مسافة 450 كيلومترًا من العاصمة اليابانية طوكيو، اشتعلت قضية التغير المناخي على مائدة مؤتمر الأطراف الثالث (COP3) بمدينة كيوتو في شتاء ديسمبر/كانون الأول 1997، وسعت الأطراف لإيجاد حلول فعّالة لتقليل الانبعاثات لمستَوى ما قبل عام 1990؛ فقد سجلت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عام 1990 نحو 22 مليار طن، بعد أن كان كانت تعادل 6 مليارات طن فقط في عام 1950. لم تتوقف الانبعاثات الكربونية عند هذا الحد، بل وصلت إلى 24 مليار طن بحلول عام 1997.
ظهور اتفاقية كيوتو وأهداف خفض الانبعاثات
وأخيرًا خرجت إلى النور «اتفاقية كيوتو»، وظهر معها هدف خفض الانبعاثات، ووقعت جهود خفض الانبعاثات على الدول المتقدمة المسؤولة عن إطلاق كميات كبيرة من الانبعاثات، ونشأ نظام تسعير الكربون. وفي حوار عبر البريد الإلكتروني مع «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي» (UNFCCC)، جاء الرد للعين الإخبارية بأنّه قد يكون تسعير الكربون أداة لفرض الضرائب الخضراء، وبالتالي، يمكن تقليل انبعاثات غازات الدفيئة وتطوير قطاع استراتيجي كامل لاقتصاد بلد ما (التقنيات النظيفة، وكفاءة الطاقة، وكهربة النقل، وما إلى ذلك).
لكن هذا لا يتحقق إلا باتفاق مُحكم بين جميع الأطراف، واستخدمت الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ فعليًا في 16 فبراير/شباط 2005، 3 آليات رئيسية؛ لتمكين البلدان من تحقيق الحد الأدنى للانبعاثات، وتدور حول تبادل وحدات الانبعاثات، بحيث تعادل كل وحدة انبعاثات طنًا واحدًا من ثاني أكسيد الكربون أو كمية محددة من الغازات الدفيئة المختلفة. وتشمل الآليات الثلاثة:
1. تجارة الانبعاثات:
جاءت بها «المادة 17» في اتفاقية كيوتو، وهي تُمكن الدول التي لم تستخدم كل وحدات الانبعاثات المتاحة لها من بيعها للبلدان الأخرى التي تجاوزت أهدافها.
2. آلية التنمية النظيفة:
تُعد «آلية التنمية النظيفة» (CDM)، هي أكبر منصة تداول للانبعاثات، تُديرها الأمم المتحدة، نشأت ضمن اتفاقية كيوتو. تسمح الآلية للدول الغنية بشراء أرصدة الكربون من البورصة من المشاريع النظيفة في الدول النامية. وتُسمى وحدات الانبعاثات الصادرة عن آلية التنمية النظيفة هذه بوحدات «تخفيض الانبعاثات المعتمدة» (CER). من ناحية أخرى، تُغذي آلية التنمية النظيفة «صندوق التكيّف» التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وهو صندوق يهدف لتمويل مشاريع التكيّف في الدول النامية الأطراف الموّقعة على اتفاقية كيوتو.
بالمناسبة، أُدرجت العديد من المشاريع المصرية في آلية التنمية النظيفة بين عامي 2008 - 2013. منها: مزرعة الرياح 30 ميجاوات في الزعفران ومبادرات الحد من انبعاثات أكسيد النيتروز لشركات مملوكة للدولة. لكن انهار نظام ائتمان آلية التنمية النظيفة في مصر، بعد إنشائه في عام 2010 بسبب انخفاض أسعار شهادات الكربون.
3. آلية التنفيذ المشترك:
تُمكّن هذه الآلية الدول الغنية من تحقيق أهدافها لتقليل صافي الانبعاثات عبر تمويل مشاريع صديقة للبيئة في دول أخرى، وبذلك تستطيع الدول الغنية الحصول على وحدات خفض الانبعاثات وتحقيق أهدافها المناخية.
كان من المقرر أن يتحقق هدف خفض الانبعاثات بين عامي 2008 - 2012. ولم يتحقق هذا الهدف قط؛ بسبب التقصير من الدول الكبرى؛ خاصة الولايات المتحدة والصين.
صحوة جديدة على طاولة باريسية
بعد إنطلاق كيوتو بنحو 18 عامًا، انتقلت الكرة إلى ملعب الغرب في باريس بفرنسا، حيث اجتمعت دول العالم من جديد في مؤتمر الأطراف الواحد والعشرين (COP21)، كان ذلك في ديسمبر / كانون الأول عام 2015. وكان حدثًا تاريخيًا، وربما هو المؤتمر الأبرز بعد كيوتو من سلسلة مؤتمرات الأطراف، وخرجت إلى النور «اتفاقية باريس»، ووقعت عليها 196 دولة، ودخلت حيز التنفيذ في 4 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016. وبحسب الدكتور «هشام عيسى»، المسؤول السابق لاتفاقية الأمم المتحدة؛ فإنّ عبء خفض الانبعاثات أصبح على كاهل الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وعلى نفس الطاولة الباريسية وُضعت «المادة 6»، الخاصة بتداول الانبعاثات عبر بـ«أسواق الكربون».
في محاولة لتحقيق الأهداف المناخية
حسنًا، لنُبسط الأمر أولًا عبر مثال بسيط، لدينا الشركة (س)، تُطلق كمية 150 مليون طن سنويًا من الغازات الدفيئة. ولكن الحد المسموح به لها هو فقط 100 مليون طن. في نفس الوقت، إنها لا تستطيع منع إطلاق الخمسين مليون طن الزائد. من ناحية أخرى، لدينا الشركة (ص)، تُطلق فقط 50 مليون طن سنويًا. في هذه الحالة، وفي ظل تطبيق نظام تجارة الكربون، تستطيع الشركة (س) شراء «أرصدة الكربون» من الشركة (ص)، وبذلك لا تستطيع الأولى إكمال نشاطها التجاري كما هو، بينما تربح الأخيرة قدرًا لا بأس به من المال.
تتضمن «المادة 6» في الاتفاقية نحو 9 فقرات، تساعد البلدان على "متابعة التعاون الطوعي" لخفض انبعاثاتها بحسب «المساهمات المحددة وطنيًا» (NDCs)، وهي خطة تضعها الأطراف الموقعة على اتفاقية باريس، تحدد فيها أهدافها من خفض الانبعاثات. لكن هذه الفقرات مثيرة للجدل بعض الشيء، ما جعلها تتأخر لسنوات. دعنا ننظر إلى الفقرة رقم 2 و4 أولًا.
الفقرة رقم 2 «6.2»:
وهي تسمح للأطراف بإجراء اتفاقيات فيما بينها والتجارة في أرصدة الكربون مباشرة بدون اتباع آلية دولية، ما يُساهم في عمليات خفض الانبعاثات وإزالتها.
الفقرة رقم 4 «6.4»:
وهي سوق عالمي، تُشرف عليه «هيئة الإشراف على المادة 6.4»، وهي هيئة إشرافية تعمل بتوجيهات من الأمم المتحدة، وتتكون من 12 عضوًا. وهذه المادة مشابهة لآلية التنمية النظيفة لاتفاقية كيوتو، إذ تتيح إنشاء أسواق لتجارة وحدات تخفيض الانبعاثات، لكن تحت إشراف الأمم المتحدة. وهذا يعني أنه إذا أرادت بعض الدول إنشاء أسواق تحت إشراف الأمم المتحدة، يجب أن توافق الهيئة الإشرافية أولًا. وفيها تُستخدم أداة «التعديلات المقابلة»؛ للتأكد من سلاسة نقل وحدات تخفيض الانبعاثات من الدولة البائعة إلى الدولة المشترية.
ماذا بعد؟
تم تأجيل النظر في المادة رقم 6 لعدة سنوات، وصولًا إلى مؤتمر المناخ في غلاسكو (COP26)، أنهى القائمون عليه "كتاب القواعد" للمادة رقم 6، ولكن تُركت مهمة تحديد بنية هذه الأسواق وتعريفاتها في (COP27). وفي هذا الصدد، يقول خبير سياسات أسواق الكربون العالمية «جوناثان كروك» في حواره مع العين الإخبارية عبر البريد الإلكتروني: "هذه المرة في COP27، تم تأجيل بعض أجزاء المادة 6 لمؤتمر الأطراف المقبل، لكن نُوقشت العديد من الأجزاء الأخرى؛ فلم تُؤجل المادة بالكامل".
بينما ترى «إيريكا لينون»، وهي محامية في برنامج المناخ والطاقة التابع لـ«مركز القانون البيئي الدولي» في حوار عبر البريد الإلكتروني لـ«العين الإخبارية»: "إنّ المادة 6 معقدة للغاية وتتضمن العديد من الأجزاء التي تحتاج الدول الأطراف النقاش حولها، بما في ذلك الفقرة 6.2 حول المحاسبة ونتائج التخفيف المنقولة دوليًا (ITMOs)، والفقرة 6.4، آلية التنمية المستدامة (أو سوق الكربون)، وكذلك الفقرة 6.8".
لكن في الليلة السابقة لمؤتمر COP 27، اقترحت الهيئة الإشرافية بعض التوصيات حول ما يجب فعله أو مناقشته بشأن إزالة الكربون، وتحديد الوقت المناسب لإنتاج أرصدة كربونية للبيع. وبالفعل وُضعت توصيات واسعة النطاق تتضمن: عمليات إزالة البرية وخزانات المحيطات.
لاقت هذه التوصيات اعتراضات من المجتمع المدني، الذي ادعى أنّ هذه التوصيات تتجاهل حقوق الإنسان وتعرّض الشعوب الأصلية للخطر، وتؤثر سلبًا على أنظمة الغذاء والتنوع البيولوجي. وانتهى الأمر على أنّ هناك بعض التوجيهات ستعمل عليها الهيئة الإشرافية من جديد، وتم تأجيل الفقرة «6.2» إلى (COP29) في عام 2024، كما تم تأجيل الفقرة «6.4» إلى (COP28) في عام 2023.
هل أسواق الكربون مفيدة حقًا؟ إجابات متنوعة
ترى إيريكا أنّه تم تصميم المادة 6، بما في ذلك سوق الكربون الذي تنشئه؛ لتعزيز الطموح من خلال إنشاء آليات تمكن البلدان من العمل معًا من أجل إجراءات مناخية أكثر طموحًا. تتمثل إحدى طرق القيام بذلك في السماح للبلدان (إلى حد كبير في شمال الكرة الأرضية) أو الشركات بشراء أرصدة الكربون لأنشطة التخفيف في أماكن أخرى (إلى حد كبير في الجنوب العالمي). ثم يستخدم المشترون هذه الاعتمادات للادعاء بأنهم في "صافي الصفر" أو يتجهون نحوه. وبذلك؛ فهي ترى أنّ أسواق الكربون غير فعّالة لهذه الدرجة.
من جانب آخر، يرى جوناثان أنه يجب الانتباه إلى جودة عمليات تبادل أرصدة الكربون، وإلا قد يكون هناك مخاطرة، وبدلًا من أن تكون أسواق الكربون أداة لخفض الانبعاثات، تصبح نوعًا من الغسل الأخضر. بينما يرى عيسى أنها قد تكون وسيلة ربح للدول النامية، لكن إذا تم إحكامها.
aXA6IDMuMTM3LjE3Ni4yMTMg جزيرة ام اند امز