مرونة خالية من الكربون.. كيف يستفيد المناخ من "ليبرالية السوق"؟

تأخذ الحكومات زمام المبادرة في تشكيل أسواق الطاقة استجابة للتقلبات الأخيرة وتحدي إزالة الكربون.

وكان لودفيج فون ميزس Ludwig von Mises، أحد أكثر المفكرين تقدميًا في التاريخ حول ليبرالية السوق، قد قال: "يمكن أن تكون الدولة ... [مصدرًا] للأذى والكارثة." ويعتقد خبير الاقتصاد في المدرسة النمساوية (1881-1973) بأنه عندما تبدأ الحكومات في التدخل في آليات السوق، يصبح من المستحيل عليها التوقف - مما يؤدي حتمًا إلى تعديلات وتدابير تنظيمية لا نهاية لها للحفاظ على الاقتصاد سليمًا.

والآن، في عصر التغيير العالمي الدراماتيكي، حيث أصبحت الطاقة الأوروبية أقل تحكمًا من قبل الأسواق الحرة، قد يكون الوقت قد حان لمحاكاة فكر "فون ميزس". أدت الحرب في أوكرانيا إلى تقلبات غير مسبوقة في أسعار الطاقة وتقويض أمن الطاقة. علاوة على ذلك، هناك تهديد آخر من المستحيل تجاهله: تغير المناخ والحاجة الملحة لإزالة الكربون.

• "بكين" تغلي.. الصين ترفع مستوى التحذير من "الحر" لأعلى مستوى
• الاقتصادات الناشئة والتمويل الأخضر.. أهم أوراق قمة "الميثاق" في باريس
  

يتصارع السياسيون الأوروبيون حاليًا مع تصميم سوق الطاقة وفقًا لهذه التحديات الجديدة. نظرًا لأن الحكومات قد أخذت زمام المبادرة في تصميم قواعد السوق المستقبلية للطاقة والغاز، وإدارة شركات الطاقة أيضًا. ومن الأمثلة على ذلك؛ هيمنة الحكومة الألمانية على شركة الطاقة Uniper والإبلاغ عن مفاوضات للاستحواذ على مشغل الشبكة TenneT، فضلاً عن زيادة حصص مشغلي أنظمة النقل الأخرى (TSOs).

يجب على الحكومات والمنظمين إيجاد طرق جديدة للعمل مع المشاركين في السوق لتصميم إطار سوق يدعم البنية التحتية للطاقة في المستقبل. كما يجب أن يدمج هذا التصميم الجديد الطاقة المتجددة بنجاح، ويُبقي الأضواء مضاءة بإشارات الأسعار المناسبة. هذا ويهدد التدخل الجائر في السوق، والروتين الذي يمثله، بإبطاء التقدم والابتكار في أكثر الأوقات أهمية.

يعد تحسين الشبكات وتحديثها ورقمنتها أمرًا بالغ الأهمية لدمج مصادر الطاقة المتجددة، وبالتالي الانتقال الناجح للطاقة. نحن بحاجة إلى سوق للطاقة؛ حيث لا يعيقنا سعر الجملة للوقود الأحفوري. وهذا يتطلب تحولا هائلا لتمكين المرافق من بناء شبكات ذكية دون انقطاع لتوفير مصادر طاقة وفيرة "مجانية" مثل الرياح والشمس.

للوصول إلى هدف خطة العمل المناخية للاتحاد الأوروبي، وحصة 80% من إجمالي التوليد الخالي من الوقود الأحفوري بحلول عام 2030، فالحاجة ملحة إلى سياسة تقيد التدخل بشكل متعمد وتدعم شركات الطاقة في زيادة السعة والمرونة ، مثل:

1. محطات الذروة سريعة البدء - جاهزة للوقود الأخضر عند توفرها بشكل كافٍ

2. يتم نشر تخزين الطاقة على نطاق واسع عند مستوى الجهد المتوسط إلى أعلى

3. تحسين قواعد أصول شبكة التوزيع لتجميع الكهرباء المتصاعدة ورقمنة الشبكة

يجب أن تدعم السياسة تطوير المرونة الخالية من ثاني أكسيد الكربون والنسخ الاحتياطي والتخزين لتأمين القدرة على تحمل تكاليف الطاقة بشكل عام. فقد تسببت الحرب في أوكرانيا في حدوث اضطرابات خطيرة في سلسلة التوريد وزيادة المنافسة على المواد الخام والموارد ذات الأهمية الانتقالية، مثل النيكل لبطاريات السيارات الكهربائية والألومنيوم للألواح الشمسية.

لذا ستتطلب إزالة الكربون عن الطاقة الأوروبية استثمارات خاصة كبيرة، والتي يجب تحفيزها بالثقة والأمن، والعوائد السليمة وطويلة الأجل. في الوقت نفسه يمكن أن يساعد التمويل العام لمصادر الطاقة المتجددة من خلال عقود الفروق المتماثلة (CFDs)، وكذلك اتفاقيات شراء الطاقة (PPAs) ، في الحفاظ على سيولة السوق.

لمواجهة التحديات الحالية بنجاح، يجب أن يتم تمكين صناعة الطاقة من قبل صانعي السياسات لأخذ زمام المبادرة في تشكيل تصميم السوق.

إن ما تحتاجه شركات الطاقة هو أساس سياسي مدرك وواعي لظروف السوق الجديدة. يجب أن تكون السياسة التي تشكل مستقبل أسواق الطاقة في أوروبا بعيدة المدى. ما نحتاجه هو لمسة خفيفة وحوار تعاوني بين المشاركين في السوق والاستماع اليقظ وفهم عميق لشركات الطاقة وتحدياتها الحالية.

يجب على السياسيين الامتناع عن محاولة "إدارة الأسواق" بأنفسهم. يجب أن تدعم إطارًا يعهد إلى المرافق بتسريع حلول المرونة وقدرة التوليد الخضراء -من خلال جذب المباني الجديدة والاستثمار والحفاظ على السيولة والقدرة التنافسية للأسواق.

بشكل عام، يعد تحرير أسواق الطاقة في أوروبا قصة نجاح. كما أن المكاسب الضخمة في التجارة عبر الحدود وتحسين الكفاءة والنمو الكبير في مصادر الطاقة المتجددة دليل على ذلك. الآن، بعد جيل تقريبًا، يجب أن ينتقل هذا النموذج. نحن بحاجة إلى تصميم لسوق الطاقة يعمل وفقًا لنفس المبادئ الأساسية لليبرالية السوق التي حددت عمل Ludwig von Mises.

يجلب الوضع الحالي العديد من التحديات التي تتطلب استجابات عاجلة. تحتاج الحكومات والجهات التنظيمية إلى الخروج من الوضع التفاعلي واستخدام السياسة كأداة لتصميم أسواق الغد بالتعاون مع المشاركين في السوق.